قال وزير العدل الفلسطينى فى حوار لـ«ليوم السابع»: إن اعتراف بريطانيا صاحبة وعد بلفور هو بداية تصحيح خطأها التاريخى تجاه فلسطين، لافتا إلى أن فرنسا وبريطانيا لهما ثقلهما الدولى مما سيعزز القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية، مقدما الشكر للجهود المصرية فى هذا الملف، التى اتخذت موقفا مشرفا وداعما منذ بدء الحرب، وتصدت لكل محاولات التهجير القسرى، مؤكدا أن مصر الدولة الأكثر تضحية من أجل فلسطين منذ نكبة 1948.
ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية لديها خطة كاملة لليوم التالى للحرب فى قطاع غزة، وشدد على أن إسرائيل تسعى إلى ضم الضفة الغربية بالإضافة إلى حرب الإبادة فى غزة، وأنها أجهضت كل محاولات الوساطة والتسوية، لافتا إلى الانحياز الكامل الأمريكى سياسيا وعسكريا وماليا تجاه دولة الاحتلال، مطالبا دول العالم بالضغط لتنفيذ قرارات الجنائية الدولية وملاحقة قادة إسرائيل كمجرمى حرب
كيف تقيم الاعتراف الأخير من فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين؟ وما دلالاته القانونية والسياسية بالنسبة للقضية الفلسطينية؟
اعتراف كل من فرنسا وبريطانيا له دلالات سياسية كبيرة على مسار القضية الفلسطينية، خاصة أنه يعنى تحولا كبيرا فى موقفهما، حيث إن هذا التحول من داعم لدولة الاحتلال إلى الاعتراف بالدولة الفسطينية يعنى إلى حد كبير بعدم رضا مثل هذه الدول عن سياسات الإبادة الجماعية، التى ترتكبها دولة الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطينى خاصة فى قطاع غزة.
المسؤولية التاريخية لبريطانيا التى كانت صاحبة «وعد بلفور» عام 1917 الذى وضع الأساس التاريخى لقيام إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية، اعترافها اليوم يُعتبر تصحيحًا جزئيًا لمسار تاريخى أضرّ بالشعب الفلسطينى، بالإضافة إلى أنها تشكل ثقلا دوليا، بريطانيا وفرنسا عضوان دائمان فى مجلس الأمن، وهما من القوى الكبرى المؤثرة فى السياسة الدولية، واعترافهما يعزز الضغط على دول أخرى فى أوروبا والعالم للحذو حذوهما.
كما أن ذلك له تأثير أوروبى مباشر، فرنسا وبريطانيا تاريخيا قادتا مواقف أوروبية متحفظة تجاه الاعتراف بدولة فلسطين، انتقالهما الآن إلى الاعتراف يعنى فتح الباب أمام دول أوروبية أخرى كانت مترددة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الرمزية السياسية، الاعتراف البريطانى الفرنسى وعدد من دول أوروبا لا يحمل فقط قيمة قانونية، بل رمزية معنوية كبرى للشعب الفلسطينى.
هل تتوقع أن يشكل هذا الاعتراف ضغطًا فعليًا على إسرائيل داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
إن الاعتراف الدولى من اثنى عشرة دولة، خصوصا من بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطين، هو إقرار من المجتمع الدولى بالشخصية القانونية والسيادة للشعب الفلسطينى على أرضه، وفق قواعد القانون الدولى العام، خاصة ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ حق الشعوب فى تقرير المصير، وقواعد القانون الدولى الإنسانى.
إن هذا الاعتراف من قبل دول كبرى، مثل بريطانيا وفرنسا، خاصة أنهما عضوان دائمان فى مجلس الأمن الدولى، فأصبحا لاعبين مؤثرين على الساحة الدولية يمكن أن يدعم الموقف الفلسطينى على الساحة الدولية، إضافة إلى ذلك يعتبر تحولا مهما بالموقف الرسمى لدول مثل فرنسا وبريطانيا وأستراليا والبرتغال وبلجيكا وكندا ولوكسمبرج وسان مارينو واندورا والدنمارك و موناكو، من دول داعمة إلى الاحتلال الإسرائيلى إلى دول تعترف بأحقية الشعب الفلسطينى فى قيام دولته المستقلة كاملة السيادة.
