السبت، 06 ديسمبر 2025 08:42 م

البابا تواضروس يكشف أسرار 13 عامًا بحفل توقيع كتاب حوارات فى الكاتدرائية المرقسية.. إصلاح كنسى وحضور عالمى ورؤية وطنية صلبة فى أصعب لحظات 2013.. من التجليس إلى العالمية.. كيف أعاد البابا بناء البيت من الداخل ؟

البابا تواضروس يكشف أسرار 13 عامًا بحفل توقيع كتاب حوارات فى الكاتدرائية المرقسية.. إصلاح كنسى وحضور عالمى ورؤية وطنية صلبة فى أصعب لحظات 2013.. من التجليس إلى العالمية.. كيف أعاد البابا بناء البيت من الداخل ؟ البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية
السبت، 06 ديسمبر 2025 08:00 م
 
في أمسية روحانية وثقافية احتضنها المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، شهد قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» للكاتب الصحفي ڤيكتور سلامة، نائب رئيس تحرير جريدة وطني، في احتفال حمل طابعًا إنسانيًا وتوثيقيًا لمسيرة تمتد لأكثر من عقد من الزمن، تجمع بين الإصلاح الكنسى العميق، والامتداد الروحى العالمى، والمواقف الوطنية الراسخة فى لحظات مصر الصعبة.
 
الاحتفال لم يكن مجرد مناسبة لتقديم كتاب جديد، بل تحول إلى مساحة لاستعادة أبرز محطات خدمة البابا، وإعادة قراءة ما أنجزه منذ تجليسه، وما واجهه من تحديات، وما قدمه من رؤى شكلت حاضر الكنيسة ومستقبلها.
 
وقدّم قداسة البابا في كلمته عنوانًا دالًا: «المسيح يعمل بنا»، ومن خلاله فتح نافذة عميقة على فلسفة خدمته، وكيف يرى علاقة الإنسان بعمل الله، وكيف يمكن للإيمان أن يصبح قوة بناء وإصلاح.
 
 
 
دلالات رقم 13.. رموز روحية تتجدد
وتوقّف قداسة البابا أمام رقم 13، الرقم الذي حمله عنوان الكتاب، كاشفًا أبعاده الروحية العميقة في المسيحية، فهو أولًا يشير إلى السيد المسيح وتلاميذه الإثني عشر، وهو ما ينعكس في القلنسوة الرهبانية التي تحمل 13 صليبًا: صليب كبير يشير للمسيح و12 صليبًا للتلاميذ.
 
كما يحمل الرقم بُعدًا عقائديًا مرتبطًا بـ الثالوث القدوس، إذ تتردد في صوم الرسل صلاة «ثالوث في واحد وواحد في ثالوث»، ليصبح الرقم رمزًا لوحدة الجوهر الإلهي.
 
ويرتبط الرقم دلاليًا أيضًا بـ الأناجيل الأربعة، حيث تتشابه ثلاثة أناجيل (متى، مرقس، لوقا)، بينما ينفرد يوحنا بعمقه اللاهوتي، فيشكل تميز البعد الرابع.
 
وبهذه القراءة قدم البابا نموذجًا لفهم الرمزية العددية داخل الكنيسة القبطية، وكيف تحمل الأرقام رسائل روحية متوارثة.
 
 
 
إصلاحات ما بعد التجليس.. ترتيب البيت من الداخل
في الجزء الأهم من كلمته، عاد قداسة البابا تواضروس إلى السنوات الأولى من تجليسه، مؤكدًا أن أولويته الكبرى كانت ترتيب البيت من الداخل.
وقد بدأ ذلك بوضع لوائح منظمة للعمل الرعوي بالتعاون مع المجمع المقدس، لضبط الخدمة وضمان اتساقها مع احتياجات العصر.
 
ثم أسس البابا معهد التدبير الكنسي والتنمية قبل عشر سنوات، وهو أول مؤسسة كنسية تهدف إلى غرس فكر إداري حديث داخل الخدمة، يعتمد على أسس أكاديمية واضحة.
 
ومؤخرًا تأسست أكاديمية مارمرقس القبطية، التي وصفها بأنها خطوة ضرورية لضبط العمل التعليمي وتقديم مناهج موحدة ومنظمة، ترفع جودة التعليم الكنسي وتؤهل جيلًا جديدًا من الخدام والمتخصصين.
 
الإصلاح كما يراه البابا ليس مجرد إجراءات؛ بل «فكر» و«وعي» و«مسار طويل» تلتزم به الكنيسة حتى تظل قادرة على مواكبة عالم سريع التغير.
 
