واصلت حملة صحح مفاهيمك، الصادرة من وزارة الأوقاف، الرد على كل ما يثار من افكار مغلوطة ،وتناولت مؤخرا الرد علي ما أثاره البعض بخصوص شرب الحشيش والرأى الشرعى فيه، حيث زعم بعض الخاضعين لأهوائهم، والمستضعفين أمام شهواتهم: أن الحشيش مباح؛ بحجة أنه لم يأت نص في القرآن الكريم والسنة النبوية بتحريمه، والحق أن هذا الزعم فيه مغالطة كبيرة للشرع الشريف ومقاصده، وتلبيس على العوام في أمور دينهم.
الإنسان بنيان الله
الإنسان خلق عظيم، أكرمه الله عز وجل وفضله على كثير من خلقه، فقال: {وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ} [الإسراء: ٧٠]، فالإنسان بنيان الله لا يهان ولا يهدم، يقول صاحب الجناب النبوي المعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم «إنَّ هذا الإنسانَ بنيانُ اللَّهِ، فملعونٌ مَن هدم بنيانَهُ» [رواه الزيلعي]، فمن تأمل في هذا البيان النبوي يدرك سوء عاقبة من تجرأ على هدم بنيان المولى عز وجل، سواءً كان بسفك الدماء، أو بدفعه إلى هاوية المخدرات بكل أسمائها، وأنه يستحق الطرد من رحمة الله.
وهدم بنيان الإنسان ليس هدمًا لشخص واحد، بل هو هدم لأشخاص متعددة، فتدمير رجل: يدمر زوجة وأمًا وأخوة وذرية وأصدقاء، قال الله تعالى: {مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ} [المائدة: ٣٢].
تزيين للباطل
قد يُخيل إلى الإنسان أنه إذا زين الباطل بتغيير اسمه يصبح حقًا، ويحوّل الخبيث طيبًا، والحق أن الخمر حرام، ولو حام الناس حولها بمسميات شتى كالحشيش، يقول صاحب الجناب النبوي المعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: «ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ» [رواه ابن ماجة]، أي يُطلِقون عليها مُسمّيات أخرى مع وجود عِلَّة الإسكارِ فيها، فبعضهم يُسمِّيها بالشَّراب الرُّوحيِّ، وما أفظع هذا القول! فهو كذب بيّن، فكيف يكون هذا الشَّراب الذي يُذهب العقل ويُميت القلب ويُبعد عن طاعة الله، شرابًا رُوحيًّا؟! وما هو إلَّا شرابٌ خبيثٌ، يفسد العقل، ويفسد الدِين، ويفسد الفكر، ثم بيّن النبي صلَّى الله عليه وسلم عقوبة هؤلاء، فقال: «يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ»، أي: تغوص الأرضُ بهم، «ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ»، وهذا وعيد شديد لمن يتحايل في تَحليلِ ما حرمه الله بتغييرِ اسْمه.
تلبيس على العوام
يزعم بعض المغالطين والملبسين: أن الحشيش مباح؛ لأنه لم يأت نص بتحريمه! وهذا تلبيس على العوام، ومغالطة صريحة للشرع وللعقل، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن، فسأل أبو موسى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشربة تُصنع في اليمن فقال صلى الله عليه وسلم «وما هي؟ قالَ: البِتْعُ والمِزْرُ، فَقالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ». [رواه البخاري ومسلم]، - والبِتْعُ: نَبِيذُ العَسَلِ، والمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ، أي أن كل شراب يُسكر العقل ويذهبه فهو حرام، وتناول جميع المسكرات التي تُذهب العقل على اختلاف أشكالها وألوانها حرام، وقد روى الإمام أحمد في مسنده: «أنَّ النَّبيَّ ﷺ نَهى عَن كُلِّ مُسكِرٍ، وعَن كُلِّ مُفَتِّرٍ» [رواه أحمد والترمذي]، والمفتر هو كل ما يُحدث الفتور والتخدير في الأعضاء والجوارح، والحشيش بشهادة الدارسين والخبراء والمجرّبين يوقع شاربه في الفتور، ويسلبه قوة الإرادة، ويبعث فيه الضعف والجبن، فيدخل تحت عموم هذا النهي النبوي الصريح.
وعلى هذا فإن الحشيش حرام بإجماع الأئمة، لأنه مخدر يُذهب العقل، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: ٩١]، كما أنه من الخبائث، وقال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ} [الأعراف: ١٥٧]، كما أن فيه ضررًا حسيًا ومعنويًا، والقاعدة الشرعية: أن ما فيه مضرة فهو حرام، قال صلى الله عليه وسلم «لا ضرَرَ ولا ضِرارَ» [رواه الطبري].
أضرار الحشيش
أثبتت الدراسات أن للحشيش أضرارًا جسدية واجتماعية ودينية:
فمن الأضرار الجسدية: أنه يسبب الهلوسة والاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، ويؤدي إلى ضعف الذاكرة والتركيز، ويزيد من احتمالية الإصابة بالفصام والجنون، ويدمر الرئتين، ويسبب أمراضاً تنفسية خطيرة، ويؤثر على القلب والدورة الدموية، مما قد يؤدي إلى السكتات القلبية، ويُضعف الجهاز المناعي، فيصبح الجسم عرضة للأمراض.
ومن الأضرار الاجتماعية: أنه يسبب الفقر والبطالة، لأن المدمن يفقد قدرته على العمل، ويدمر العلاقات الأسرية، فينشأ النزاع والتفكك الأسري.
ومن الأضرار الدينية: أنه يفسد الدين والأخلاق، ويسقط المروءة، ويذهب الحياء.
الخلاصة
الحشيش خمر العصر، محرّم شرعًا بإجماع الأمة؛ لأنه يندرج ضمن المسكرات والمفترات التي تذهب العقل وتلحق ضررًا بالغًا بالبدن والدين والمجتمع، وتعاطيه يدمر الإنسان الذي كرمه الله، ويفكك الأسرة والمجتمع، ويسقط صاحبه إلى هاوية الفقر والفساد الأخلاقي، والنصوص الشرعية واضحة في تحريمه، فهو من الخبائث التي يجب على المسلمين اجتنابها لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم.