الإثنين، 15 ديسمبر 2025 02:09 م

القتل بالسحر بين التأصيل الشرعي والواقع القانوني.. جمهور الفقهاء جعلوا "القتل بالسحر" من صور القتل العمد يوجب القصاص.. و"فراغ تشريعى" للجريمة رغم المسؤولية الجنائية.. وضرورة سن تشريع لممارسات الشعوذة والدجل

القتل بالسحر بين التأصيل الشرعي والواقع القانوني.. جمهور الفقهاء جعلوا "القتل بالسحر" من صور القتل العمد يوجب القصاص.. و"فراغ تشريعى" للجريمة رغم المسؤولية الجنائية.. وضرورة سن تشريع لممارسات الشعوذة والدجل
الإثنين، 15 ديسمبر 2025 12:00 م
كتب علاء رضوان

السحر في حقيقة الأمر من أعظم المهلكات العقدية التي قد يتعرض لها الإنسان، ومن الأمور الكفرية التي تناقض التوحيد ويمثل إحدى الموبقات السبع التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وبين خطرها، فهو صورة مشوهة وعالم عجيب وأمر عظيم وذنب كبير، ومشكلة من المشكلات القديمة المتجددة عبر الزمن، وقد انتشرت في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً، ومما أدى إلى هذا الانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت القيام بهذا العمل.

 

والآن أصبح بمجرد ضغطت زر تجد نفسك على جروبات السحرة والمشعوذين، وليست جروبات "جلب الحبيب سفلي وسحر التفريق ورد المطلقة" عنا ببعيد، فالأمر أصبح على المشاع، فقد ساعدت السوشيال ميديا في تعليم السحر للناس، وسهلت الدعاية له، مما جعل الكثير من ضعفاء الإيمان بربهم يلجأوون إليه في صب جمام غضبهم والعمل على الانتقام ممن يحقدون عليهم ويحسدونهم، الأمر الذي يدعو إلى بيان حكم هذا النوع من أنواع القتل في الشريعة وفي القانون، لنكون أما جريمة القتل بالسحر بين الشريعة والقانون.   

 

ضضش

 

القتل بالسحر بين التأصيل الشرعي والواقع القانوني

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على القتل بالسحر بين التأصيل الشرعي والواقع القانوني، بداية من التأصيل الشرعي وموقف المذاهب من القتل بالسحر، والقتل بالسحر في القانون المصري، وكذا غياب التجريم المباشر وحضور المسؤولية الجنائية، فضلا عن التقاطع بين الفقه والقانون – كيف نفهم القتل بالسحر في الواقع الحديث؟ والحاجة إلى ضبط تشريعي لممارسات الشعوذة والدجل – بحسب الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار.  

 

في البداية - أثارت بعض الوقائع التي تداولتها وسائل الإعلام مؤخرًا حول حوادث تشير إلى ما يعتقد بأنه "قتل باستخدام السحر" جدلًا واسعًا، وأعادت إلى الواجهة سؤالًا قديمًا في الفقه والواقع: هل يمكن أن يشكّل السحر وسيلة إجرامية لإزهاق الأرواح؟ وإذا افترضنا وقوع ضرر جسيم أو وفاة منسوبة إلى أعمال يزعم أنها "سحر"، فكيف تنظر الشريعة الإسلامية إليها؟ وما موقعها من المنظومة القانونية في مصر؟ - وفقا لـ"عمار".  

 

202203201112101210

 

أولًا: التأصيل الشرعي – موقف المذاهب من القتل بالسحر

 

إن معالجة هذه القضية تتطلب قدرًا كبيرًا من الانضباط العلمي؛ فبينما عالج فقهاء الشريعة السحر بوصفه حقيقةً مؤثرة وفق ما هو مستقر لديهم، يخضع القانون الحديث في إثبات الجرائم لمعايير معينة لا تقبل التأويل أو الظن، فقد تناول فقهاء المذاهب السحر من زاويتين: حكمه باعتباره معصية بل كبيرة من كبائر الذنوب وكونه من السبع الموبقات، كما جاء في الحديث الشريف، وحد فاعله وعقوبته من زاوية، وأثره كجريمة ومسئولية مرتكبه إذا ترتب عليه ضرر مادي كالقتل من زاوية أخرى – هكذا يقول "عمار".

 

هذا وقد ذهب جمهور العلماء إلى إمكانية وقوع ضرر بالغ من بعض أنواعه، وأن الساحر قد يتحمل مسؤولية القتل إذا تحقق سببه، وفيما يلي نستعرض بعض أقوال ومذاهب الفقهاء في المسألة:

 

1. الحنابلة

 

- ذكر ابن قدامة أن من قتل غيره بسحر "يقتل غالبًا"، وجب عليه القصاص؛ لأنه استعمل وسيلة مؤدية للموت في الأغلب، فكان حكمه حكم القتل بالسكين أو السم.

- أما إذا كان السحر لا يقتل غالبًا، فالحكم عندهم أقرب إلى شبه العمد.  

