فى مشهد أسطورى يتجدد مرتين فقط كل عام، تعامدت شمس يوم 22 أكتوبر على قدس أقداس معبد رمسيس الكبير بمدينة أبوسمبل، وهى ظاهرة فلكية فريدة جسدها القدماء المصريون قبل آلاف السنين ويحرص على مشاهدتها آلاف السائحين والزائرين من شتى دول العالم سنويا.
بدأت الظاهرة الفلكية الفريدة فى تمام السادسة و55 دقيقة صباحًا تقريبًا، حين سطعت أشعة الشمس فى مشرقها جنوب مصر من مياه بحيرة ناصر، حيث اخترقت بهو المعبد العظيم الذى يبلغ عمقه نحو 60 مترًا، لتصل إلى قدس الأقداس وتضيء تماثيل المعبودات الأربعة: آمون رع، رع حور آختى، رمسيس الثانى، وبتاح، بينما تظل أشعة الشمس بعيدة عن وجه الإله "بتاح" إله الظلام، فى دلالة رمزية دقيقة تجسد عبقرية الفراعنة فى علم الفلك والهندسة المعمارية.
واصطف آلاف السائحين فى طابور واحد سياحى كبير باختلاف جنسياتهم وبلدانهم، أمام المعبد حرصا منهم للدخول إلى قدس الأقداس ومشاهدة هذه الظاهرة التى استغرقت نحو 20 دقيقة فقط.
ووفرت محافظة أسوان ممثلة فى الوحدة المحلية لمدينة أبوسمبل السياحية شاشة عرض أمام ساحة المعبد لتوفير فرصة مشاهدة الظاهرة ونقلها مباشر لتجنب الزحام فى الدخول للمعبد أثناء توقيت الظاهرة والتى مدتها 20 دقيقة فقط.
وبدأت أشعة الشمس تتسلل إلى داخل معبد أبوسمبل وصولا إلى منصة قدس أقداس رمسيس، لتعلن عن ظاهرة "تعامد الشمس"، التى استمرت فقط لمدة 20 دقيقة.
وتسللت أشعة الشمس من فوق مياه بحيرة ناصر لواجهة معبد أبوسمبل لتخترق بوابة المعبد، ثم تكمل طريقها فى ممر المعبد من الداخل بطول 60 متراً لتصل إلى منصة قدس الأقداس وتسقط على وجه الملك رمسيس ومنصته ذات التماثيل الأربعة، ويستثنى منهم تمثالاً واحداً لا تتعامد عليه الشمس باعتباره إله الظلام أو العالم السفلى.
ومنصة قدس الأقداس، تضم تماثيل لأربعة معبودين وهم من اليسار لليمين: "بتاح" إله العالم الآخر وإله منف و"آمون رع" الإله الرئيسى للدولة وقتها ومركز عبادته طيبة و"رع حور أخته" إله هوليوبلس والشمس تتعامد على التماثيل الثلاثة دون "بتاح" إله العالم الآخر "الظلام"، لاعتقاد المصرى القديم بعدم منطقية سقوط أشعة الشمس على العالم السفلى، ولذلك لم يغفل المصرى القديم ببراعته هذا الجانب ومنع الشمس من التمثال الرابع.
واستمتع الحضور، بالعروض الفنية والفلكلورية لفرق الفنون الشعبية التابعة لهيئة قصور الثقافة، وسط حضور نائب محافظ أسوان ومدير الإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، وغياب مسئولى الصف الأول فى وزارتى الثقافة والسياحة والآثار بالإضافة إلى محافظ أسوان.
من جانبها، أوضحت محافظة أسوان، فى بيان لها، أنه بالتنسيق مع مديرية الأمن والوزارات المختصة بالثقافة والسياحية والأثار والطيران المدنى تم متابعة تطبيق كافة الإجراءات لتسهيل حركة دخول وخروج المشاهدين لظاهرة تعامد الشمس وتم توفير بوابات بمسارات الدخول والخروج ، وكانت هناك إستعدادات مسبقة للإحتفال بظاهرة تعامد الشمس هذا العام بمدينة أبو سمبل حيث قامت الهئية العامة لقصور الثقافة بتنظيم فعاليات مهرجان التعامد فى الفترة من 17 إلى 22 أكتوبر والتى إنطلقت فى جميع المواقع الثقافية المفتوحة بمشاركة 8 فرق للفنون الشعبية المصرية بهدف خلق متنفس ترفيهى وفنى للمواطنين فى مختلف أنحاء المحافظة.
فى المقابل، أكد الأثرى الدكتور فهمى محمود الأمين، مدير عام الآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، حرص عدد كبير من السائحين على زيارة مدينة أبوسمبل لمتابعة ظاهرة تعامد الشمس على قدس أقداس المعبد الكبير لرمسيس الثانى.
وأوضح مدير عام الآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هناك أكثر من 4 آلاف سائح من مختلف الجنسيات الدولية، زاروا معبد أبوسمبل لمتابعة الحدث الفلكى الفريد، ودخلوا للمعبد قبل طلوع الشمس بأكثر من 3 ساعات، حرصا منهم على الاصطفاف فى طابور الدخول للمعبد.
وفى السياق، كشف الأثرى الدكتور أحمد مسعود، مدير معبد أبوسمبل، لـ'لليوم السابع"، أن ظاهرة تعامد الشمس تحدث مرتين كل عام 22 أكتوبر و22 فبراير، وهى من الظواهر المكتشفة حديثاً لدى علماء الآثار، ولكن جسدها القدماء المصريون قبل آلاف السنين بمعبد رمسيس الكبير فى مدينة أبوسمبل، وتحدث يومى 22 فبراير و22 أكتوبر فى كل عام، وهما يومان مرتبطان بموسمى الزراعة والحصاد عند القدماء المصريين، أو يومان مهمان لدى الملك، قد يكون أحدهما يوم ميلاده والآخر يوم تتويجه على العرش.
وأشار مدير آثار أبوسمبل، إلى أن اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس تعود إلى شتاء عام 1874، عندما رصدت الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة التى كانت تتابعها وترصدها عندما كانت تستيقظ يوميا مع شروق الشمس وكانت تقيم على مقربة من المعبد، عندها لاحظت أن أشعة الشمس تدخل فى يومين محددين، دخول يمتد إلى داخل قدس أقداس المعبد، ثم سجلتها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل".