في إطار اهتمام مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، برصد وتحليل كل ما هو متعلق بالمؤشرات والتقارير العالمية التي تتناول الشأن المصري أو تدخل في نطاق اهتماماته؛ تناول المركز مؤشر الشمول المالي العالمي 2025 الصادر عن البنك الدولي، والذي أشار إلى أن 79% من البالغين حول العالم يمتلكون حسابًا مصرفيًا أو في مؤسسة مالية مماثلة، أو لدى مزود خدمة مالية عبر الهاتف المحمول، أو كليهما وذلك في عام 2024، مقارنةً بـ 74% في عام 2021.
وقد ارتفعت ملكية الحسابات المالية عالميًا بنسبة 5% خلال الفترة بين عام 2021، و2024، بينما بلغت الزيادة 6% في الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث أصبح 75% من البالغين في هذه الاقتصادات يمتلكون حسابات مالية.
وأوضح التقرير أن أصحاب الحسابات باتوا يستخدمون بشكل متزايد هواتفهم المحمولة أو بطاقات الخصم أو الائتمان المرتبطة بحساباتهم لإجراء المعاملات المالية. وفي الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، أصبح أكثر من نصف الحسابات مُمكّنة رقميًا بهذه الوسائل، بما في ذلك حسابات الأموال عبر الهاتف المحمول، وكذلك الحسابات المصرفية في المؤسسات المالية المماثلة مثل الاتحادات الائتمانية، والتعاونيات، ومؤسسات التمويل الأصغر، ومكاتب البريد.
وتُسهم حسابات الأموال عبر الهاتف المحمول بشكل لافت في تعزيز الشمول المالي، إذ أن النمو المسجّل في نسبة امتلاك الحسابات خلال العقد الماضي يُعادل تقريبًا الزيادة في عدد الأشخاص الذين يمتلكون إما حسابًا واحدًا فقط للأموال عبر الهاتف المحمول، أو حسابًا مزدوجًا يجمع بين حساب مصرفي وحساب على الهاتف المحمول.
وفي هذا السياق، لعبت شركات الاتصالات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء دورًا محوريًا في قيادة ثورة المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، من خلال توفير حسابات بسيطة وسهلة الاستخدام عبر الهواتف المحمولة، ما أسهم في تسريع وتوسيع نطاق الشمول المالي في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن شركات الاتصالات التي تقدم خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول في أفريقيا غالبًا ما تعمل بشكل مستقل عن البنوك التقليدية. ورغم أن هذه الخدمات نشأت في شرق إفريقيا، فإنها سرعان ما انتشرت في مختلف أنحاء القارة، لتصبح المزود المالي المهيمن في بعض اقتصادات المنطقة. وتغطي هذه الخدمات مجموعة متنوعة من الأنشطة المالية، مثل سداد واستلام المدفوعات، والادخار، والاقتراض.
وأضاف التقرير أنه مع استمرار نجاح تجربة الأموال عبر الهاتف المحمول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بدأت مناطق أخرى حول العالم تجني ثمارها أيضًا. ففي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، يقترب معدل اعتماد الأموال عبر الهاتف المحمول من المستويات المسجّلة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وغالبًا ما تُستخدم هذه الخدمات بالتوازي مع الحسابات المصرفية أو لتمكينها رقميًا ضمن المؤسسات المالية. كما تعمل بعض الاقتصادات في أوروبا وآسيا الوسطى على تضييق فجوات الشمول المالي، من خلال تبني خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول أو غيرها من الحلول الرقمية.
ولقياس هذا النمو، ارتفعت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مالية عبر الهاتف المحمول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من 27% في عام 2021 إلى 40% بحلول عام 2024. وبالمثل، شهدت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي زيادة مماثلة، حيث ارتفعت النسبة من 22% في عام 2021 إلى 37% في عام 2024.
وقد أشار التقرير إلى أن 86% من البالغين حول العالم يمتلكون هاتفًا محمولًا، وغالبية هؤلاء يمتلكون هواتف ذكية. ومع ذلك، لا تزال الهواتف الأساسية -التي لا تتيح الاتصال بالإنترنت- تلعب دورًا مهمًا في توفير وسيلة اتصال منخفضة التكلفة، خاصةً في مناطق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ورغم أهمية الهواتف الأساسية، أوضح التقرير أن توسيع نطاق انتشار الهواتف الذكية يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز الوصول إلى الفرص الاقتصادية والخدمات المالية الرقمية، إذ تُستخدم هذه الأجهزة كوسيلة رئيسية للوصول إلى الإنترنت، خاصة في الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل.
ويُقدَّر أن نحو 70% من سكان العالم يستخدمون الإنترنت، وغالبية هؤلاء البالغين يعتمدون على الهواتف الذكية للاتصال بالشبكة، وبناءً على ذلك، فإن توسيع ملكية الهواتف الذكية يمكن أن يُسهم في توسيع قاعدة المستخدمين الرقميين. وتُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي النشاط الرقمي الأكثر شيوعًا عالميًّا، حيث يستخدمها 45% من البالغين، ونحو 80% من مستخدمي الإنترنت. وتتجاوز أهمية هذه المنصات مجرد التواصل الاجتماعي، إذ توفر للأسواق الرقمية فرصة قيّمة للتوسع؛ ففي الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل، تمكن هذه المنصات التجار من الوصول إلى شرائح أوسع من العملاء. وتشير البيانات إلى أن نحو 6% من البالغين الذين يستخدمون الإنترنت يعتمدون عليه كمصدر دخل، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 10% في اقتصادات شرق آسيا والمحيط الهادئ، وهي المنطقة التي تسجل أعلى معدلات انتشار للهواتف الذكية، وثاني أعلى معدل استخدام للإنترنت، وأعلى مستوى لاعتماد مدفوعات التجار الرقمية.
وأوضح التقرير أن المستويات المرتفعة لامتلاك الهواتف المحمولة، واستخدام الإنترنت، إلى جانب الزيادة الملحوظة في امتلاك الحسابات المالية واستخدامها، تُعد إنجازات تنموية بارزة تعكس التقدم المحرز في مسار الشمول المالي الرقمي. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات جوهرية تتطلب تدخلات موجهة لضمان استدامة هذا التقدم وتعزيزه، ويتمثل التحدي الأول في الوصول إلى الفئات المتبقية من السكان غير المشمولين ماليًا، خاصة النساء والفئات ذات الدخل المنخفض، من خلال مبادرات مصممة بعناية تراعي السياقات المحلية والثقافية والاقتصادية.
أما التحدي الثاني، فيكمن في تطوير سياسات وبرامج ومنتجات مالية تُعزز الصحة المالية للأفراد، من خلال تمكينهم من التخفيف من مصادر القلق المالي، وزيادة قدرتهم على الصمود أمام الأزمات، وتحقيق أهدافهم المالية على المدى الطويل.
وأفاد التقرير في ختامه - أنه من الضروري أن تُصمم جهود توسيع الشمول الرقمي والمالي ضمن إطار متكامل يأخذ في الاعتبار السياق الأوسع، بما في ذلك توافر البنية التحتية الرقمية، وحماية المستهلك، والثقة في النظام المالي. وتقع على عاتق الحكومات ومزودي الخدمات المالية مسؤولية تأسيس أطر تنظيمية قوية لحماية المستهلك، وتطبيقها في جميع مراحل تصميم المنتجات، والمبيعات، والإدماج، وتجربة المستخدم. وبهذا النهج الشامل، يمكن رسم ملامح الموجة التالية من الشمول المالي، بما يضمن الوصول إلى الشرائح التي لا تزال مستثناة من النظام المالي الرسمي.