 
الانتشار العالمى للكنيسة.. حضور فى 60 دولة
وتطرق البابا لتوسع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عالميًا، كاشفًا وجود أكثر من 600 كنيسة في نحو 60 دولة، يخدمها 40 مطرانًا وأسقفًا خارج مصر، في أرقام تعكس حجم النمو الكبير الذي شهدته الكنيسة خلال السنوات الأخيرة.
 
وأشار إلى أن الحضور القبطى فى العالم لم يعد مجرد وجود رعوي، بل أصبح جسرًا بين الثقافات، وظهر ذلك في احتفالية عيد القديس أثناسيوس الذى تحدث خلاله الأساقفة بلغات متعددة للوصول إلى كل الشعوب.
 
وهذا الانتشار –كما أكد– هو جزء من دور الكنيسة فى القرن الحادي والعشرين، حيث لم يعد العالم منغلقًا، بل أصبح ساحة واسعة للرسالة والخدمة.
 
 
 
أحداث 2013.. شهادة البابا ورؤية الحافظ على الوطن
ومن أبرز ما جاء فى حديث البابا خلال الحفل، استعادته لذكريات أحداث 2013، وهى اللحظة التى تعرضت فيها عشرات الكنائس للحرق والاعتداءات في أنحاء الجمهورية.
 
وكشف البابا أن الأخبار كانت تنهال عليه لحظة بلحظة، لكن قلبه لم يذهب أولًا إلى الأبنية أو الممتلكات، بل إلى سلامة مصر نفسها.
 
ومن هنا خرجت عبارته الشهيرة التي ظلت محفورة في الوجدان الوطني: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن».
 
وقال البابا: «كنت أصلي وأسلم الأمر لله. كنت مقتنعًا أن حماية الوطن هي الأولوية، لأن الكنيسة قوية بوطنها، ومن دونه لا معنى لوجودها».
 
وأوضح أن هذا الموقف لم يكن رد فعل لحظي، بل رؤية إيمانية ووطنية صلبة تؤمن أن الكنيسة جزء من الكيان الوطني، وأن قوة الدولة هي الضمانة الأولى لحياة روحية آمنة.
 
وبهذا أعاد البابا قراءة اللحظة من منظور إنساني وروحي وتاريخي، ليؤكد أن الإيمان لا ينفصل عن الوطنية، وأن روح السلام المسيحية قادرة على مواجهة العنف بالحكمة لا بالصدام.
 
 
 
البابا: «الله ضابط الكل».. فكر يقود الإصلاح
استكمل البابا حديثه باستحضار تجربته الشخصية مع الخدمة منذ أن كان خادمًا صغيرًا، مؤكدًا أنه لم يتخيل يومًا أن يصبح بابا الكنيسة، لكنه عاش دائمًا بإيمان عميق بأن الله ضابط الكل، وأن كل ما يحدث إنما يتم وفق تدبير إلهي.
 
وأشار إلى أن تسليم الإنسان حياته ليد الله يجعله يعمل بروح مطمئنة، وهي ذات الروح التي حملها خلال كل سنوات خدمته، في مواجهة الطوارئ، الإصلاحات، التوسع العالمي، واللحظات التاريخية التى مرت بها مصر.
 
كما شدد على أن المسيح هو صانع السلام، وأن الكنيسة دورها أن تبث هذا السلام، وأن تكون نموذجًا واضحًا لتعليم المحبة الحقيقية التي يتجلى فيها عمل الله.
 
 
 
ختام الاحتفال.. رسالة تقدير ومستقبل مفتوح
وشهد الحفل حضورًا واسعًا من الشخصيات العامة ورموز الصحافة والإعلام وممثلي الطوائف المسيحية، إلى جانب الأنبا أكليمندس والراهب القس عمانوئيل المحرقي والعديد من الآباء الكهنة.
 
وختم البابا كلمته برسالة تقدير للكاتب فيكتور سلامة، مشيدًا بمسيرته الصحفية الممتدة لستين عامًا، وبخطه المهنى فى  توثيق حياة الكنيسة عبر أجيال.
 
ليغادر الجميع القاعة وهم يحملون انطباعًا بأن «حوارات.. 13 سنة» ليس مجرد كتاب، بل شهادة زمن كامل، ورصد دقيق لمسيرة بابا حمل على عاتقه مسئوليات الإصلاح، وحماية الوطن، وتثبيت الكنيسة على أسس تعليمية وروحية تمتد نحو المستقبل.
 

الأكثر قراءة



print