الجمعة، 09 مايو 2025 08:39 م

الدبلوماسية المصرية تواصل نهجها التوافقى.. زيارة الرئيس السيسي لروسيا تعكس مرونة القاهرة فى التعامل مع مختلف أطراف المعادلة الدولية.. واعتماد محور التنمية كأساس للعلاقة بين البلدين خلق ارتباطا لا يقبل المساومة

الدبلوماسية المصرية تواصل نهجها التوافقى.. زيارة الرئيس السيسي لروسيا تعكس مرونة القاهرة فى التعامل مع مختلف أطراف المعادلة الدولية.. واعتماد محور التنمية كأساس للعلاقة بين البلدين خلق ارتباطا لا يقبل المساومة علم
الجمعة، 09 مايو 2025 10:00 ص
بيشوى رمزى
طفرة كبيرة تشهدها العلاقات المصرية الروسية، وهو ما يعكس المرونة الكبيرة التي تحظى بها الدبلوماسية المصرية، في اطار قدرتها الكبيرة على تحقيق توافقات مع مختلف أطراف المعادلة الدولية، وهو ما يبدو واضحا في التطورات المتزامنة في العلاقة بين القاهرة والعديد من القوى الأوروبية، ناهيك عن الاحتفاظ بالعلاقة مع الولايات المتحدة في العديد من المجالات، ربما أبرزها على السطح في اللحظة الراهنة العمل المشترك نحو الوصول إلى هدنة في غزة بالشراكة مع دولة قطر.
 
تلك الحالة المرنة ساهمت بصورة كبيرة في استقلالية القرار المصري، في لحظة محورية في تاريخ العالم، مع تنامي الصراعات الدولية، والتي استعادت صبغتها الخشنة، في إطار ممتد، وهو ما يبدو واضحا في النزعة التوسعية التي تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو، والتي عمدت توسيع دائرة العدوان من غزة إلى سوريا ولبنان واليمن، ناهيك عن امتداد دائرة الصراع في أوكرانيا، مما يمثل تهديدا صريحا للقارة الأوروبية التي نعمت باستقرار ملموس بحكم ابتعادها عن الصراعات المسلحة لعقود طويلة من الزمن.
 
ولعل الزيارة التي يقوم بها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى موسكو، انعكاسا مهما لإدراك موسكو للاهمية الكبيرة التي تحظى بها القاهرة، في ضوء التنامي الكبير في الدور المصري والذي تجاوز في واقع الأمر مناطقها الجغرافية، عبر تعزيز علاقاتها بالأقطاب الاقليمية الأخرى، ومن بينها روسيا، وهما ما خلق مساحة مؤثرة للدبلوماسية المصرية للقيام بأدوار تتجاوز المرسوم لها من قبل القوى الكبري فيما يتعلق بمختلف القضايا، وفي القلب منها القضية الفلسطينية التي تحظى بمركزيتها في أجندة السياسة الخارجية المصرية.
 
توقيت زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو، في أعقاب لقاءات متواترة، مع قادة فرنسا واليونان ومسؤولي الاتحاد الأوروبي، يعكس قدرة منقطعة النظير على ممارسة سياسة “الهوامش الإيجابية”، أي استثمار مناطق الفراغ بين المحاور المتصارعة لبناء نفوذ مستقل، وذلك خلال عدم الانغماس في تحالفات جامدة، واعتمادها على سياسة الشراكات مع مختلف الأطراف، مما يضفي المزيد من الثقة الدولية في دورها الدولي والاقليمي
 
فلو نظرنا إلى العلاقات المصرية الروسية، نجد ان التنمية هي المحور الرئيسي في العلاقات المصرية الروسية، وهو ما خلق ارتباطًا عضويًا لا يقبل المساومة، حيث تجاوزت العلاقة الثنائية الأطر السياسية التقليدية، لتغوص في عمق مشروعات استراتيجية كبرى تمس صلب الاقتصاد المصري، من بينها مشروع محطة الضبعة النووية، والمنطقة الصناعية الروسية في محور قناة السويس، والتعاون في مجالات الطاقة والنقل والبنية التحتية. هذا التداخل البنيوي لا يعكس فقط عمق الثقة المتبادلة، بل يؤكد أن العلاقة باتت تمثل أحد أعمدة استراتيجية التنمية المصرية، وهو ما يصعّب على أي طرف التخلي عنها دون كلفة سياسية واقتصادية باهظة، وهو النهج الذي تتبناه مع الأطراف الأخرى مما يثري دورها كوسيط ربما غير مباشر.
 
وتبرز الوساطة غير المباشرة كإحدى أبرز أوراق القوة الناعمة التي توظفها الدولة المصرية في علاقاتها الدولية، مستفيدة من شبكة توازناتها الدقيقة. إذ تمتلك القاهرة قدرة ناعمة على نقل الرسائل وتخفيف حدة التصعيد، وخلق مساحات تفاوضية غير تقليدية بين أطراف تبدو على طرفي نقيض في المشهد الدولي، كما هو الحال بين روسيا والغرب. يتجلى ذلك في انخراطها الهادئ في ملفات شديدة التعقيد كأمن الطاقة، واستقرار سلاسل الإمداد الغذائي، بل وحتى في مقاربة الصراع الروسي-الأوكراني من منظور مصالح الجنوب العالمي، الذي تبحث فيه الدول النامية عن شركاء عقلانيين غير منحازين. هذه المكانة المتقدمة لم تكن لتتحقق لولا النهج المستقل الذي اختطته السياسة الخارجية المصرية، وقدرتها على بناء شراكات متنوعة دون الارتهان لأي محور بعينه.

print