وسط مشهد يعكس تلاحم القيم الدينية مع الوطنية، استقبلت بعثة حج القرعة التابعة لوزارة الداخلية أفواج الحجاج المصريين فور وصولهم إلى المدينة المنورة، حيث امتزجت مظاهر الفرح بالخشوع، في لحظة ينتظرها المسلمون بشغف طيلة أعوام.
لم يكن استقبال الحجاج في مطار المدينة المنورة عاديًا؛ فقد تعاونت بعثة الداخلية مع الجهات السعودية في تنظيم مراسم استقبال مبهجة، زُينت خلالها صالات الوصول بالورود، وتم توزيع الهدايا التذكارية على الحجاج، وسط أجواء من الترحاب والبشاشة.
وكان الهدف الأسمى من هذه الأجواء الروحانية هو التيسير على الحجاج منذ اللحظة الأولى، وجعلهم يشعرون بأنهم في وطنهم الثاني.
ولم تتوقف مظاهر الحفاوة عند المطار، فقد نُقلت الوفود المصرية إلى مقار إقامتهم في المنطقة الشمالية القريبة من المسجد النبوي، عبر حافلات حديثة مزوّدة بكافة وسائل الراحة.
وقبل الوصول، كانت البعثة قد أتمّت إجراءات التسكين إلكترونيًا داخل الحافلات، حيث أُبلغ كل حاج برقم غرفته ورفاقه، مما اختصر الوقت وخفف العبء عنهم.
عند الفنادق، تكررت مشاهد الترحيب حيث استُقبل الحجاج بنثر الورود والابتهالات الدينية، بينما تسابق أعضاء بعثة وزارة الداخلية من الضباط والضابطات لتقديم يد العون ومساعدة كبار السن والمرضى وتلبية احتياجات الجميع، في مشهد يليق بضيوف الرحمن.
الحجاج أنفسهم أعربوا عن ارتياحهم الشديد وسعادتهم بما لمسوه من تنظيم دقيق وسرعة في الإجراءات، وأشادوا بالخدمات المقدمة من البعثة المصرية التي حرصت على ألا يشعر الحاج بأي مشقة لا لوجستية ولا صحية.
وفي الوقت الذي استقر فيه البعض في المدينة لزيارة المعالم الدينية، بدأت البعثة في تفويج مجموعات أخرى إلى مكة المكرمة بعد الانتهاء من جولاتهم في المساجد والمواقع الإسلامية، وذلك ضمن جدول زمني دقيق ومُنسق.
وقد أوضح مساعد وزير الداخلية ورئيس بعثة الحج أن الوزارة أولت هذا الموسم اهتمامًا استثنائيًا بتحسين مستوى الخدمات، سواء من حيث الإقامة أو الانتقال أو الدعم الطبي، عبر خطة محكمة تبدأ بالإعداد المسبق وتصل إلى تنفيذ لحظي يتابع أدق التفاصيل.
وأوضح أن اختيار الفنادق تم بعناية في المنطقة المركزية بمكة، وفي المنطقة الشمالية من المدينة، لتكون على بُعد دقائق من الحرمين الشريفين.
كما تم تخصيص أسطول من الحافلات المكيفة والمزوّدة بأجهزة تتبع "GPS" لمتابعة حركة البعثة وضمان التزام السائقين بالخطوط المقررة، والتدخل الفوري في حال الخروج عنها.
وفي عرفات ومنى، نسّقت البعثة مع السلطات السعودية للحصول على مواقع متميزة لمخيمات حجاج القرعة، بالقرب من مسجد نمرة وأماكن رمي الجمرات.
وتم تجهيز هذه المخيمات بوسائل الراحة من حمامات حديثة، ومكيفات فريون، ومظلات للوقاية من حرارة الشمس، إضافة إلى اختيار الوجبات الغذائية المقدمة بعناية لتناسب الاحتياجات الصحية والغذائية للحجاج.
وتم تخصيص فرق للإشراف على توزيع الوجبات الجافة في الفنادق، والوجبات الساخنة في المشاعر، بالإضافة إلى التنسيق مع الجانب السعودي لحجز زيارات الروضة الشريفة، ضمن الأعداد المسموح بها لكل بعثة.
وزارة الداخلية حرصت كذلك على تقديم خدمات إرشادية وتنظيمية شاملة، وشددت على ضرورة التزام الحجاج بارتداء بطاقات التعارف، وأساور المعصم، وبطاقات "نسك" التي تُعد المفتاح لعبورهم إلى المشاعر وتنقلهم ضمن الضوابط الأمنية الموضوعة.
وقد ناشدت البعثة الحجاج الالتزام بالتعليمات، خاصة في ما يخص تفادي التعرض المباشر للشمس، وتناول كميات كافية من المياه، والسير في مجموعات برفقة مندوبي الخدمة الميدانية أثناء أداء المناسك، بما يضمن أمنهم وسلامتهم الصحية.
وفي الشق الطبي، كانت العيادات الطبية التي وفرتها وزارة الداخلية حاضرة بقوة، حيث صرّح الدكتور أحمد رزق، مسؤول البعثة الطبية، بأن هناك ثلاث عيادات رئيسية تعمل على مدار 24 ساعة في فنادق "المختار العالمي"، و"دار النعيم"، و"برج المختار"، وتشمل كل واحدة منها طبيبًا وممرضًا وصيدليًا.
ويضم الطاقم الطبي 36 فردًا في المدينة المنورة وحدها، بينما خُصصت 26 عيادة أخرى في مكة المكرمة لتوسيع نطاق الخدمة. وتغطي العيادات كافة الاحتياجات من قياس الضغط والسكر والأكسجين، إلى صرف الأدوية المجانية.
ولم تتوقف الرعاية عند الحالات البسيطة، بل تم التنسيق مع المستشفيات السعودية لنقل الحالات التي تحتاج إلى تدخل جراحي ومن بين هذه الحالات، امرأة مصرية أجرت عملية دقيقة لتركيب شريحة ومسمار في القدم، وقد تكللت العملية بالنجاح وسط متابعة دقيقة من الفريق الطبي المصري والسعودي.
في المجمل، يعكس هذا الموسم من الحج نجاحًا لافتًا في تنسيق الجهود بين مصر والمملكة العربية السعودية، ويجسد نموذجًا مثاليًا في تقديم الرعاية لحجاج بيت الله الحرام، انطلاقًا من الواجب الديني والوطني، وترسيخًا لقيم الخدمة والتيسير في واحدة من أعظم الرحلات الروحية التي يحلم بها كل مسلم.