كانت العلاقات المتجذرة تاريخيا بين مصر والسعودية أساسا لتأسيس الشراكة بين البلدين في المجالات كافة؛ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا.
وبمرور الوقت أصبحت هذه العلاقات أساسًا لأمن واستقرار المنطقة ومنطلقا لخدمة قضايا العرب؛ فحملت العلاقات المصرية السعودية بعدا استراتيجيا مهما للمنطقة، حيث أن مصر والمملكة تتمتعان بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، ما يعزز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسى المستمر بينهما، لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية فى مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسلم الدوليين.
وكانت الرؤى المصرية السعودية الموحدة إزاء القضايا المهمة فى المنطقة بمثابة كيزة الاستقرار في المنطقة، ومواقف البلدين تجاه القضايا الإقليمية والدولية دائما متطابق، ووقوفهما إلى جانب بعضهما يؤكد مدى عمق العلاقات بينهما وهذا العمق الاستراتيجي في علاقاتهما يخدم قضايا المنطقة والاستقرار العالمي، فمنذ فترة الملك عبدالعزيز حتى اليوم والعلاقات السعودية المصرية نموذج للعلاقات بين بلدين شقيقين.
ودعمت هذه الرؤية قضايا الدول العربية والمنطقة خاصًةً القضية الفلسطينية؛ فالتنسيق المصرى السعودى منع كثيرًا من المشاريع الدولية التى كانت ولا زالت تستهدف دول المنطقة وزعزعة استقرارها؛ فعلاقات التعاون والتنسيق المصرى السعودى هما الجناحان اللذان تطير بهما الدول العربية فى المحافل الدولية.
وترسخت هذه العلاقات في فترة الرئيس السيسى وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتصل الى مستويات عالية جدا في المجالات كافة، خصوصا فيما يخص التحديات التي تواجه المنطقة العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وإيقاف نزيف الدم وحرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلى.
وتاريخ العلاقات المصرية السعودية ثابت وراسخ ومتطور بل وفى ازدهار مستمر وتعاون مثمر.
شراكة اقتصادية
لم تتوقف العلاقة الممتدة لعقود بين مصر والسعودية عند حدود التنسيق السياسي والأمني؛ بل شملت أيضًا الشراكات الاقتصادية والاستثمارية، والتعاون الثقافي والتعليمي، بما يعكس طبيعة التحالف الشامل بين أكبر دولتين عربيتين.
ويشهد التعاون على الصعيد الاقتصادى والاستثمارى زخمًا كبيرا خلال العام الحالي ، مدفوعة بجهود البلدين والرغبة المشتركة فى تعميق العلاقات الثنائية على الأصعدة كافة.
وبالنسبة للتعاون التجاري والاستثمارى فقد بلغ حجم التبادل التجاري حتى النصف الأول من العام 2024 أكثر من 11 مليار دولار، بمعدل نمو 38% مقارنة بنفس الفترة من العام 2023، وتعد المملكة الشريك التجاري الثاني لجمهورية مصر العربية على مستوى العالم، وأكد الجانبان أهمية استمرار العمل المشترك بين البلدين لتنمية حجم التبادل التجاري، وتذليل أي تحديات قد تواجه تنمية العلاقات التجارية، واستمرار عقد مجلس الأعمال المشترك، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية والوفود التجارية والاستثمارية.
وسبق لمجلس التنسيق المصرى السعودى، الذي أسسه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ، أن أبرم 17 اتفاقية شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الإسكان، والبترول، والتعليم، والزراعة، والصحة، شملت اتفاقية لتطوير مستشفى قصر العيني بقيمة 120 مليون دولار، واتفاقية أخرى لتمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار، إلى جانب توقيع 10 اتفاقيات تفاهم لتمويل مشروعات جديدة ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، من بينها تأسيس جامعة الملك سلمان الدولية، وإنشاء 13 تجمعًا زراعيًا في شبه جزيرة سيناء بقيمة 106 ملايين دولار، وغيرهما من المشروعات التنموية.
وقد شهد العام الجاري زخمًا كبيرًا في ملف التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الرياض والقاهرة، ليضيف المزيد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث تبادل الوزراء والمسؤولون في كلا البلدين الزيارات.
وخلال زيارة ولي العهد إلى القاهرة في أكتوبر الماضي، أشاد الجانبان بمتانة الروابط الاقتصادية بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات، بما فيها قطاعات الطاقة، والنقل والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والصناعة، والزراعة، والسياحة.
العلاقات الثقافية
وتجلت الروابط المصرية السعودية فى عدة مجالات من بين أهمها المجال الثقافى فقد شهدت مسيرة العلاقات الثقافية تطورا كبيرا فى السنوات الأخيرة ، مما ساهم توطيد وشائج المحبة والأخوة؛ فمن العوامل التى ساعدت على التقارب الفريد بين البلدين، هو التراث الثقافى والإنسانى المشترك لشعبى مصر والسعودية؛ فالتعاون على المستوى التراثى والثقافى والإعلامى بين البلدين لا يتوقف، فالمملكة حريصة على الحضور الدائم فى الفعاليات الثقافية المصرية مثل معرض القاهرة الدولى للكتاب وغيره من الفعاليات الفنية، سواء فى دار الأوبرا أو المسارح أو المناسبات الموسيقية والغنائية والمعارض التشكيلية والأمسيات الشعرية، بينما تصدح أصوات فنانى ومطربى مصر فى سماء المملكة خلال الفعاليات التى تنظمها الهيئة العامة للترفيه، كما تشارك الفرق الفنية المصرية فى المهرجانات التى تستضيفها المملكة، فضلًا عن الإسهامات فى المعارض الفنية والتراثية وسباقات الهجن ومهرجانات التمور التى تنظمها المملكة بشكل دوري.
وفى يناير الماضى، شاركت المملكة فى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب بتمثيل قوى من هيئة الأدب والنشر والترجمة وعدة جهات حكومية وثقافية أخرى، ضمن جناح مميز نال إقبالًا واسعًا من الزوار، وقد عرضت المملكة من خلاله برامج ومبادرات تطوير قطاع النشر والترجمة، فى إطار جهود تعزيز حضورها الثقافى فى المنطقة.
فى المقابل فقد نظم المكتب الثقافى والتعليمى المصرى بالرياض أمسية بعنوان "لقاء الأشقاء" فى الرابع والعشرين من فبراير الماضى، بحضور شخصيات دبلوماسية وثقافية من البلدين، إلى جانب مشاركة أدبية وشعرية من مصر والسعودية، ما يعزز التواصل الثقافى الشعبى الرسمي.
وفى نهاية العام الماضى استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة بالمملكة العربية السعودية، وذلك بحضور الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ومن الجانب السعودى الدكتور عصام بن سعيد وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء لشئون مجلس الشورى وصالح بن عيد الحصينى سفير المملكة بالقاهرة.