الاعتراف بفلسطين لا يُنهى الاحتلال القائم فعليا، لكنه يُغيّر من توصيفه القانونى على المستوى الدولى، فبدلا من أن يُنظر إلى الوضع باعتباره نزاعا بين قوة احتلال وشعب تحت الاحتلال فقط، يصبح الأمر اعتداء من دولة قائمة بالاحتلال على سيادة دولة أخرى عضو أو معترف بها فى المجتمع الدولى، هذا يرفع من مستوى المسؤولية القانونية الواقعة على دولة الاحتلال، ويُقوّى الأساس القانونى لمساءلتها أمام المحاكم والهيئات الدولية، استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذى يحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد وحدة وسلامة أراضى أى دولة أخرى.
كما أن الاعتراف بفلسطين يمثل خطوة مهمة نحو إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة، لذلك ندعو المجتمع الدولى لاستمرار جهوده وضغطه على السلطة القائمة بالاحتلال لإنهاء حرب الإبادة على شعبنا فى قطاع غزة، وإنهاء الاحتلال وتنفيذ حل الدولتين باعتباره الحل الوحيد فى مواجهة الاستيطان والهجمات الإسرائيلية.
كيف ستوظفون هذا الزخم الدولى فى تعزيز المسار القانونى لمساءلة إسرائيل عن جرائمها فى غزة والضفة الغربية؟
نعمل على تعزيز التعاون القانونى والدبلوماسى مع الدول الأوروبية والعربية والإسلامية لضمان مساءلة الاحتلال وحماية حقوق شعبنا، وفى المرحلة المقبلة التى تتطلب توظيف كل أداة قانونية ودبلوماسية لضمان بقاء القضية الفلسطينية على رأس الأجندة الدولية، بالإضافة إلى ضرورة تطبيق مواد القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، باعتبارهما ركيزتى عملنا على الصعيد الإقليمى والدولى، وسنسعى دائما لتحويلها إلى أفعال ملموسة على الأرض من خلال الضغط السياسى والقانونى.
كما أن الرأى الاستشارى الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال والاستيطان يحمل حجية قانونية قوية، إذ يحدد أن الاحتلال الإسرائيلى غير شرعى، وأن على المجتمع الدولى واجبا بعدم الاعتراف أو المساعدة فى استمراره، حيث يشكل الرأى الاستشارى الصادر عن محكمة العدل الدولية، حول عدم شرعية الاحتلال، مرجعا يمكن البناء عليه فى المحافل الدولية والمحاكم الوطنية، كما يشكل ذلك أساسا لتصعيد المطالبة بتدابير عملية، مثل العقوبات على المستوطنات، المقاطعة الاقتصادية، وغيرهما من أدوات الضغط التى يمكن بها مواجهة دولة الاحتلال.
إلى أى مدى هناك أفق حقيقى لوقف إطلاق النار فى ظل التعنت الإسرائيلى؟
شاهدنا على مدار العامين السابقين من حرب الإبادة، التى تقوم بها دولة الاحتلال العديد من المباردات الدولية والإقليمية وجهود الوساطة من أجل وقف العدوان الغاشم على أبناء شعبنا، ووقف المجازر التى تقوم بها سلطة الاحتلال، إلا أن جميع هذه المبادرات وجهود الوساطة باءت بالفشل، بسبب رفض دولة الاحتلال وقف عدوانها المستمر وحرب الإبادة التى تقوم بها.
