في عام 2025، تشهد أمريكا اللاتينية فترة تاريخية مليئة بالتقلبات السياسية والاجتماعية التي تترك بصماتها على مستقبل القارة، من الانتخابات الحاسمة إلى الاستفتاءات الشعبية التي شكلت ملامح التحولات الكبرى في دول مثل الإكوادور والمكسيك والأرجنتين، تمثل هذه السنوات نقطة تحول في مسار التغيير السياسي والاقتصادي في المنطقة.
ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية في المكسيك وتشكيل تحالفات انتخابية شديدة التنافس في تشيلي، يواصل جيل الشباب - وبالأخص جيل زد- الخروج إلى الشوارع مطالبًا بالتغيير الجذري.
في هذه الأثناء، تنشأ خلافات دبلوماسية في بعض الدول مع التحولات التي شهدتها السياسة الداخلية والخارجية، مثل الرفض الشعبي لاستقبال القواعد العسكرية الأجنبية في الإكوادور.
الاستفتاء في الإكوادور.. رفض عودة القواعد العسكرية الأجنبية
في خطوة حاسمة، شهدت الإكوادور استفتاءً دستوريًا صعبًا، انتهى برفض شعبي ساحق لما اقترحه الرئيس دانييل نوبوا. في هذا الاستفتاء، صوت المواطنون بالإجماع تقريبًا ضد أربع أسئلة رئيسية تتعلق بعودة القواعد العسكرية الأجنبية إلى البلاد، وهو ما كان قد اقترحه الرئيس كجزء من سياسته لمحاربة الجريمة المنظمة.
مع ذلك، رفض حوالي 60% من الإكوادوريين رفع الحظر عن إقامة القواعد العسكرية الأجنبية، ليشمل ذلك القاعدة العسكرية الأمريكية في مانتا التي كانت تستخدمها واشنطن في الماضي لمكافحة المخدرات.
هذا الرفض يعد بمثابة صفعة لحكومة نوبوا ويعكس تصاعد الاستياء الشعبي من التدخلات العسكرية الأجنبية على الأراضي الإكوادورية. وبعيدًا عن السياسة المحلية، تعتبر هذه النتيجة علامة على تصاعد الوعي السيادي للشعب الإكوادوري، الذي رفض أن يكون جزءًا من التحالفات العسكرية الدولية. لقد جرت الاحتفالات في شوارع العاصمة كيتو كرمز للرفض الشعبي للتدخلات العسكرية، ما يسلط الضوء على شعور بالغضب لدى كثير من الإكوادوريين تجاه الحكومة والمطالبات المتزايدة بتغييرات جذرية في سياستها الداخلية والخارجية.
المكسيك.. احتجاجات جيل زد ضد الفساد والعنف
في المكسيك، خرج جيل زد في مظاهرات حاشدة ضد الفساد المستشري والعنف المتصاعد في البلاد. وكانت نقطة التحول الرئيسية هي مقتل عمدة مدينة أورابان، كارلوس مانزو، الذي دفع الحكومة إلى مطالبة السلطات الفيدرالية بالتدخل. إلا أن الحكومة تجاهلت هذه المطالب، مما أشعل فتيل الغضب بين الشباب في المكسيك. تميزت هذه المظاهرات باستخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستجرام لتنسيق الاحتجاجات وتجاوز وسائل الإعلام التقليدية، ما يعكس تزايد قدرة هذا الجيل على تنظيم نفسها خارج الإطار التقليدي.
وانطلقت المظاهرات من العاصمة مكسيكو سيتي، في مسيرات سلمية ولكن سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة. وجاءت هذه الاحتجاجات بعد مطالبات متعددة بإصلاحات جذرية في النظام القضائي، وتحقيق العدالة، ومحاربة الفساد، مع دعوات لانتخابات شفافة وحكومة أكثر استجابة لمطالب الشعب. لكن مواقف الرئيسة كلوديا شينباوم، التي دعت إلى التظاهر السلمي لكنها قللت من أهمية هذه الاحتجاجات، تزيد من تعميق الفجوة بين الشباب والحكومة.
الانتخابات في الأرجنتين.. فوز ميلى وسط الأزمات والفضائح
أما في الأرجنتين، فقد نجح الرئيس خافيير ميلي في الفوز في الانتخابات التشريعية لعام 2025، رغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها البلاد والفضائح التي طالت حكومته. في ظل هذا الوضع المتأزم، استطاع ميلي أن يتفوق في السباق الانتخابي مستغلاً الوضع الاقتصادي المتدهور، والذي دفع العديد من الأرجنتينيين للبحث عن حلول جذرية. من بين الوعود التي قدمها ميلي، كان التخلي عن سياسة الإنفاق الحكومي وتطبيق سياسات اقتصادية متشددة مثل دولرة الاقتصاد وخصخصة المؤسسات العامة. ورغم الجدل الكبير حول تصريحاته المثيرة للجدل وعلاقاته المتوترة مع وسائل الإعلام، لم تؤثر هذه الفضائح على شعبيته بشكل كبير.
أما العامل الذي ساهم في تعزيز دعم ميلي فكان قربه من الخطاب الشعبوي الذي استخدمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. حيث تبنى ميلي أسلوبًا مشابهًا لترامب، متبنيًا لغة شعبوية تهاجم وسائل الإعلام وتقف ضد النخب التقليدية. في هذا السياق، يبدو أن صعود الشعبوية من اليمين في أمريكا اللاتينية كان له تأثير مباشر على نتائج الانتخابات في الأرجنتين، حيث تمكن ميلي من جذب قاعدة شعبية واسعة كانت تشعر باليأس من السياسة التقليدية.
المستقبل السياسي في أمريكا اللاتينية
أمريكا اللاتينية تشهد تحولًا هائلًا في بنيتها السياسية في عام 2025. من الانتخابات الاستفتائية في الإكوادور إلى المنافسة الحادة في تشيلي، مرورًا بالاحتجاجات الشعبية في المكسيك، تقدم المنطقة نموذجًا لما قد تكون عليه المستقبلات السياسية في عالمنا المعاصر. تبرز هنا النقاط التالية:
1- تزايد الاستقطاب السياسى : حيث هناك تصاعد واضح في الانقسامات الحزبية في المنطقة، سواء في الأرجنتين، حيث يواصل اليمين المتطرف التفوق في السياسة، أو في تشيلي حيث يتنافس اليسار واليمين على النفوذ.
2- الشعبوية كقوة صاعدة : حيث تستمر الشعبوية في اكتساب قوة في مختلف أنحاء القارة. يقود هذا التيار العديد من الزعماء مثل ميلي، الذي تبنى سياسات اقتصادية جذرية وأسلوبًا هجومًا ضد النخب السياسية.
3- التمرد الشبابى فى المكسيك : من خلال جيل زد الذى لا يقتصر على الاحتجاجات بل يبنى حركات جديدة بعيدا عن الأحزاب السياسية التقليدية ويعتمد بشكل متزايد على وسائل التواصل الاجتماعى لتنظيم هذه التحركات.