الثلاثاء، 04 نوفمبر 2025 07:25 م

التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده.. "فراغ تشريعى" للجُرم يستلزم تدخل المشرع.. والأقرب يكون التكييف "إثراء بلا سبب".. و5 جرائم لا تنطبق على الواقعة.. ومقترح يتضمن 5 بنود

التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده.. "فراغ تشريعى" للجُرم يستلزم تدخل المشرع.. والأقرب يكون التكييف "إثراء بلا سبب".. و5 جرائم لا تنطبق على الواقعة.. ومقترح يتضمن 5 بنود تحويل أموال بالخطأ - أرشيفية
الثلاثاء، 04 نوفمبر 2025 03:00 م
كتب علاء رضوان

لازالت ردود الأفعال مستمرة بين القانونيين والدستوريين حول التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده، وذلك بعد الواقعة التي نشرتها صفحة وزارة الداخلية، بالقبض على أحد الأشخاص، بعد قيام أخر بإجراء عمليتين تحويل مبالغ مالية عن طريق الخطأ من حسابه البنكى إلى حساب آخر بذات البنك بإستخدام تطبيق "الإنترنت البنكى" وبمحاولة التواصل مع صاحب هذا الحساب رفض رد المبالغ المالية. 

 

بالفحص وبإجراء التحريات أمكن تحديد وضبط مرتكب الواقعة، وبحوزته "هاتف محمول"، وبفحصه تبين إحتوائه على أدلة تؤكد إرتكابه للواقعة، وبمواجهته إعترف بإرتكابها على النحو المشار إليه، تم إتخاذ الإجراءات القانونية، فقد أثارت بعض الأخبار المتداولة مؤخرًا حول القبض على أحد الأشخاص بدعوى استلامه تحويلًا ماليًا بطريق الخطأ وامتناعه عن رده إلى صاحبه، جدلًا قانونيًا واسعًا حول التكييف الصحيح لمثل هذه الواقعة، ومدى كونها تمثل جريمة مؤثمة قانونا طبقا لأحكام قانون العقوبات أو لأي تشريع آخر. 

 

4 تحويل  

 

التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على التكييف القانوني لواقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده، حيث تُعد هذه الواقعة نموذجًا عمليًا لاختبار مدى قدرة المنظومة التشريعية المصرية على مواكبة التطور السريع في مجال المعاملات المالية الإلكترونية، وما تثيره من إشكالات تمس حدود التجريم والعقاب وحدود المسؤولية المدنية، ومن ثم، سنتناول الواقعة من منظور قانوني دقيق، محللًا النصوص ذات الصلة ومحددًا التكييف السليم، ومقترحًا حلولًا تشريعية وقائية - بحسب الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار.

 

أولاً: المبادئ العامة الحاكمة للتجريم والعقاب

 

في البداية - قبل الخوض في تفاصيل التكييف، يحسن أن نقدم ببيان مجموعة من المبادئ الدستورية والجنائية الراسخة التي تُعد ضمانة أساسية لصون الحرية الفردية وتحقيق العدالة، وهي: مبدأ الشرعية الجنائية "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، نص عليه الدستور في المادة "95" بقوله: "العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون"، فلا يجوز اعتبار أي فعل جريمة ما لم يرد به نص صريح يجرّمه، ويبين أركان الجريمة وحدودها، ونتناول هذه المبادئ كالتالى:– وفقا لـ"عمار". 

 

2 تحويل

 

1-مبدأ الأصل في الإنسان البراءة

 

نص عليه الدستور في المادة "96"، بالنص على أن: "المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه"، فلا إدانة إلا بدليل قاطع لا يداخله شك.

 

2-مبدأ التفسير الضيق للنصوص العقابية

 

لأن النصوص الجنائية تقيد الحرية، فيجب تفسيرها تفسيرًا ضيقًا دون توسع أو قياس. وهو ما يقودنا إلى المبدأ التالي.

 

3-حظر القياس في المجال الجنائي

 

لأن القياس يؤدي إلى خلق جرائم بغير نص، وهو أمر محظور.

 

4-مبدأ التناسب بين الجريمة والعقوبة

 

أي أن تكون العقوبة متناسبة مع خطورة الفعل تحقيقًا لأغراض العقوبة، من تحقيق العدالة، والردع العام والخاص، دون إفراط أو تفريط. 

