وضع قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى معلومات دقيقة تمكن المستهلك من تقييم جودة الماشية واللحوم بمهارة الخبراء، في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها الوزارة لرفع مستوى الوعي الصحي لدى المواطنين.
تبدأ رحلة الحصول على غذاء آمن من لحظة اختيار الحيوان الحي، حيث تعد الحالة الظاهرية للحيوان مؤشراً حاسماً على سلامته الداخلية، إذ يجب أن يظهر الحيوان بحيوية واضحة من خلال رأس مرفوعة لأعلى لا يشوبها الخمول، مع عينين تفيضان باللمعان والصفاء، بعيداً عن أي اصفرار أو احمرار أو إفرازات دمعية قد توحي بوجود اعتلالات صحية، فضلاً عن ضرورة مراقبة نمط التنفس الذي يجب أن يكون هادئاً ومنتظماً، خالياً من أي نهجان أو سعال قد ينبئ عن إصابات صدرية مزمنة.
وتستمر عملية الفحص الظاهري الدقيق لتشمل الأنف والفم، حيث يشدد الخبراء على ضرورة خلوهما من أي رشح أو إفرازات غير طبيعية، مع تقييم الغطاء الخارجي للحيوان سواء كان صوفاً أو شعراً، والذي يجب أن يكون ناعم الملمس، نظيفاً، وقوياً عند اختبار نزعه باليد، مما يعكس توازناً غذائياً وصحة جلدية خالية من الجروح والتشققات والدمامل.
ولا تكتمل صورة الحيوان السليم إلا بقوائم ممتلئة وقوية تدعم حركة نشطة، وتوزيع عادل للكتلة العضلية في مناطق الرقبة والظهر ومقدمة الصدر، مع التأكد من أن الكرش يتمتع بمرونة طبيعية لا تشي بانتفاخ مبالغ فيه، وخلو المنطقة الخلفية تماماً من أي آثار للإسهال التي تعد علامة فارقة في استبعاد الحيوانات المصابة باضطرابات هضمية حادة.
كيف تفرق بين اللحم الطازج والفاسد؟
وعند الانتقال إلى مرحلة تقييم اللحوم المذبوحة، تبرز معايير صارمة لضمان وصول منتج آمن للمستهلك، حيث يمثل اللون الأحمر الطبيعي، الذي يتدرج بين الفاتح والغامق حسب فصيلة الحيوان، المقياس الأول للجودة، شرط أن يصاحبه نسيج صلب ومتماسك يظهر مرونة عالية ولا يترك أثراً غائراً عند الضغط عليه.
إن خلو اللحوم من البقع الملونة بالأزرق أو الأخضر أو الأسود، ونظافتها من بؤر النزيف الحمراء، يعد ضمانة أساسية ضد الفساد الميكروبي، كما أن الرائحة الطبيعية الجيدة التي تخلو من التعفن أو التزنخ هي الفارق الجوهري بين اللحم الطازج واللحم الذي بدأ في التحلل، خاصة إذا ما اقترن ذلك بملمس جاف خالٍ من الأنسجة المخاطية أو اللزوجة الرخوة التي تظهر عادة نتيجة سوء التداول أو التخزين.
ويشدد قطاع الإنتاج الحيواني على أن الوعي بهذه العلامات يجب أن يتوج بسلوك شرائي منضبط، يبدأ من اختيار محلات جزارة تتمتع بسمعة طيبة ومعايير نظافة مرتفعة، وينتهي بالتحقق البصري من وجود أختام المجازر الحكومية الرسمية على الذبائح، فهي الصك الوحيد الذي يثبت مرور اللحوم عبر الرقبة البيطرية المختصة.
إن التكامل بين فحص قوام اللحم وتجانسه في اللون والملمس وبين الثقة في مصدر البيع يمثل حائط الصد الأول ضد اللحوم غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، ويضمن حماية المجتمع من مخاطر التسمم الغذائي، مما يعزز من منظومة الأمان الغذائي الشاملة التي تسعى الدولة لترسيخها.