 

ظظظء

 

2. الشافعية

 

- قرر الشيرازي أن السحر إن كان من النوع المهلك في أغلب الأحيان وأدى إلى الموت، لزم القصاص.

 

- أما إذا لم يكن كذلك، فهو عمد خطأ يوجب الدية، أشبه بضرب العصا الذي قد يؤدي إلى الوفاة.

 

وقال النووي: قال أصحابنا : إذا قتل الساحر بسحره إنسانا أو اعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص، وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة، وتكون الدية في ماله لا على عاقلته، لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني، قال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصور باعتراف الساحر.

 

3. المالكية

 

- أثبت المالكية أن الساحر إذا اعترف أو ثبت بالبينة أنه تسبب في قتل شخص بسحره، فإنه يُقتص منه بالسيف.

- ويميل بعض فقهائهم إلى أن قتل الساحر قد يكون حدًا إذا ثبت كفره، أو قصاصًا إذا ترتب فعله على وفاة المجني عليه.

 

4. جاء في الموسوعة الفقهية في حكم الساحر إذا قتل بسحره: 

 

ذهب الجمهور إلى أن القتل بالسحر يمكن أن يكون عمدا وفيه القصاص ويثبت ذلك عند المالكية بالبينة أو الإقرار، وذهب الشافعية إلى أن الساحر إن قتل بسحره من هو مكافىء له ففيه القصاص إن تعمد قتله به، وذلك بأن يثبت ذلك بإقرار الساحر به حقيقة أو حكما كقوله قتلته بسحري أو قوله: قتلته بنوع كذا ويشهد عدلان يعرفان ذلك وقد كانا تاباً، بأن ذلك النوع يقتل غالبا، فإن كان لا يقتل غالبا فيكون شبه العمد .   

 

ددسس

 

الخلاصة:

 

بعد إيراد أقوال علماء المذاهب يتضح أن المسألة يتلخص منها أن جمهور الفقهاء جعلو ا القتل بالسحر صورة من صور القتل العمد، وأن فيه القود، وهو الصحيح إن شاء الله؛ وذلك نتيجة للقول بوجود السحر الحقيقي الذي يصل إلى حد قتل الإنسان به، أما الحنفية فلم يعتبروا القتل بالسحر صورة من صور القتل؛ لأن السحر عندهم لا حقيقة له – كما يرى "عمار".

 

ملحوظة: ولا يفوتنا هنا التأكيد على أنه يشترط ثبوت أن يكون القتل بسبب السحر، وثبوت مسئولية الساحر وارتكابه للسحر المسبب للقتل، وهو ما يتعذر -عمليا- إلا باعتراف الفعل وإقراره. 

 

ثانيًا: القتل بالسحر في القانون المصري – غياب التجريم المباشر وحضور المسؤولية الجنائية 

 

لا يعرف القانون المصري كوسيلة مادية يمكن أن تُحدث أثرًا عضويًا مثبتًا طبيًا يقود إلى الوفاة، ولذلك:

 

1. غياب النص المباشر: لا يوجد نص قانوني يجرّم "السحر" كجريمة مستقلة غير أن بعض الأفعال المرتبطة به قد تشكل جرائما معاقبا عليها بنصوص عقابية، كجريمة النصب، وذلك حال (استعمال طرق احتيالية لإيهام الغير)، أو ممارسة الشعوذة والدجل وفقًا لبعض قرارات الضبط الإداري.

 

2. إثبات القتل: القتل في القانون لا يُنسَب إلا لفعل مادي يمكن إثباته يقينًا ويتسبب في الوفاة. ولكي تُنسب الوفاة لشخص ما، يجب إثبات:

 

- الفعل المادي.

- علاقة السببية العلمية المباشرة.

- القصد الجنائي. 

 

ككس

 

3. التكييف الجنائي: في حال وفاة شخص في سياق يدّعى فيه ارتكاب أعمال سحر، فلا يمكن - وفقا للنصوص العقابية الحالية- معاقبة من يتهم بارتكاب هذه الأقعال بعقوبة القتل، مالم تظهر أفعال إجرامية أخرى وفق الأدلة المتوفرة في الواقعة:

 

- إذا ظهر عنف مادي أو استخدام وسيلة قاتلة: تكيّف القضية كـ قتل عمد.

- إذا كان هناك إيذاء بدني سابق أدى إلى الوفاة: فقد تشكل جريمة ضرب أفضى إلى موت.

- إذا لم توجد علاقة سببية علمية: ينتفي التكييف الجنائي ومن ثم العقوبة الجنائية نهائيًا.

 

4. الخبرة المقبولة قضائيًا: لا يعتمد القضاء المصري على شهادات "المشايخ" أو "المعالجين" بوصفهم خبراء، بل على الخبرة الطبية، النفسية، الكيميائية، والأدلة الجنائية المعترف بها.

