الشرقية - إيمان مهنى
وسط موجات المعارك الطاحنة التى تشهدها الانتخابات البرلمانية الجارية، تحضر محافظة الشرقية فى الصف الأول من المحافظات ذات الدوائر والمنافسات الساخنة، نظرًا لطبيعتها المختلطة والمتداخلة، بين الأفكار والعادات الريفية، إضافة إلى قدر من القبلية والتربيطات وشيوع الروابط والتكتلات العائلية، وصولاً إلى انتشار ظواهر التوجيه والحشد وانتشار المال السياسى وسيطرة الوجوه القديمة وحضور السلاح فى السباق، وإن كانت هذه المظاهر قد خفتت حدّتها نوعًا ما فى نسخة 2015 من الانتخابات، فالعودة السريعة إلى الماضى القريب تكشف عن تفاصيل الصورة بوضوح أكبر، إذ سنجد بقليل من المتابعة أن الشرقية قد شهدت معارك انتخابية شرسة وأحداثًا دامية بين المرشحين خلال السنوات الـ 10 الماضية، من أجل الوصول إلى "مقعد" البرلمان حتى ولو كان ملطّخًا بالدم، ولم يقتصر الصراع فى المشهد الانتخابى بدوائر الشرقية على المناوشات أو المشاجرات أو الاشتباكات العادية والعابرة، بل وصل الأمر إلى وقوع جرائم كبيرة، وإلى نزيف الدماء على مذبح كرسى البرلمان والسجادة التى تفرش الطريق إليه، ما جعل البعض يطلق على عدد من دوائر محافظة الشرقية وصف "دوائر الدم والنار"، ومن أبرز تلك المعارك والجرائم التى شهدتها المحافظة وفاة 4 مواطنين وإصابة آخرين فى مشتول السوق، ومصرع آخر فى الحسينية بعد معركة كلامية، وأيضًا مصرع مرشحة فى ظروف غامضة، وصولاً إلى وفاة رئيس لجنة الانتخابات إثر إصابته بأزمة قلبية على خلفية تعرضه لضغوط أمنية، حسب ما قاله بعض المتابعين والمتصلين بلجنة انتخابات الشرقية وقتها.
دورة 2010 ومسلسل من الأحداث الدامية
فى ليلة إعلان كشوف الأسماء النهائية للمرشحين فى الانتخابات البرلمانية بدورة 2010، بعد الانتهاء من فحص الطعون، وفى أثناء تجمهر عشرات من المرشحين وأنصارهم أمام المحكمة، فى انتظار النتيجة والاطمئنان على قبول أورقهم بعد تسريب أنباء عن قبول طعون ضد نواب الحزب الوطنى وشطبهم من المنافسة لكونهم تقدموا كعمال فى حين أن صفاتهم فئات، دخلت سيارة إسعاف بسرينتها المعروفة، ودخل فريق من المسعفين إلى مقر المحكمة، لنقل المستشار إبراهيم درويش، رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات بالمحافظة ورئيس محكمة استئناف الزقازيق وقتها، ليتم نقله إلى المستشفى وإعلان خبر وفاته بعدها بأقل من ساعة، ووقتها قالت اللجنة المشرفة على الانتخابات وقتها إن المستشار تعرض لأزمة قلبية نتيجة الإجهاد والمضاعفات المرضية، إلا أن أقاويل عديدة تواترت من عدد من المرشحين والمسؤولين فى ليلة الواقعة، تشير إلى أن الفقيد كان ينوى قبول الطعون ضد عدد من أباطرة الحزب الوطنى وقتها، الأمر الذى كان سيترتب عليه استبعادهم من كشوف المرشحين، ولكن أمن الدولة وبعض الأجهزة السيادية مارست ضغوطًا كبيرة عليه ليتراجع عن قراره، وهو الأمر الذى لم يتحمله الفقيد.
