يبدو أن منسوب القلق اللبنانى والدولى إزاء تدهور الأوضاع فى لبنان ارتفع بشكل كبير على وقع التصعيد الميدانى الذى يشهده الجنوب والشرق اللبنانى وإن كان فى الجنوب أشد ضراوة، فهناك مخاطر تحدق بلبنان ما بين القصف الإسرائيلى المكثف والانقسامات الداخلية حول ملف نزع سلاح حزب الله والقانون الانتخابى.
فى غضون ذلك عُقد أمس الاجتماع الـ 13 للجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار "الميكانيزم" فى رأس الناقورة وناقشت التصعيد الإسرائيلى فى الجنوب.
ربما دفعت اللقطات التى تنقلها عدسات الكاميرات من لبنان وتوضح الاتجاه نحو الأسوأ، الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للتحذير من أن اتفاق وقف إطلاق النار فى لبنان الذى تم إبرامه فى نوفمبر من العام الماضى قد أوشك على الانهيار؛ مما يعنى الدخول فى دوامة المواجهات العسكرية المباشرة مجددًا.
أوفد الرئيس الفرنسى عددا من مستشاريه ترأسهم مستشارة شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آن كلير لوجاندر، التى وصلت فى زيارة رسمية إلى بيروت الأربعاء، ومن المقرر أن تلتقى كبار المسؤولين اللبنانيين، لبحث مستجدات الوضع الحالى.
رسائل فرنسية للبنان
تحمل المسئولة الفرنسية فى جعبتها رسائل مهمة للدولة اللبنانية، أهمها التحذير من مغبة احتفاظ "حزب الله" بسلاحه، وخطورة الأوضاع على الجبهة الجنوبية، وضرورة العمل على توحيد الجهود خشية انهيار وقف إطلاق النار.
وتستمر الزيارة ليومين حيث ستجرى اليوم اجتماعات مع رئيس لبنان جوزاف عون وعدد من المسئولين؛ فضلًا عن لقاءات مع عدد من المسئولين العسكريين الذين لم تحدد مصادر الإليزيه هوياتهم؛ ولكن من المرجح أن تشمل قائد الجيش العماد رودولف هيكل والجنرال الفرنسى فالنتين سيلر الذى يمثل بلاده فى آلية الرقابة على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله". وفق مواقع لبنانية.
ومن المقرر بعد لبنان أن تزور لوجاندر سوريا، وهى الزيارة الأولى من نوعها التى تقوم بها إلى هذا البلد.
تأتى زيارة لوجاندر بُعد أيام قليلة للزيارة التى قام بها جاك دولاجوجى، المسئول فى وزارة الاقتصاد، إلى لبنان فى الأسبوع الأول من الشهر الحالى، حيث تركزت اجتماعاته على الملفات الاقتصادية والمالية.
وقالت مصادر سياسية مطلعة إن الزيارة تحمل تأكيدا متجددا بدعم فرنسا للبنان واستعداد فرنسا للقيام بأى جهد.
الرد الإسرائيلى على مطلب لبنان
على صعيد متوازٍ، أكد رئيس لبنان جوزاف عون عدم تسلم بلاده أى رد إسرائيلى على خيار التفاوض الذى كان قد طرحه لتحرير الجنوب، قائلًا إن منطق القوة لم يعد ينفع، وعلينا أن نذهب إلى قوة المنطق، وقال: إذا لم نكن قادرين على الذهاب إلى حرب، والحرب قادتنا إلى الويلات، وهناك موجة من التسويات فى المنطقة، ماذا نفعل؟.
وأشار عون إلى أننا تكلمنا على مبدأ التفاوض، ولم ندخل بعد بالتفاصيل، ولم نتلق بعد جوابًا على طرحنا هذا، وعندما نصبح أمام قبول، نتكلم عندها على شروطنا، والنقطة الأساسية التى أطرحها تبقى التالية: هل نحن قادرون على الدخول فى حرب؟ وهل لغة الحرب تحل المشكلة؟".
ونفت مصادر لبنانية مطلعة ما تردد بشأن إمهال واشنطن لبنان شهرين فقط لإنهاء أزمة السلاح، مؤكدة أنه لا يضع مهلا زمنية وبخاصة بملف سلاح الحزب شمالى الليطانى، فما يشكل عنده أولوية حاليا هو الملف المالى، وتشديد الخناق على حزب الله من خلال تجفيف مصادر تمويله".
ضغوط أمريكية متزايدة لإنهاء نفوذ إيران
يتقدم المسار الأمريكى فى لبنان على خطين متوازيين ضغط ميدانى ولوجستى جنوبًا لتقليص مساحة انتشار حزب الله، وخنق مالى تنفيذى يستهدف شبكة تمويله المدنية، بينما يشكل الانفتاح الأمنى على دمشق ذراعًا جديدة فى استراتيجية تطويق الحزب عبر قطع شريان الإمداد.
وقد شكلت زيارة وفد وزارة الخزانة الأمريكية ـ الذى ضمّ مسئولين من وزارة الخزانة إلى جانب شخصيات من البيت الأبيض متخصصة فى مكافحة الإرهاب ـ مؤشرًا على مرحلة أكثر صرامة من الملاحقة المالية؛ حيث نقل إلى المسئولين اللبنانيين رسائل واضحة مفادها أنه لم يعد الملف يقتصر على السلاح، بل على بنية الاقتصاد الموازى التى تغذى حزب الله وطالب الوفد بإغلاق المؤسسات المالية التابعة للحزب، وفى مقدمتها القرض الحسن، وتشديد الرقابة على مكاتب الصيرفة، والتحويلات النقدية التى تمر عبرها الأموال الإيرانية، وتفعيل آليات الامتثال المصرفى قبل انتخابات 2026.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن الاقتصاد النقدى فى لبنان داعما لحزب الله، وأن تحويلاته المالية من طهران تجاوزت المليار دولار منذ مطلع العام.
كما لوحت الخزانة بمهلة قصيرة لاتخاذ خطوات إصلاحية تحت طائلة تشديد العقوبات على أفراد ومؤسسات لبنانية متهمة بتسهيل التمويل.
وأكدت مصادر مطلعة على لقاءات المبعوثة الأمريكية مورجان أورتاجوس خلال زيارتها الأخيرة لبيروت أن المسئولة الأمريكية تحدثت بجدية عن ضرورة عدم ترك الساحة الجنوبية لمؤسسات (حزب الله) التنموية والاجتماعية.