بعد مرور 24 عامًا على هجمات 11 سبتمبر 2001 التي غيرت خريطة الأمن العالمي، تحيي أوروبا الذكرى هذا العام وسط تحديات أمنية متجددة ومعقدة.
وعلى الرغم من النجاح النسبي في تقويض الجماعات الإرهابية التقليدية مثل "القاعدة" و"داعش" على المستوى التنظيمي، فإن التهديد لم يتراجع، بل أعاد تشكيل نفسه بأشكال أكثر خطورة، وعلى رأسها ظاهرة "الذئاب المنفردة، وتجنيد المراهقين عبر الإنترنت.
الذئاب المنفردة: الخطر الذي يصعب التنبؤ به
وتشير تقارير أجهزة الأمن الأوروبية إلى أن خطر "الذئاب المنفردة" ، أي الأفراد الذين ينفذون هجمات بشكل فردي دون ارتباط تنظيمي مباشر ـ أصبح العنوان الأبرز للتهديدات الإرهابية في عام 2025، حسبما قالت صحيفة لاراثون الإسبانية.
وتتميز هذه الهجمات تتميز بكونها صغيرة في الحجم، كبيرة في التأثير، إذ لا تحتاج إلى بنية تنظيمية أو دعم لوجستي معقد. يكفي فرد واحد يحمل سكينًا أو سيارة مسروقة ليبث الرعب في شوارع مدريد أو باريس أو برلين.
كما أوضح التقرير أن التجارب الأخيرة، مثل حادث الطعن في محطة مترو بروكسل في يونيو 2025، تؤكد أن التطرف الفردي يتغذى على مزيج من السخط الاجتماعي والدعاية الرقمية، ما يجعل التنبؤ به ومنعه تحديًا بالغ الصعوبة.
الإنترنت: منصة للتجنيد وغسل العقول
لم تعد الخلايا التقليدية هي المصدر الأول للتجنيد، بل أصبح الإنترنت، وخاصة منصات التواصل الاجتماعي والشبكات المظلمة (Dark Web)، هو الميدان الجديد الذي تستغله الجماعات الإرهابية.
من خلال مقاطع فيديو قصيرة، ألعاب إلكترونية مشفرة، وغرف دردشة سرية، يتم بث خطاب الكراهية والتحريض على العنف بشكل يومي.
وتحدثت الأجهزة الأوروبية، وعلى رأسها وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول، في تقاريرها عن طفرة في المحتوى المتطرف الموجّه للمراهقين، حيث يستخدم الإرهابيون لغة شبابية وأدوات ترفيهية لإقناعهم بأن "المجد والجنة" في العنف والقتال.
المراهقون: الهدف الجديد للتنظيمات
وواحدة من أخطر الظواهر التي برزت في الأعوام الأخيرة هي تجنيد القُصَّر والمراهقين، ففي فرنسا، أحبطت السلطات في أبريل 2025 خلية يقودها شاب لم يتجاوز 16 عامًا خطط لتفجير مركز تجاري في ليون. وفي ألمانيا، تم توقيف مراهقين اثنين خططا لهجوم على كنيس يهودي بعد استقطابهما عبر غرفة دردشة على تطبيق مشفر.
ويمثل المراهقون "فرائس سهلة" بسبب هشاشتهم النفسية وسعيهم لإثبات الذات، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة بمهارة. وفي هذا السياق، تؤكد الدراسات أن متوسط أعمار بعض الموقوفين بتهم مرتبطة بالإرهاب في أوروبا بات يتراوح بين 15 و21 عامًا.
سباق استخباراتي وأمني
في مواجهة هذا التهديد المتطور، تكثف أجهزة الأمن الأوروبية جهودها عبر:مراقبة الفضاء الرقمي، وتعزيز التعاون مع شركات التكنولوجيا لحذف المحتوى المتطرف، وبرامج وقائية مع موجهة للمراهقين داخل المدارس والمراكز الشبابية لتعزيز الوعي بخطر التطرف، وتبادل معلومات استخباراتية متقدم بين دول الاتحاد الأوروبي لتتبع التحركات المشبوهة، بالإضافة إلى سن قوانين جديدة تسمح بتعقب الحسابات المشفرة وتمديد فترات المراقبة للمشتبه بهم.
لكن رغم هذه الإجراءات، يحذر خبراء من أن الحرية الفردية وحقوق الخصوصية تظل عائقًا أمام المراقبة الشاملة، ما يفتح بابًا لنقاش سياسي واجتماعي لا ينتهي.
ورغم النجاحات الأمنية، فإن المعركة ضد الإرهاب في أوروبا عام 2025 ليست فقط معركة عسكرية أو استخباراتية، بل هي أيضًا معركة فكرية وثقافية تتعلق بكيفية حماية الشباب من خطاب الكراهية، وتحقيق التوازن بين الأمن والحرية، وهو ما سيحدد مستقبل القارة في السنوات المقبلة.