 

3 تحويل

 

ثانياً: توصيف الواقعة محل البحث

 

الواقعة محل النقاش تتمثل في أن شخصًا تلقى تحويلًا ماليًا عبر إحدى وسائل الدفع الإلكتروني بطريق الخطأ، وعلم بأن المبلغ لا يخصه، إلا أنه امتنع عن رده لصاحبه – هكذا يقول "عمار".

 

والسؤال المطروح:

 

هل يشكل هذا الفعل جريمة جنائية في ضوء القانون المصري؟ أم أنه التزام مدني محض بالرد؟

 

ثالثاً: مدى انطباق النصوص الجنائية على الواقعة

 

نتناول فيما يلي أبرز النصوص العقابية التي قد تنطبق على الواقعة لبيان مدى انطباقها على الواقعة من عدمه، نبدأ أولا بالنصوص العقابية بقانون العقوبات، ثم النصوص العقابية الواردة ببعض القوانين الخاصة:

 

1-جريمة السرقة – المادة "311" من قانون العقوبات

 

تنص المادة "311" على أن: "كل من اختلس منقولًا مملوكًا لغيره فهو سارق". 

 

مدى الانطباق:

 

يفترض لقيام جريمة السرقة توافر ركنين:

 

الركن المادي: فعل الاختلاس، أي نزع الحيازة من صاحبها بغير رضاه.

 

الركن المعنوي: نية التملك وحرمان المالك من ماله.

 

في الواقعة محل البحث، لا يتحقق الاختلاس، لأن المال لم يُنتزع من حيازة صاحبه بفعل الجاني، بل انتقل إليه بطريق الخطأ عبر النظام المصرفي دون تدخل منه، فالتحويل تم بإجراء مشروع شابه خطأ في البيانات، لا بفعل مادي إيجابي من المتلقي، كما أن القصد الجنائي لا يتوافر بمجرد الامتناع اللاحق عن الرد، لأن نية التملك يجب أن تقترن بفعل الاستيلاء ذاته وقت وقوعه، ومن ثم، تنتفي جريمة السرقة لغياب الركن المادي المتمثل في الاختلاس – طبقاً لـ"عمار". 

 

9 تحويل

 

2-جريمة خيانة الأمانة – المادة "341" من قانون العقوبات

 

نص المادة "341": "كل من اختلس أو بدّد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودًا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على التزام أو إبراء سلمت إليه على وجه الوديعة أو الإيجار أو الرهن أو الوكالة أو غيرها من عقود الأمانة يُعاقب بالحبس".

 

مدى الانطباق:

 

التحويل المالي الخاطئ لا يُعد مالًا "سُلِّم بموجب عقد من عقود الأمانة"، إذ لا يوجد عقد يربط المرسل بالمتلقي، بل هو واقعة مادية ناتجة عن خطأ، وحيث أن جريمة خيانة الأمانة لا تقوم إلا إذا تسلّم الجاني المال بناءً على عقد من عقود الأمانة الواردة على سبيل الحصر، فإن القياس على هذه الحالات محظور، لأن النصوص الجنائية لا تُتوسع فيها تفسيرًا – هكذا يقول "عمار". 

 

تحوةيل

 

3-جريمة اختلاس الأشياء المفقودة – المادة "321 مكرر" من قانون العقوبات

 

نصت المادة على أن: "كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يرده إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسلمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تجاوز سنتين إذا احتبسه بنية تملكه...".

 

مدى الانطباق:

 

هذه المادة تتناول الأشياء المادية المفقودة التي يفقدها أصحابها "اللقطة"، أما الأموال المحولة إلكترونيًا، فهي لا تُعد "أشياء مفقودة" بالمعنى المقصود في النص، لأنها لم تخرج من حيازة صاحبها عن طريق الفقد المادي، وإنما نتيجة بفعله وإن كان أخطأ في عملية التحويل، ويضاف لذلك أن المحول إليه لم "يعثر" على المال المحول إليه، وإنما تم تحويل المال إلى محفظته الالكترونية، لذا لا يجوز القياس على هذا النص – هكذا يرى الخبير القانونى. 

 

6 تحويل

 

4-المادة "23" من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018

 

تُجرم هذه المادة استخدام الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في الوصول غير المشروع إلى بيانات أو حسابات أو بطاقات بنكية بقصد الحصول على أموال الغير أو الاستيلاء عليها.

 

مدى الانطباق:

 

الواقعة لا تتضمن أي "وصول غير مشروع" أو "تحايل إلكتروني"، لأن المتلقي لم يقم بأي فعل إيجابي غير مشروع يشكل استخداما غير مشروع للحصول على الأموال التي تم تحويلها إليه كاختراق أو تزوير بيانات، التحويل تم بطريق الخطأ، وهو واقعة سلبية لا تشكل "دخولًا غير مشروع" إلى النظام المعلوماتي - وعليه ينتفي الركن المادي للجريمة.

 

5-قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020

 

لم يتضمن هذا القانون نصًا يجرم الامتناع عن رد الأموال المحولة بطريق الخطأ، فهو قانون تنظيمي بالأساس، ينظم العلاقة بين العملاء والبنوك وإجراءات التحويل، ولا يرتب مسؤولية جنائية على المتلقي في حال وقوع خطأ في التحويل، إلا إذا توافر قصد احتيالي أو تزويري في الاستيلاء. 

 

7 تحويل

 

رابعاً: التكييف القانوني الصحيح للواقعة

 

في ضوء ما تقدم، يتضح أن الواقعة لا تُشكل جريمة جنائية في ظل النصوص النافذة، لعدم توافر أي من أركان الجرائم سالفة الذكر، ويُعد الفعل من قبيل "الإثراء بلا سبب" المنصوص عليه في المادة "179" من القانون المدني التي تنص على أن: "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقًا له وجب عليه رده"، فالمتلقي هنا ملزم برد المبلغ لصاحبه مدنيًا، ويجوز للأخير رفع دعوى استرداد ما دُفع بغير حق أمام القضاء المدني، ولا تقوم المسؤولية الجنائية إلا إذا ثبت أن المتلقي قام بعد التحويل بفعل إيجابي جديد يهدف إلى الاحتيال أو التزوير – الكلام لـ"عمار".

 

خامساً: المقترح الوقائي – نحو معالجة تشريعية لازمة

 

نظرًا لتكرار مثل هذه الوقائع وغياب نص صريح ينظمها، يُقترح ما يلي:

 

1-استحداث نص جديد ضمن قانون العقوبات أو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يُجرم الامتناع العمدي عن رد الأموال المحولة بطريق الخطأ بعد ثبوت العلم اليقيني بذلك.

2-تحديد الركن المعنوي بدقة بحيث لا يُعاقب إلا من يثبت تعمده الاحتفاظ بالمبلغ بنية التملك.

3-اعتبار الفعل جنحة مالية بسيطة ذات طابع ردعي لا جناية، التزامًا بمبدأ التناسب.

4-إقرار آلية مصرفية للإبلاغ السريع عن التحويلات الخاطئة وتجميدها مؤقتًا لحين التحقق من صحتها.

5-تفعيل دور النيابة العامة متى توافرت قرائن قوية على سوء النية أو وجود قصد جنائي خاص بالاستيلاء. 

 

5 تحويل

 

سادساً: خاتمة

 

وفى الأخير يقول "عمار": يتبين مما سبق أن واقعة استلام تحويل مالي بطريق الخطأ والامتناع عن رده لا تُعد جريمة في ضوء النصوص النافذة، وإنما هي التزام مدني بالرد يحكمه القانون المدني وقواعد المسئولية المدنية - لكنها في الوقت ذاته - تكشف عن فراغ تشريعي يستلزم تدخل المشرّع لسدّه بما يحقق التوازن بين حماية الملكية الخاصة واحترام مبدأ الشرعية الجنائية، حيثإن احترام قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" لا يعني الجمود، بل يقتضي تطوير النصوص لمواكبة التطور التقني والمالي الحديث، تحقيقًا لعدالة واقعية تحمي المعاملات وتدعم الثقة في الاقتصاد الرقمي، ويبقى التوازن بين الشرعية الجنائية والعدالة الاجتماعية هو المعيار الأسمى الذي ينبغي أن يهتدي به المشرّع والقاضي والمحامي معًا لضمان سيادة القانون وعدالة التطبيق.  

1 دفع
 

عمار

 الخبير القانوني والمحامى صالح جمال عمار

 

 


الأكثر قراءة



print