تضفى الأحداث المتصاعدة فى سوريا بعدا إقليميا خاصا على زيارة براك ، ما يعنى التسريع باتخاذ خطوات تضمن استقرار الداخل اللبنانى.
وقد أجرى الموفد الأمريكي محادثات مع المسؤولين اللبنانيين من بينهم الرئيس اللبنانى جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام؛ بالإضافة إلى لقاءات سياسية وروحية ودبلوماسية.
تصدر اللقاء مع الرئيس جوزاف عون برنامج زيارة براك؛ لتلقى رد لبنان الرسمي على الملاحظات التي كان قد وضعها براك على الرد اللبناني على الورقة الأمريكية خلال الزيارة السابقة مطلع يوليو، وتمحورت تلك الملاحظات حول وضع مهل زمنية وتواريخ محددة لانجاز عملية تسليم سلاح حزب الله شمالي الليطاني.
الرد اللبنانى ..
استهل مبعوث ترامب لقاءاته فى بيروت باجتماع مع الرئيس جوزاف عون الذى سلمه رد باسم الدولة اللبنانية، عبارة عن مشروع المذكرة الشاملة لتطبيق ما تعهد به لبنان، منذ إعلان 27 نوفمبر 2024، حتى البيان الوزاري للحكومة، مروراً خصوصاً بخطاب القسم لرئيس الجمهورية.
وكانت اللجنة الرئاسية الثلاثية قد اجتمعت في قصر بعبدا مساء أمس، لوضع اللمسات النهائية على الملاحظات اللبنانية قبل أن يتسلمها براك من جوزاف عون اليوم، متضمنة اشتراط ضمانات الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار في مقابل الاستعداد للبحث بتسليم السلاح والتركيز على نظرية خطوة مقابل خطوة من أجل البدء بجدول تدريجي لسحب السلاح.
واستبعد مراقبون لبنانيون أن تكون زيارة براك الثالثة هي الحاسمة، لافتة إلى أن المشاورات لم تنته بعد، ويعتبر لبنان أن المطلوب أولا تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية على أساس القرار 1701 ، إذ لا يجوز أن يتم تجاوز القرار الدولي والانتقال إلى تطبيق ترتيبات أخرى قبل تنفيذه.
وشدد لبنان على أن تطبيق تل أبيب للاتفاق والقرار 1701 يسهل البحث في حصرية السلاح، مبدية خشيتها من حصول تصعيد إسرائيلي بعد مغادرة براك، في إطار محاولة زيادة الضغوط على لبنان لدفعه إلى التعجيل في سحب سلاح "حزب الله".
وجدد عون تأكيده على أن قرار حصر السلاح فى يد الدولة لا رجوع عنه لأنه أبرز العناوين للسيادة الوطنية، مشددا على أن تطبيقه سيراعى مصلحة الدولة والاستقرار الأمنى فيها، حفاظا على السلم الأهلى من جهة، وعلى الوحدة الوطنية من جهة أخرى.
الرد اللبنانى لا يتضمن أي تنازلات استباقية، بل يؤكد على موقف لبناني ثابت يربط تنفيذ القرار 1701، وأي حديث عن تسليم السلاح، سيكون مرتبطاً بانسحاب إسرائيلي فعلي من النقاط الخمس المحتلة، ووقف الانتهاكات والخروقات المتكررة، بالإضافة إلى تسليم الأسرى وعودة الأهالي إلى بلداتهم الحدودية. وعلى الرغم من أن الرد لا يتضمن مواعيد نهائية، إلا أنه يترك الباب مفتوحاً أمام مسار سياسي مشروط بالتزامات متبادلة.
ويستخدم العدوان الإسرائيلي، كما تفيد مصادر سياسية، كورقة ضغط لصالح الموقف اللبناني، حيث سيبلغ لبنان الرسمي المبعوث الأمريكى أن النموذج السوري، على الرغم من التنازلات التي قدمت فيه، لم يحصن دمشق من الغارات ولا من استمرار الاحتلال، ما يفرض ضرورة الحصول على ضمانات دولية جدية قبل الالتزام بأي خطوات من الجانب اللبناني.
من جانبه، أكد المبعوث الأمريكى، أن واشنطن لا تفكر بفرض عقوبات على لبنان؛لكنها تعتبر حزب الله "منظمة إرهابية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغم أى فرد أو دولة على القيام بأي شيء بل للمساعدة في الوصول إلى الاستقرار .
وشدد على أن مسألة نزع سلاح حزب الله مسألة داخلية للغاية، وشدد براك بعد لقائه رئيس الحكومة نواف سلام في السراي الحكومي على أنه يجب التركيز على لبنان اليوم من أجل إعادة الاستقرار والأمن في المنطقة.
وأضاف براك أن عودته إلى لبنان بسبب الاهتمام الكبير للرئيس دونالد ترامب بهذا البلد وللتأكد من وجود استقرار إقليمي في المنطقة.