مصرع 4 فى إطلاق نار أمام لجنة الفرز
دورة 2010 التى سبقت ثورة يناير بأسابيع وتم حل مجلسها سريعًا كانت أكثر الدورات الانتخابية الملطخة بالدماء فى دائرة الشرقية، فخلال تجمّع مرشحى دائرة مشتول السوق وأنصارهم أمام لجنة فرز الأصوات، ووسط حالة من الترقب والقلق، دخلت سيارة "ملاكى" يقودها أحمد السيد صالح، أحد أنصار اللواء محمد صالح، مرشح الحزب الوطنى، على مقعد العمال ليصدم مواطن يدعى محمد رشاد، من أنصار مرشح آخر، وعليه تطور الأمر إلى مشاجرة، تلاها تجمّع عدد من أعراب قرية "تل الجراد" من أسرة المصاب، والذين أطلقوا الأعيرة النارية بشكل عشوائى ومكثف، لينتشر الرعب والذعر فى المكان، ما أسفر عن مصرع سامى عبده، ومحمد حمودة، ومحمود عبده وحمدى فرج، إضافة إلى إصابة 6 آخرين.
ويشار إلى أن اللواء محمد صالح كان مساعدًا لوزير الداخلية ورئيسًا للجنة الأمن بالمجلس المحلى، وهو ابن شقيقة شيخ الأزهر السابق، الدكتور عبد الحليم محمود، ويتمتع بشعبية كبيرة بين أهالى الدائرة، لكونه واحدًا من القيادات الأمنية المشهود لها بالنزاهة والعمل الجاد، ومنذ ليلة الحادث الذى توفّى فيه اثنان من أفراد أسرته، إضافة إلى المصابين، فضل "صالح" اعتزال العمل السياسى.
"الحسينية".. صراع القبلية لا يخلو من الدم
تتميز دائرة الحسينية بمحافظة الشرقية بقدر واضح من العصبية القبلية وتمسك العائلات الكبرى بمقعد البرلمان، فى تعامل معه كواحد من مفردات الوجاهة والثقل الاجتماعى وأنه جزء لا يتجزأ من هيبة العائلة، ومن أبرز هذه العائلات الشهيرة فى مجال الصراع الانتخابى والتمثيل النيابى بالحسينية، عائلة الطحاوى، والتى احتفظت بمقعدين لمجلسى الشعب والشورى لعدّة دورات، وفى انتخابات التجديد النصفى للشورى الأخيرة فى العام 2008، نشبت مشاجرة بين أحد انصار النائب بركات درمان الطحاوى، وآخر من أنصار أحد المرشحين المنافسين، ليطلق الأول عدّة أعيرة نارية مصيبًا الطرف الثانى، الذى لقى مصرعه فى الحال، وهو الأمر الذى تسبب فى أزمة كبيرة، وتجمهر الأهالى وأنصار المرشحين، لتقع مشاجرات وصدامات حادة وكادت تنتهى بجريمة أخرى أكثر فداحة، إلا أن الشرطة تدخّلت بشكل عاجل وسيطرت على الأمر، وتم القبض على المتهم وقتها ومحاكمته.
وفاة مرشحة فى ظروف غامضة
سعاد تعيلب، اسم معروف لأهالى مركز أبو حماد، ومرشحة الدائرة فى الانتخابات البرلمانية بدورة 2005، ورغم اشتهار دائرة أبو حماد بالعصيبة والقبلية والطابع الريفى الذى غالبًا ما يرفض أن تمثله سيدة فى البرلمان، ورغم رفض الحزب الوطنى المنحل لترشيحها على قوائمه، إلا أن سعاد تعيلب كانت سيدة من طراز خاص، قبلت التحدى وخاضت الانتخابات مستقلة، لتصارع حيتان الدائرة بقلب حديدى، ومع تمتعها بحب وقبول كبيرين من أهالى الدائرة، وتكاتف الناخبين حولها بشكل مثير للانتباه، مثّلت مفاجأة كبيرة ورهانًا قويًّا فى السباق الانتخابى، إلا أن المفاجأة الأكبر فيما يخص "سعاد تعيلب" تمثّلت فى استيقاظ أهالى الدائرة على خبر مصرعها فى حادث سير فى أثناء عودتها من القاهرة إلى مدينة "أبو حماد"، ما أثار الشكوك حول ظروف الحادث وملابساته، بينما أشار كثيرون من المحيطين بها والمتصلين بشؤون الدائرة إلى شبهة وراء الحادث واحتمال أن تكون له صبغة جنائية.