قواعد لإطالة عمر اللحوم
تبدأ مرحلة الحفاظ على سلامة اللحوم فور مغادرة محل الجزارة، حيث ينصح خبراء التغذية بضرورة التوجه للمنزل مباشرة لتقليل فترة تعرض اللحوم للحرارة.
وبمجرد الوصول، يجب البدء في التبريد أو التجميد دون غسل اللحوم بالماء، لأن الرطوبة تحفز النشاط البكتيري، ويكتفى بمسحها بمنديل ورقي نظيف، ثم تقسيمها إلى قطع تتناسب مع حجم الوجبة لتجنب عملية "فك التجميد وإعادة التجميد" التي تدمر النسيج العضلي.
وفي الثلاجة، يجب وضع اللحوم في الرف السفلي (الأكثر برودة) في أوعية محكمة الغلق، على أن تستهلك خلال 48 ساعة.
أما في "الفريزر"، فتظل اللحوم الحمراء بجودة جيدة لمدة قد تصل إلى 6 أشهر عند درجة حرارة -18 درجة مئوية مع ضرورة الإذابة الصحية داخل الثلاجة قبل الطهي بـ 24 ساعة.
وتختلف مدة الصلاحية بناءً على نوع القطعية، فاللحوم المفرومة والأحشاء هي الأكثر حساسية وتلفاً، ويجب استهلاكها خلال 48 ساعة في الثلاجة أو تجميدها لمدة لا تتجاوز 4 أشهر.
وفي المقابل، تمتلك اللحوم المقطعة (الستيك والمكعبات) قدرة أعلى على الصمود لتصل إلى عام كامل في المجمد.
أما اللحوم المطبوخة، فلا تترك في درجة حرارة الغرفة لأكثر من ساعتين، وتحفظ في الثلاجة لثلاثة أيام أو في المجمد لمدة لا تتجاوز 3 أشهر، مع ضرورة مراقبة أي تغير في الرائحة أو الملمس كإجراء وقائي دائم.
التوابل والتتبيلات لحفظ اللحوم
تلعب بعض التوابل والأعشاب الطبيعية دوراً يتجاوز النكهة، فهي تعمل كمضادات أكسدة تحمي الدهون من التزنخ، ومن أبرزها "إكليل الجبل" و"الزعتر البري" و"ورق اللورا" و"المستكة"، والتي يفضل إضافتها "صحيحة" قبل التجميد.
كما تعد فكرة تجميد اللحوم داخل "تتبيلة" جاهزة من الحلول الذكية، مثل تتبيلة الأعشاب والليمون لشرائح الستيك، أو تتبيلة ماء البصل والبهارات الشرقية للطواجن، أو تتبيلة الزبادي والمستكة للمشويات، حيث تساهم هذه المكونات في تليين الألياف العضلية وضمان طراوة اللحم، مع التحذير من إضافة الملح قبل التجميد لتجنب جفاف الأنسجة.
الوعي المجتمعي
وفي النهاية، يبقى وعي المستهلك هو الركيزة الأساسية والضمانة الحقيقية لاكتمال منظومة الأمان الغذائي، فمعرفة العلامات الحيوية للماشية والدقة في فحص جودة اللحوم وتخزينها ليست مجرد مهارات تدبير منزلية، بل هي ثقافة صحية وقائية تحد من انتشار الأمراض.
إن الالتزام بتلك الإرشادات العلمية يضمن تحويل الوجبة اليومية إلى مصدر حقيقي للطاقة والبناء الصحي السليم، بعيداً عن أي ملوثات قد تهدد السلامة العامة.
وتضع الجهود الرسمية للجهات الرقابية النقاط على الحروف، لكنها تظل بحاجة إلى استمرارية المتابعة من قبل المواطن لضمان تداول آمن للحوم في كافة مراحلها.
لذا، فإن الاستثمار في المعرفة الصحية واتباع نصائح الخبراء هو السبيل الأمثل لتعزيز جودة الحياة، وضمان تقديم مائدة عامرة بالصحة والأمان، تتماشى مع المعايير الدولية لسلامة الغذاء وتدعم الاقتصاد القومي من خلال تقليل الفاقد من الثروة الحيوانية.