الأحد، 28 ديسمبر 2025 08:47 م

د.نرمين صلاح القماح تكتب: اعتراف إسرائيل بـ"صوماليالاند" ينقل الصراع إلى القرن الأفريقي

د.نرمين صلاح القماح تكتب: اعتراف إسرائيل بـ"صوماليالاند" ينقل الصراع إلى القرن الأفريقي
الأحد، 28 ديسمبر 2025 05:02 م
شهد الصراع في الشرق الأوسط منذ أواخر عام 2023 تحوّلًا نوعيًا مع دخول جماعة الحوثيين في اليمن على خط المواجهة غير المباشرة مع إسرائيل، عبر استهداف الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، بزعم دعم القضية الفلسطينية. ولم يعد هذا الصراع محصورًا في إطاره اليمني المحلي أو في سياق الحرب الإسرائيلية–الفلسطينية، بل أخذ أبعادًا إقليمية ودولية متشابكة. ويأتي اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» (صوماليلاند) ليضيف بعدًا جيوسياسيًا جديدًا، ينقل بعض ملامح الصراع إلى القرن الأفريقي، ويثير تساؤلات حول مساراته المستقبلية.
 
يمكن توصيف الصراع الإسرائيلي–الحوثي باعتباره صراعًا غير متماثل ، تتواجه فيه دولة ذات قدرات عسكرية وتقنية متقدمة مع فاعل مسلح من غير الدول، يعتمد على تكتيكات الحرب غير النظامية. كما يندرج الصراع ضمن نموذج الحروب بالوكالة (Proxy Wars)، حيث تمثل جماعة الحوثيين أحد أذرع النفوذ الإيراني في الإقليم، في مقابل إسرائيل التي تتحرك ضمن شبكة تحالفات غربية، على رأسها الولايات المتحدة.
 
إضافة إلى ذلك، يتميز الصراع بكونه بحريّ الطابع، إذ تشكل الممرات المائية الاستراتيجية (باب المندب–البحر الأحمر–قناة السويس) ساحة رئيسية للاشتباك، ما يضفي عليه أهمية تتجاوز الأطراف المباشرة ليطال الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة والتجارة الدولية.
 
يرتبط سلوك الحوثيين ارتباطًا وثيقًا باستراتيجية إيران الإقليمية القائمة على “تعدد الساحات”، أي تشتيت الضغط عن طهران عبر فتح جبهات غير مباشرة ضد خصومها. وفي المقابل، تحاول إسرائيل منع تشكل طوق استراتيجي معادٍ يمتد من لبنان إلى اليمن مرورًا بالعراق وسوريا.
 
في ضوء ما سبق يمكن قراءة السيناريوهات المحتملة للصراع في ضوء الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال
السيناريو الأخطر يقوم على انتقال الصراع من السواحل اليمنية إلى الضفة الأفريقية للبحر الأحمر، في حال اعتبر الحوثيون أي وجود إسرائيلي في «أرض الصومال» أو مناطق مجاورة تهديدًا مباشرًا. وقد يتجسد ذلك عبر استهداف مصالح إسرائيلية أو حلفائها في القرن الأفريقي، سواء بوسائل عسكرية مباشرة أو عبر وكلاء محليين.
يمثل هذا السيناريو خطرًا كبيرًا على استقرار دول المنطقة، نظرًا لما قد يترتب عليه من توسيع دائرة الخصوم للحوثيين، وإثارة ردود فعل أفريقية وعربية ودولية واسعة.
 
السيناريو الأرجح يفترض استمرار الحوثيين في شن هجمات محدودة ومنتقاة ضد السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إلى موانئها، دون الوصول إلى إغلاق كامل للممرات البحرية. في المقابل، تواصل إسرائيل سياسة الردع غير المباشر، عبر الاستخبارات والتنسيق مع التحالفات البحرية الدولية، دون الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع الحوثيين.
 
يُرجَّح هذا السيناريو لأنه يحقق توازنًا نسبيًا بين أطراف الصراع: فهو يمنح الحوثيين حضورًا رمزيًا وإعلاميًا، ويتيح لإسرائيل احتواء التهديد دون تحمل كلفة حرب بعيدة جغرافيًا.
 
السيناريو الثالث يرتكز على نجاح الجهود الدولية في احتواء التوتر عبر أدوات دبلوماسية واقتصادية، وربط ملف البحر الأحمر بتسويات إقليمية أوسع، تشمل الملف النووي الإيراني أو ترتيبات أمنية في اليمن.
يؤدي هذا المسار إلى تراجع وتيرة الهجمات، لكنه لا يعالج جذور الصراع، بل يؤجل انفجاره المحتمل، ما يجعله حلًا مؤقتًا أكثر منه تسوية دائمة.
 
وفي هذا السياق، لا يمثل اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» سببًا مباشرًا للصراع، بقدر ما يشكل عاملًا إضافيًا في إعادة تشكيل جغرافيته وأدواته، ضمن صراع أوسع على النفوذ في البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
 
مدرس الأدب العبري الحديث والمعاصر بكلية الألسن جامعة عين شمس

الأكثر قراءة



print