موقف حزب الله
بالنسبة لموقف حزب الله فيزداد غموضا ، فـالحزب لا يمكن أن يشعر بالطمأنينة تجاه أي التزام يأتي من الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً في ظل استمرار الغارات على لبنان وسوريا، ومساعي إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة بقوة السلاح في الجنوب السوري.
وقد عبر عن موقفه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذى أكد أن أي تفاوض يجب أن يتم من موقع قوة لا من موقع ضعف. فقاسم، في كلمته الأخيرة، صعد اللهجة، لكنه لم يغلق الباب أمام الاتفاق، مشدداً على ضرورة الحصول على ضمانات أمريكية ملزمة لإسرائيل. واعتبر أن مطلب حصرية السلاح يمثل تهديداً وجودياً لا يمكن التعامل معه خارج إطار استراتيجية دفاعية وطنية تبحث داخلياً، لا عبر ضغوط خارجية.
وبالوقت نفسه يبدى الحزب ـ بين السطور ـ مرونة نسبية في التعامل مع الورقة الأمريكية، إذ لم يمانع مواصلة التفاوض وفق ما أوضح ممثلوه في البرلمان، لكنه شدد على حزمة شروط أساسية قبل الدخول في أي نقاش حول سلاحه ، من بينها وقف الاعتداءات الإسرائيلية، انسحاب تل أبيب من الأراضي المحتلة جنوب لبنان، وتثبيت النقاط الحدودية المتنازع عليها. الحزب يعتبر أن نزع سلاحه دون ضمانات دولية "واقعية" سيُبقي لبنان مكشوفًا أمنيًا، ويطرح تساؤلات حول "من يحمي لبنان في حال تخلي الحزب عن سلاحه؟".
ضغوط أمريكية
وفى ظل الضغوط التى تمارسها واشنطن على حزب الله، أصدر مصرف لبنان قرارًا يمنع المؤسسات المالية المرخصة من التعامل بأي شكل مباشر أو غير مباشر مع مؤسسة "القرض الحسن"، الذراع المالية الأساسية لحزب الله، وتأتي الخطوة المالية في أعقاب تحذيرات أمريكية، آخرها من وزارة الخزانة التي كانت قد فرضت عقوبات على المؤسسة منذ عام 2007، متهمة إياها بأنها "واجهة مالية" يستخدمها الحزب للوصول إلى النظام المالي الدولي. وتشير مصادر لبنانية إلى أن القرار جاء بإيعاز من الجهات الدولية.
يُعد هذا الإجراء من قبل الدولة اللبنانية مؤشرًا على بدء استجابة لبنان للورقة الأمريكية؛ حيث أكدت واشنطن أن تركيزها ينصب على التزام لبنان بمهلة زمنية محددة لسحب سلاح حزب الله، وهو ما أكده الموفد الأمريكي توم باراك خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت حيث شدد على أن واشنطن لا تملك ترف الانتظار حتى موعد الانتخابات النيابية في مايو المقبل.
ووضعت واشنطن قيادات لبنان أمام خيارين إما اتخاذ خطوات ملموسة بملف حصر السلاح بيد الدولة أو الدخول مواجهة تبعات سياسية واقتصادية وربما أمنية لن تُحمد عقباها.
التصعيد الميدانى..
بالتوازى مع الضغوط الأمريكية تواصل تل أبيب ضرباتها على لبنان رغم اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية والذي نص على انسحاب الحزب من جنوب الليطاني وتعزيز وجود القوات اللبنانية والأممية.
فى سياق هجمات الاحتلال شنت مسيرة إسرائيلية، غارة استهدفت منطقة "مطل الجبل" في بلدة الخيام جنوب لبنان، ما أدى إلى استشهاد شخص كان يُجري إصلاحات على سطح منزله.
وفي سياق الاعتداءات المتكررة على لبنان، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، الخميس، استشهاد 4 أشخاص وإصابة آخرين في غارات إسرائيلية استهدفت بلدات قبريخا والكفور والناقورة جنوبي لبنان.
وفي حادث منفصل، شنت مسيرة إسرائيلية غارة على شاحنة في بلدة "الناقورة" جنوبي لبنان. وفجرت قوات الجيش الإسرائيلي منزلا في الأراضي اللبنانية، عقب توغل بري في بلدة "حولا"، قضاء مرجعيون، جنوبي نهر الليطاني.
بالتوازى يعزز الجيش اللبناني، انتشاره في عدد من المناطق من بينها بلدة رميش التابعة لبنت جبيل جنوبي لبنان في مواجهة خروقات الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت قيادة الجيش اللبنانى، إن آليات عسكرية مختلفة تابعة للعدو الإسرائيلي اخترقت السياج التقني ونفذت أعمال تجريف في بلدة رميش - بنت جبيل، في انتهاك فاضح للقرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار.