في وقت يشهد فيه العالم تحديات اقتصادية وجيوسياسية متلاحقة، نجح قطاع الصادرات الزراعية المصرية في كتابة فصل جديد من فصول التفوق، محطماً كافة الأرقام القياسية السابقة.
وبخطى ثابتة، استطاعت مصر أن تفرض هيمنتها على الأسواق الدولية، محولةً أراضيها إلى سلة غذاء عالمية تتهافت عليها القارات، من قلب أوروبا إلى أقصى شرق آسيا.
نمو استثنائي في عام التحديات
كشف علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، أن الصادرات الزراعية المصرية حوالي 8.8 مليون طن حتى الآن، هذا الرقم لا يمثل مجرد كميات مُصدرة، بل يعكس زيادة جوهرية بلغت 750 ألف طن مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مما يؤكد أن المنظومة التصديرية تسير وفق منحنى صعودي متسارع.
وأكد فاروق أن هذه "الطفرة التاريخية" هي انعكاس مباشر لقوة ومرونة الاقتصاد المصري، وشهادة دولية على نجاح الدولة في تعزيز تنافسية منتجاتها عبر الالتزام الصارم بأعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية العالمية.
الموالح تتربع والبطاطا "الحصان الأسود"
وفقاً للتقرير الرسمي الذي أعده الدكتور محمد المنسي، رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي، جاء ترتيب المحاصيل ليعكس تنوعاً فريداً في السلة التصديرية المصرية:
1- الموالح (المركز الأول)، واصلت تصدرها للقائمة بكمية تجاوزت 2 مليون طن، حيث لا يزال البرتقال المصري هو المفضل عالمياً.
2- البطاطس (المركز الثاني)، حققت 1.3 مليون طن، مما يعزز مكانة مصر كأحد أهم موردي البطاطس للاتحاد الأوروبي وروسيا.
3- البطاطا الحلوة (المركز الثالث)، سجلت مفاجأة الموسم بكمية 328 ألف طن، لتصبح رسمياً "الحصان الأسود" الجديد في الصادرات الزراعية.
4. الفاصوليا (المركز الرابع)، بنوعيها الطازجة والجافة، سجلت حوالي 312 ألف طن.
5، البصل (المركز الخامس). رغم التحديات، حقق 282 ألف طن، محتفظاً بوجوده القوي في الأسواق العربية والأوروبية.
ولم يتوقف النجاح عند هذا الحد، بل شمل قائمة طويلة من "سفراء الزراعة المصرية"، ضمت العنب (191 ألف طن)، الرمان (154 ألف طن)، المانجو (122 ألف طن)، بالإضافة إلى كميات متميزة من الطماطم (64 ألف طن)، الفراولة الطازجة (46.7 ألف طن)، الثوم (43.9 ألف طن)، والجوافة (19.2 ألف طن).
منظومة الحجر الزراعي
وراء هذه الأرقام الضخمة، تقف منظومة رقابية حديدية يقودها الحجر الزراعي المصري والمعامل المرجعية، إن السر في نفاذ المنتج المصري للأسواق الصعبة (مثل اليابان، أمريكا، وكندا) يكمن في "منظومة التكويد". هذه المنظومة تمنح كل مزرعة "هوية رقمية" تتيح تتبع المنتج من لحظة وضع البذرة حتى وصوله لمائدة المستهلك في الخارج.
هذا الانضباط الفني ساهم في تقليص "إخطارات الرفض" الدولية إلى مستويات تقترب من الصفر، مما منح المصدر المصري "جواز مرور" آمن لكل الموانئ العالمية.
غزو الأسواق الجديدة
لم تكتفِ وزارة الزراعة بالأسواق التقليدية، بل تحركت عبر "العلاقات الزراعية الخارجية" لفتح أسواق غير تقليدية. نجحت الجهود في فتح السوق الفلبيني أمام البصل والثوم، وتوسيع الوجود في أسواق جنوب شرق آسيا وأفريقيا.
هذا التوسع اللوجستي، توازى معه جهد ضخم لتذليل العقبات الإجرائية، وتطوير الموانئ، وسرعة إنهاء الفحص الجمركي للمحاصيل "سريعة التلف" مثل الفراولة والطماطم، لضمان وصولها بأعلى جودة ممكنة (Fresh)، وهو ما يرفع من قيمتها السعرية بالعملة الصعبة.
الصادرات كركيزة للأمن القومي
إن تحقيق 8.8 مليون طن صادرات ليس مجرد نجاح لوزارة الزراعة، بل هو دعم مباشر للبنك المركزي المصري. فالقطاع الزراعي يعد الآن أحد الأعمدة الرئيسية لجلب العملة الأجنبية، وتوفير ملايين فرص العمل في الريف والحضر، بدءاً من المزارع الصغير، وصولاً إلى عمال التعبئة والمهندسين الزراعيين وشركات اللوجستيات.
وأشاد فاروق بكافة حلقات المنظومة، مؤكداً أن المزارع المصري هو "البطل الحقيقي" في هذه الملحمة، حيث استطاع استيعاب التكنولوجيات الحديثة وتطبيق الممارسات الزراعية الجيدة (GAP) التي جعلت محاصيله تضاهي، بل وتتفوق على، نظيراتها العالمية.
نظرة مستقبلية نحو الـ 10 ملايين طن
تستهدف الدولة المصرية خلال المرحلة القادمة كسر حاجز الـ 10 ملايين طن صادرات زراعية طازجة، مع التوسع في "التصنيع الزراعي" لزيادة القيمة المضافة للمحاصيل.
إن استمرار هذا النمو يتطلب استدامة الجهود في مواجهة التغيرات المناخية، وهو ما يقوم به مركز البحوث الزراعية عبر إصدار تحذيرات استباقية لضمان حماية المحاصيل من التقلبات الجوية، وتوفير التقاوى.
الخلاصة:
إن الصادرات الزراعية المصرية اليوم هي "القوة الناعمة" التي تتواجد في كل بيت حول العالم. ومع وصولنا إلى 8.8 مليون طن بزيادة 750 ألف طن عن العام الماضي، نرسل رسالة واضحة بأن الزراعة المصرية تمر بعصرها الذهبي، وأن رهان الدولة على هذا القطاع كان رهاناً رابحاً بكل المقاييس.