رانيا المشاط
فى قلب خريطة التنمية الشاملة، يبرز صعيد مصر كأحد أكبر الرابحين من موجة الاستثمارات العامة والمبادرات التنموية غير المسبوقة فى السنوات الأخيرة، حيث تحولت القرى والمراكز من مناطق تعاني فجوات خدمية إلى ساحات عمل مفتوحة تشهد تنفيذ مئات المشروعات في وقت واحد، مدفوعة برؤية تستهدف تحسين جودة الحياة ورفع كفاءة البنية الأساسية والإنسانية على حد سواء.
فى هذا الإطار، أكدت التقارير الصادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أن محافظات الصعيد تشهد طفرة تنموية واضحة، تقودها المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"، التي تتبنى نهجًا متكاملًا يجمع بين تطوير البنية التحتية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية، ودعم التنمية البشرية، بما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين.

جاء ذلك تزامنًا مع زيارة الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، لمحافظة الأقصر مؤخرًا، ضمن جولة شملت محافظات قنا وسوهاج والأقصر بصعيد مصر.
بحسب، وزارة التخطيط، بلغ إجمالى الاستثمارات الحكومية بمحافظة الأقصر نحو 4.2 مليار جنيه، بالعام المالي 2025/2026، من مجمل مُحافظات الصعيد والتى بلغت نحو 65.7 مليار جنيه، بما يعكس أولوية الإقليم في خطط الدولة التنموية، لاسيما وأن الصعيد يضم نحو 38% من سكان مصر، ويمثل ركيزة أساسية لتعزيز معدلات النمو الاقتصادى ورفع مساهمته فى الناتج المحلى الإجمالى.

وفيما يتعلق بالمرحلة الأولى من مبادرة "حياة كريمة" بمحافظة الأقصر، كشفت التقارير أن إجمالي المشروعات المنفذة بلغ 687 مشروعًا، تم الانتهاء من 589 مشروعًا بنسبة تنفيذ تقارب 86%، داخل مركزى إسنا وأرمنت، مستهدفة 36 قرية، وهو ما أسهم فى إنهاء سنوات من المعاناة المرتبطة بنقص الخدمات الأساسية، وتحويل القرى من مناطق تعتمد على تدخلات جزئية إلى نطاقات تنموية متكاملة.
ووفقًا لمؤشرات الأداء بنهاية العام المالى 2024/2025، شملت المشروعات توصيل شبكة الألياف الضوئية إلى 20 قرية بعدد 2.6 ألف مشترك، وتوصيل خدمة الغاز الطبيعى إلى 4.2 ألف وحدة سكنية، وتنفيذ 6 محطات تنقية مياه شرب، إلى جانب مد وتدعيم شبكات المياه بطول 81 كيلومترًا، وتركيب 4 آلاف وصلة مياه منزلية، بما انعكس على تحسين معدلات الحصول على مياه آمنة ومستدامة.

وفى مجال إدارة الموارد المائية والبنية الزراعية، تم تأهيل وتبطين ترع بطول 209 كيلومترات، ما ساهم في تقليل فاقد المياه، وتحسين كفاءة الري، ودعم الإنتاج الزراعى المحلى، فضلًا عن تنفيذ 10 مشروعات صرف صحي متكامل، وتركيب 35.2 ألف وصلة صرف صحى منزلية، وهو ما حدّ من المخاطر البيئية والصحية الناتجة عن الصرف العشوائى.
كما تضمنت جهود تطوير البنية الأساسية تنفيذ 33 مشروع كهرباء وإنارة، ورصف وتطوير 71 كيلومترًا من الطرق الرئيسية، بما عزز الربط بين القرى والمراكز، وسهل حركة المواطنين والبضائع، إلى جانب إنشاء 16 وحدة إسعاف، وتطوير 6 نقاط شرطة، وإنشاء 13 مجمعًا حكوميًا لتجميع الخدمات وتقليل زمن وتكلفة حصول المواطنين عليها.

وفى قطاع التعليم والشباب، تم تطوير وتجهيز 506 فصول دراسية، وصيانة 60 مدرسة، فضلًا عن إنشاء وتطوير 37 مركز شباب، فى خطوة تستهدف تحسين جودة العملية التعليمية، وتوفير مساحات آمنة للأنشطة الرياضية والثقافية، ودعم الاستثمار في رأس المال البشرى.
وامتدت المشروعات إلى دعم الخدمات الاقتصادية واللوجستية، من خلال تطوير 8 محطات سكة حديد، وإنشاء وتطوير 39 مكتب بريد، وتنفيذ 20 كوبري ري، إلى جانب إنشاء 13 مجمعًا زراعيًا، بما يدعم صغار المزارعين، ويحسن سلاسل الإمداد والتسويق الزراعى داخل المحافظة.

وفي إطار تعزيز التحول الرقمي والشمول المالى، تم تركيب 53 برج شبكة محمول، وإنشاء وتطوير 7 فروع بنكية، وتركيب 50 ماكينة صراف آلي داخل القرى المستهدفة، ما أسهم فى دمج آلاف المواطنين ضمن النظام المالى الرسمى، وتحسين الوصول إلى الخدمات المصرفية والدفع الإلكترونى.
وعلى صعيد التنمية الاجتماعية، ساهمت المبادرة في محو أمية 18.6 ألف مواطن، ما أدى إلى خفض معدل الأمية بمحافظة الأقصر بنسبة 7.3% خلال الفترة من 2021 إلى 2025، إلى جانب إنشاء 19 منشأة تضامن اجتماعي لدعم الفئات الأولى بالرعاية، وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية.

وأشارت وزارة التخطيط في تقريرها إلى أن هذه الاستثمارات لم تقتصر آثارها على تحسين الخدمات، بل أسهمت فى تنشيط الاقتصاد المحلي وتوفير آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة خلال مراحل التنفيذ، خاصة في قطاعات التشييد والنقل والخدمات، مؤكدة أن كثافة الأرقام وتنوع القطاعات المستهدفة يعكسان انتقال الدولة من منطق سد الفجوات إلى منطق إعادة بناء الريف المصري على أسس تنموية مستدامة.
وبالنظر إلى تلك الأرقام والمؤشرات، يتضح أن مبادرة "حياة كريمة" باتت نموذجًا تنمويًا متكاملًا، يعزز العدالة المكانية، ويدفع محافظات صعيد مصر نحو مشاركة أكثر فاعلية في مسار النمو الاقتصادى، بما يحقق تحسينًا ملموسًا فى حياة المواطنين ويعزز فرص التنمية طويلة الأجل.

واقتصاديًا، تعكس هذه الاستثمارات تحولًا هيكليًا في فلسفة إدارة التنمية، حيث لم تعد موجهة فقط لتحسين مستوى المعيشة، بل أصبحت أداة مباشرة لتحفيز النمو المحلي وزيادة كفاءة الاقتصاد الإقليمي، فالتوسع في البنية الأساسية والخدمات الإنتاجية يرفع من جاذبية محافظات الصعيد للاستثمار، ويُحسن إنتاجية العمل، ويقلص تكلفة النقل والمعاملات، بما يعزز القدرة التنافسية للاقتصاد المحلي.
كما يسهم دمج القرى في شبكات الاتصالات والشمول المالي في توسيع قاعدة الاقتصاد الرسمى، وزيادة معدلات الادخار والاستثمار، وخلق فرص عمل مستدامة، وهو ما يدعم تحقيق نمو أكثر توازنًا وعدالة مكانية، ويعزز مساهمة صعيد مصر في الناتج المحلي الإجمالي على المديين المتوسط والطويل.