تشهد مصر في السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، مدفوعة برغبة الدولة في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات العالمية، لاسيما فيما يتعلق بالأمن الغذائي وضبط الأسواق.
وفي هذا الإطار، جاءت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026، التي عرضتها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية الدكتورة رانيا المشاط وأقرها البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ)، لتضع قطاع التموين والتجارة الداخلية في قلب الأجندة التنموية حتى عام 2030، باعتباره قطاعا استراتيجيا يتقاطع مع حياة كل مواطن، وركيزة رئيسية لاستقرار المجتمع.
ويعل أحد أبرز محاور الخطة يتمثل في توسيع قاعدة السلع التموينية والتخزينية لتشمل أكثر من 100 سلعة، وهو ما يفتح المجال أمام المواطنين لاختيار ما يناسب احتياجاتهم ويعزز من مرونة المنظومة.
ويواكب هذا التوسع إطلاق خدمات رقمية حديثة، على رأسها البطاقات التموينية الذكية التي سيتم تفعيلها في نحو 322 مجمعا خدميا حكوميا على مستوى الوحدات المحلية، بما يضمن وصول الخدمة إلى القاعدة العريضة من المستفيدين بشكل أسرع وأكثر شفافية.
ولا يقف الأمر عند حدود تنوع السلع، بل يمتد إلى تعزيز المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية، حيث تستهدف الخطة الحفاظ على مخزون يكفي لمدة لا تقل عن ستة أشهر، مع العمل على رفع كفاءة وإدارة وتشغيل الصوامع وإنشاء مستودعات استراتيجية إقليمية لزيادة المخزون السلعي الغذائي من 8 إلى 10 أشهر، وذلك بزيادة السعات التخزينية.
ويعكس هذا التوجه إدراك الدولة لأهمية امتلاك قدرة تخزينية كافية لمواجهة الأزمات العالمية واضطرابات سلاسل الإمداد، وهو ما يضمن استقرار الأسواق وحماية الفئات الأكثر احتياجا من تقلبات الأسعار.
في الوقت نفسه، تدرك الخطة أن السيطرة على الأسعار لا تتحقق فقط بتأمين المخزون، بل أيضا بمعالجة تكلفة التداول والنقل التي تشكل نحو 30% من التكلفة الإجمالية للسلع.
لذلك، تسعى الدولة إلى إقامة 60 منطقة تجارية ولوجستية محورية وإقليمية بحلول 2030، بما يقلل من حلقات التداول ويخفض الأسعار في الأسواق، علي أن يتكامل ذلك مع تفعيل البورصة السلعية كآلية تنظيمية لضبط حركة البيع والشراء، وتحقيق قدر أكبر من الشفافية والعدالة في تداول السلع على مستوى الجمهورية.
وتستند الخطة كذلك إلى محور رفع كفاءة المكاتب التموينية وتطويرها بما يتناسب مع متطلبات التحول الرقمي، مع ضمان وصول الخدمات التموينية الذكية إلى جميع مستحقي الدعم.
كما تشمل الخطة تطوير مكاتب السجل التجاري بالمحافظات لتيسير المعاملات على المستثمرين والتجار، والتوسع في المنافذ السلعية المتنقلة التي تستهدف القرى والنجوع، بما يضمن عدالة التوزيع ووصول السلع الأساسية بأسعار مناسبة للمواطنين في مختلف المناطق.