كشفت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوسطة المدى (2025/2026 – 2028/2029) المُقدمة من وزيرة التخطيط رانيا المشاط، ووافق عليه البرلمان بغرفتيه (مجلسي النواب، والشيوخ) عن مؤشرات إيجابية فيما يخص مسار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، سواء بالأسعار الثابتة أو بالأسعار الجارية، بما يعكس متانة الأداء الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة، واستمرار الالتزام بتنفيذ مستهدفات رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
ويعد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي تُستخدم لقياس مستوى رفاهية الأفراد وجودة الحياة في أي دولة، لاسيما وأنه يعكس متوسط ما يحصل عليه المواطن من عوائد النشاط الاقتصادي، وبالتالي يعد مقياساً تقريبياً لمستوى الدخل والمعيشة.
وفقاً للخطة، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة نحو 80.5 ألف جنيه خلال عام 2024/2025، ليرتفع تدريجياً إلى حوالي 82.9 ألف جنيه في عام 2025/2026، على أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي خلال الأعوام التالية حتى نهاية فترة الخطة في عام 2028/2029، ويعكس هذا التطور في الأرقام قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق معدلات نمو حقيقية ومستدامة، بعيداً عن أثر التضخم وتقلبات الأسعار.
ويجب الإيضاح هنا، إلي أهمية هذه المؤشرات، لأنه كلما ارتفع نصيب الفرد بالأسعار الثابتة، دل ذلك على وجود نمو اقتصادي حقيقي يعزز القوة الشرائية ويحسن القدرة على الحصول على السلع والخدمات الأساسية.
أما على صعيد الأسعار الجارية، فأنه سجل نصيب الفرد نحو 160.6 ألف جنيه في عام 2024/2025، ليرتفع إلى حوالي 186.8 ألف جنيه خلال عام 2025/2026، مع استمرار الزيادة التدريجية حتى نهاية الفترة المستهدفة، ورغم أن هذه الأرقام تعكس تأثير التضخم وارتفاع مستويات الأسعار، إلا أنها تُظهر أيضاً توسع حجم الاقتصاد الكلي، وزيادة القيمة الاسمية للناتج المحلي، بما يواكب الاتجاهات العالمية في الاقتصادات الناشئة.
تأثير هذا المؤشر الإيجابي لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادا اجتماعية وتنموية واسعة، فعندما يتحسن نصيب الفرد من الناتج المحلي، ينعكس ذلك في تحسين قدرة الدولة على توفير خدمات التعليم والصحة والبنية التحتية، فضلاً عن توسيع شبكات الحماية الاجتماعية، بما يسهم في رفع مستوى العدالة وتقليص الفجوات بين الفئات المختلفة، كما أنه يمثل ارتفاع نصيب الفرد عاملاً جاذباً للاستثمار المحلي والأجنبي، لأنه يشير إلى وجود سوق داخلية قوية قادرة على الاستهلاك والنمو.
وتؤكد الخطة أن هذه المؤشرات ليست مجرد أرقام جامدة، بل تعكس نجاح السياسات الاقتصادية والتنموية في مصر خلال السنوات الماضية، والتي استهدفت بالأساس تحقيق نمو احتوائي يضمن توزيعاً أكثر عدالة لعوائد التنمية، ويركز على تحسين مستوى معيشة المواطن المصري، فالسياسات المتبعة لم تقتصر على رفع معدلات النمو الاقتصادي فحسب، بل شملت أيضاً إصلاحات هيكلية عميقة في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بما يضمن استدامة التنمية ويعزز مناعة الاقتصاد ضد الأزمات الداخلية والخارجية.
وتأتي هذه التوقعات الإيجابية في ظل تنفيذ حزمة من البرامج والإصلاحات التي تتماشى مع رؤية مصر 2030، والتي تستهدف تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة من خلال عدة محاور رئيسية، أهمها: تعزيز كفاءة الاستثمار العام والخاص، زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية وخاصة الصناعة والزراعة في الناتج المحلي، التوسع في البنية التحتية الذكية والمستدامة، وتحفيز التحول الرقمي والابتكار باعتبارهما ركيزة أساسية للتنافسية المستقبلية.
كما تركز الخطة على تعزيز رأس المال البشري من خلال الاستثمار في التعليم والصحة والتدريب، وهو ما ينعكس إيجابياً على معدلات الإنتاجية ويضمن استدامة التحسن في مستوى معيشة المواطنين. وبالإضافة إلى ذلك، تحرص الدولة على توسيع شبكة الحماية الاجتماعية لضمان استفادة الفئات الأكثر احتياجاً من ثمار النمو الاقتصادي، بما يسهم في الحد من التفاوت الاجتماعي وتحقيق قدر أكبر من العدالة.
من جانب آخر، فإن التوقعات الخاصة بزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة تمثل مؤشراً على قدرة الاقتصاد المصري على خلق قيمة مضافة حقيقية، بعيدة عن التضخم، مما يعزز الثقة في بيئة الاستثمار، ويشجع على ضخ مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، كما أن استمرار الاتجاه التصاعدي حتى عام 2028/2029 يعكس وجود رؤية واضحة وخطط تنفيذية قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
فهي لا تقتصر على زيادة الأرقام الكلى للناتج المحلي، بل تسعى أيضاً إلى ترجمة ذلك في صورة تحسن حقيقي في مستوى معيشة المواطن، وتعزيز قدرة الاقتصاد على المنافسة إقليمياً ودولياً، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق مستهدفات رؤية مصر 2030 وبناء اقتصاد قوي وشامل يواكب تطلعات الأجيال القادمة.