حاولنا فى دولة فسطين سد جميع الذرائع التى تحجج بها الاحتلال الإسرائيلى، من أجل وقف الحرب، إلا أن الاحتلال الإسرائيلى يمعن فى جرائمه، ويتحدى المجتمع الدولى ومبادئ القانون الدولى، ويواصل حرب الإبادة بأبشع صورها، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعمه فى استمرار حربه بحق الشعب الفلسطينى.
ولكن بعد الاعترافات الأخيرة بدولة فلسطين من قبل عدد كبير من الدول فى العالم والمنظمات الدولية، يمكن أن يشكل أداة ضغط قوية للوصول إلى وقف إطلاق نار حقيقى، وإبعاد شبح الإبادة الجماعية المستمرة عن أبناء شعبنا والقيادة الفلسطينية مستمرة بجهودها وحراكها الدبلوماسى فى كل أروقة المنظمات الدولية والجمعية العامة من أجل وقف الحرب ومحاسبة سلطات الاحتلال على جارئمها، وفق مبادئ القانون الدولى.
كيف ترون موقف الولايات المتحدة من المبادرات الأممية لوقف الحرب؟ وهل هناك تغيير فى الموقف الغربى بعد الاعترافات الأخيرة؟
الموقف الأمريكى الحالى يظل منحازًا بالكامل لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا وماليًا، وواشنطن استخدمت مؤخرا حق النقض «الفيتو» فى مجلس الأمن لعرقلة قرار يدعو لوقف الحرب على غزة، أما الموقف الغربى تجاه الفلسطينيين فيشهد تغييرا حقيقيا، وهناك تعاطف شعبى وضغوط مجتمعية أدت لتوازنات سياسة رسمية متعاطفة مع القضية الفلسطينية، وتدعو لوقف العدوان على شعبنا وإعادة الاعتبار للحقوق الفلسطينية.
ما هى الأولويات العاجلة للسلطة الفلسطينية فى حالة الوصول إلى هدنة أو اتفاق لوقف الحرب؟
الحكومة أعدت برنامج عمل متكاملا، بناء على توجيهات الرئيس محمود عباس، القيادة الفلسطينية، بخطة عمل سیتم العمل على تنفیذھا بین الشركاء مع دولة فلسطین، لليوم التالى لانتهاء الحرب فى قطاع غزة، حيث تشمل كل القطاعات والمؤسسات، وترتكز على تعزيز الجهد الإغاثى، واستعادة الخدمات الأساسية، تمهيدا لعملية إعادة الإعمار.
وبقيادة الشقيقة جمهورية مصر وألمانيا والأمم المتحدة وفلسطين، وبمشاركة ممثلين عن أكثر من 30 دولة، عُقدت فى مقر بعثة جمهورية مصر لدى الأمم المتحدة الأسبوع الماضى، جلسة إحاطة دولية رفيعة المستوى، بمشاركة رئيس الوزراء الدكتور محمد مصطفى، عبر الاتصال المرئى من مكتبه برام الله، لمتابعة تحضيرات إعادة إعمار قطاع غزة فور وقف العدوان، وبحث الجوانب السياسية والتقنية لتنفيذ خطة الإعمار، وتوحيد المواقف خلال هذه المرحلة الحرجة، والاستفادة من نتائج مؤتمر حل الدولتين الأخير، وشكّل الاجتماع فرصة للتأكيد على الالتزام بخطة الإعمار والإنعاش المبكر فى غزة، وإظهار الرغبة المشتركة فى إنجاح المؤتمر الدولى، الذى تعتزم مصر استضافته فى القاهرة فور إعلان وقف إطلاق النار.
