في فن اختيار التوقيت، تبدو زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي للأكاديمية العسكرية المصرية فجرًا، ولقاءاته المتكررة مع طلابها، محملة بالعديد من الرسائل العميقة للداخل والخارج معًا، ولعل أبرزها ما جاء في عبارته الواضحة: "مصر لا تتآمر على أحد".. جملة قد يراها البعض عابرة، لكنها في حقيقتها تعكس فلسفة دولة ونهج قيادة، وثوابت راسخة في احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، بما يعزز صورة مصر كدولة سلام تسعى دائمًا إلى البناء والاستقرار، لا إلى الصراع والمكائد..
"مصر لا تتآمر على أحد".. هذا القول هو تعبير عن فلسفة سياسية ممتدة، صاغتها التجارب والتحديات، في محيط إقليمي مثقل بالأزمات والحروب والمؤامرات، وتصاعد حملات التضليل الإعلامي التي تستهدف عقول الشباب، ليأتي التأكيد الرئاسي ليغلق أبواب التشويه، ويعيد التذكير بأن مصر لم ولن تسلك طريق التآمر، وإنما تعرف فقط طريق البناء والدعم والاستقرار.
عرض طلاب الأكاديمية العسكرية المصرية
والشواهد على هذا النهج عديدة ومتجددة، ففي القضية الفلسطينية، كان الموقف المصري دائمًا داعمًا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورافضًا لتهجيرهم خارج أراضيهم، مع قيامها بدور الوسيط لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وفي الملف الليبي، حدد الرئيس السيسي بوضوح "الخط الأحمر" صونًا لوحدة الدولة الليبية ومنعًا لأي محاولة لتقسيمها، دون أن تتدخل مصر في قرارات الليبيين الداخلية، أما في السودان، فقد سعت مصر إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف، حرصًا على سلامة الدولة الشقيقة، بعيدًا عن أي انحياز أو دعم لفصيل ضد آخر.
الرئيس السيسى فى الأكاديمية العسكرية المصرية
هذه الشواهد وغيرها، تثبت للعالم أن مصر، برغم ما تواجهه من تحديات، إلا إنها مازالت دولة "وفية" لدورها كركيزة استقرار إقليمي، وكصوت للعقل والحكمة في هذه المنطقة المضطربة.
ولكن، إذا كان نهج مصر الثابت يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التآمر على أحد، فإن هذا النهج ما كان ليستمر ويصمد أمام محاولات التشويه المتكررة والحروب الإعلامية لولا وعي الشعب المصري.. الوعي الذي طالما يراهن عليه الرئيس السيسي دوماً، ليصبح خط الدفاع الأول في حماية الدولة وصورتها، خاصة في ظل التحديات المتلاحقة داخليًا وخارجيًا..
وحين تحدث الرئيس في لقاءه مع طلبة الأكاديمية العسكرية، عن الوعي، تحدث عن ارتباطه الوثيق بمدى القدرة على الفهم السليم والتقدير الصحيح للواقع، دون أن يقتصر مفهوم هذا الوعي على مجرد المعرفة بالحقائق، أو حتى القدرة على كشف الزيف والتضليل.
لأن الفهم الحقيقي والعميق لصحيح الأمور وما يحيط بها من أسباب ونتائج وعوامل داخلية وخارجية، يجعل الصورة "كاملة" وواضحة أمام شعب يثق في قيادية السياسية وقراراتها وموقفها في مختلف القضايا، بل ويقف حائط صد أمام محاولات الاستقطاب ونشر الشائعات.. وهو ما أثبتته العديد من المواقف والأحداث منذ 2011 وحتى يومنا هذا..
والرئيس السيسي، استشهد عدة مرات بـ"وعي" الشعب في مواجهة محاولات نشر الفوضى بعد 2011، حيث تعرضت مصر لموجات ضخمة من الشائعات والانقسام، ولكن كان وعى المواطن هو العامل الرئيسي لتستعيد الدولة قوتها ومكانتها مرة أخرى.
الرئيس السيسى يؤدى صلاة الفجر فى الأكاديمية العسكرية المصرية
كذلك كان الوعى أيضا سلاحا في مواجهة محاولات بعض المنصات الإعلامية تضليل الرأي العام عبر إلصاق كل التحديات الاقتصادية بمصر وحدها، وكأن مصر وحدها من تعاني، متجاهلة أن الأزمات التي شهدها العالم، من جائحة كورونا إلى الحرب الروسية الأوكرانية، كانت سببًا مباشرًا في ارتفاع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم وأزمات الطاقة والغذاء، وهنا لعب وعي المواطن المصري دورًا حاسمًا في إدراك هذه الحقائق، فميز بين الظروف العالمية والواقع المحلي، وهو ما ساعد الدولة على مواجهة الأزمة من دون أن تهتز الثقة الداخلية بين الشعب ومؤسساته.
وفي القضية الفلسطينية أيضاً خير دليل، بمحاولات بعض الأطراف ترويج مزاعم بأن مصر تتآمر أو تسعى إلى تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم، ولكن إدراك المصريون لموقف دولتهم الثابت وغير المتغير والرافض لفكرة التهجير، وسعيها المتواصل لوقف إطلاق النار، وإصرارها على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، حال دون نجاح حملات التشويه التي استهدفت صورة مصر.
وهنا، تكتمل الرسالة التى شدد عليها الرئيس السيسي، بأن مصر لا تتآمر على أحد، وأن الوعي سلاحها في أي محاولة للنيل منها أو استقطاب شعبها كحائط صد راسخ، يكشف الزيف ويفضح التضليل، وليثبت أن الدولة التي اختارت السلام والاستقرار، قادرة أن تظل عصية على المؤامرات، و أن"محدش يقدر يأذي مصر".