 

ثالثًا: التقاطع بين الفقه والقانون – كيف نفهم القتل بالسحر في الواقع الحديث؟   

 

رغم الاختلاف الظاهري، إلا أن الفقه الإسلامي والقانون الجنائي يشتركان في مبدأ مهم:

 

- القتل لا يثبت إلا بما يغلب معه الظن أو العلم بأن الفعل يقتل غالبًا، وأن المتهم هو المتسبب يقينًا.

 

لكن تطبيق هذا المبدأ يختلف:

 

- عند الفقهاء: "غلبة الهلاك" مرتبطة بالسببية، والتي تؤكد -عند الجمهور- فاعلية السحر وتأثيره، غير أنه لا يفوتنا أن نؤكد على أم إثبات هذا الأمر بغير اعتراف الفاعل وإقراره على نفسه من الصعوبة بمكان، الأمر الذي حدا بكثير من الفقهاء إلى عدم قبول طريقا آخر لإثبات جريمة القتل بالسحر. 

 

- في القانون الحديث: لا يعترف القانون بالأسباب غير المادية، لذلك، فإن أي حديث عن "قتل بالسحر" اليوم لا يعدو كونه وصفًا لحالة وفاة قد تكون مرتبطة بمرض، أو اعتداء، أو ظروف جنائية أو غير جنائية، لكنها لا تُنسب -قانونًا- إلى "السحر" بوصفه سببًا. 

 

ددءء

 

رابعًا: الحاجة إلى ضبط تشريعي لممارسات الشعوذة والدجل

 

في ظل الانتشار الواسع لقضايا النصب والابتزاز التي تُرتكب تحت ستار "السحر"، وكذا ما تتسبب فيه هذا الممارسات غير المشروعة من أضرار مجتمعية خطيرة فقد باتت الحاجة أكثر إلحاحا إلى إطار قانوني أكثر صراحة:

 

1. تجريم واضح لممارسة الشعوذة: بتحديد الأفعال المكوّنة للجريمة، وسائل الإيهام والاستغلال، حالات العود، والعقوبات المغلظة عند إحداث ضرر بدني أو نفسي.

2. حماية الفئات الأكثر عرضة للاستغلال: بخاصة النساء وكبار السن ومن يعانون اضطرابات نفسية أو اجتماعية.

3. حملات توعية مجتمعية: لتصحيح المفاهيم الشعبية التي تُنسب إليها حالات وفاة لا علاقة لها بالسحر، وتشجيع الناس على اللجوء للقانون بدلًا من الخرافات.

4. وضع إطار قانوني يجرم القتل بالسحر حال ثبوته وذلك بإقرار الجاني واعترافه. 

 

images

 

خامسًا: ضوابط شرعية إضافية 

 

- معالجة السحر لا تكون بالسحر: بل بالطرق الشرعية المشروعة كالرقية الشرعية، الدعاء، والتحصين بالقرآن الكريم والأذكار الشرعية. أما اللجوء السحرة والدجالين والمشعوذين فمن أسباب زيادة البلاء وانتشاره.

 

- إقامة الحدود منوطة بولي الأمر: القصاص أو الحدود لا يقيمها الأفراد، وإنما هي منوطة بولي الأمر أو من يعينه لذلك، ضمانًا لعدم تحول الأمر إلى فوضى أو انتقام شخصي.

 

- ثمة أسباب أخرى للقتل بالسحر والعين والافتاء بغير علم في مسائل ووقائع قد تؤدي للقتل، في كل هذه الأحوال ، حتى وإن لم يعاقب مرتكبها بعقوبة القاتل، فإنه على خطى عظيم، وإثمه كبير، فليتق الله عز وجل وليتب إلى الله من يفعل ذلك قبل فوات الأوان. 

 

رئيسية

 

الخاتمة:

 

وفى الأخير يقول "عمار": إن ما يُتداول حول "القتل بالسحر" في وسائل الإعلام يحتاج إلى قدر كبير من التدقيق؛ فالشريعة الإسلامية – رغم اعترافها بالسحر وفق ضوابط شرعية – ربطت المسؤولية الجنائية بثبوت السبب وغلبة الهلاك، وهو ما يتعذر تطبيقه علميًا في الواقع المعاصر، أما القانون المصري فلا يمكن إسناد الوفاة إلى سبب غير مادي، ويعتمد على الأدلة المادية وحدها.  

 

ومن ثمّ، فإن التعامل مع هذه الوقائع يجب أن يكون بوعي قانوني راسخ، مع ضرورة تشديد التجريم على ممارسات الشعوذة بوصفها أحد أخطر أبواب النصب والابتزاز مع نشر الوعي الشرعي والقانوني، وفي ذلك حماية للأفراد، وصيانة للأمن المجتمعي، وتحقيق للردع العام، مع الالتزام بالضوابط الشرعية التي تمنع الفوضى وتؤكد أن إقامة الحدود منوطة بولي الأمر وحده.

 
ححس
 
ظظظيي
 
الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار
 

print