نرى تكثيفًا واضحًا للاستيطان فى الضفة الغربية، بل ومحاولات إسرائيل لفرض واقع الضم.. كيف تتعامل الحكومة الفلسطينية مع هذه التطورات؟
الاستيطان بكل أشكاله غير شرعى، وفق القانون الدولى والأعراف الدولية، وسنستخدم كل أداة متاحة، مثل التعاون الدولى مع المنظمات الحقوق الرسمية داخل أروقة الأمم المتحدة والمنظمات الداعمة لحقوق الشعب الفلسطينى، وشبكات المناصرة القانونية، مع تركيزنا الدائم على حشد الرأى العام الدولى لمنع أى توسع استيطانى يهدد حل الدولتين، وهنا نؤكد على خطورة التوسع الاستيطانى، وتحديدا المخطط الاستيطانى E1 وما يشكله من تهديد مباشر لمستقبل الدولة الفلسطينية، الذى يهدف إلى تقسيم الضفة الغربية وعزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطينى، بما يقوّض حل الدولتين.
ما هو تقييمكم لدور مصر فى منع محاولات إسرائيلية لدفع الفلسطينيين فى غزة نحو التهجير القسرى؟
الموقف المشرف والداعم لجمهورية مصر العربية، ممثلا بالسيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى، والحكومة المصرية وشعب مصر العظيم، له دلالة على متانة وعمق العلاقات التاريخية الصادقة بين فلسطين ومصر على كل المستويات.
نعبر عن تقديرنا للجهود المتواصلة لمصر ودعمها وإسنادها لحقوق الشعب الفلسطينى العادلة والمشروعة، وفى مقدمتها الموقف المشرف لمنع التهجير والمطالبة المستمرة بوقف الإبادة الجماعية عن أهلنا فى قطاع غزة.
إن مصر كانت وما زالت الدولة الأكثر تضحية من أجل القضية الفلسطينية، فمصر إبان العهد الملكى وقبل ثورة 23 يوليو المجيدة سارعت للوقوف إلى جانب فلسطين بجيشها العظيم، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أحد ضباط الجيش المصرى، الذين قاتلوا فى فلسطين وتم حصارهم فى مدينة الفالوجا، واستمرت المعركة لشهور، وعموما لا يوجد مدينة أو قرية مصرية إلا وقد استشهد أحد أبنائها على تراب فلسطين.
استمر الدور المصرى فى إدارة قطاع غزة بعد نكبة 1948 ونكسة 1967، كما أن لمصر دورا كبيرا فى دعم السلطة الفلسطينية ومحاولة الوصول إلى المصالحة الداخلية الفلسطينية.
ومن الأهمية التأكيد عل دور مصر الفاعل فى التحضير لمؤتمر إعادة الإعمار الذى سيعقد فى القاهرة بعد انتهاء الحرب، ومصر مع قطر تعمل للتوصل لوقف العدوان الإسرائيلى، بما يمهد لإطلاق مسار سياسى لحل الصراع بالطرق السلمية، وتمكين دولة فلسطين من ممارسة ولايتها السياسية والقانونية على كامل أرض دولة فلسطين.
ما رسالتكم للمجتمع الدولى وللشعوب العربية فى هذه المرحلة؟
نأمل من جميع دول العالم، التى وقفت إلى جانب قضية شعبنا ونصرته، فى المزيد من الدعم والضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلى من أجل وقف عدوانها وحربها المستمرة ضد أبناء الشعب الفلسطينى، مع ضرورة تفعيل وتطبيق قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة قادة الاحتلال فى كل المحافل الدولية، من خلال الضغط القانونى والسياسى، وحث الدول على تطبيق مبادئ القوانين والاتفاقيات الدولية التى تختص بملاحقة مجرمى الحرب، ونحن نعتبرها الوسيلة الأنجع لتحقيق مساءلة دولة الاحتلال وقادتها وحماية حقوق الفلسطينيين، وذلك من خلال تطبيق مواد القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، وهما ركيزتا عملنا، وسنسعى دائما لتحويلها إلى أفعال ملموسة على الأرض.
وفيما يتعلق بالدول العربية، نسعى جاهدين لتنسيق موقف موحد فى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى لتوجيه حملات دبلوماسية مشتركة ودعم المبادرات القانونية الدولية، وضمان توافق الخطاب العربى حول الالتزام بالقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، لتعظيم الضغط السياسى والدبلوماسى على إسرائيل.