مدونة تشريعية ذاخرة شكّلت ملامح مهنة الصحافة ونقابتها العريقة.. رحلة تطور وتحسين وملاحظات وصولا إلى قانون 2018 وأولويات دائمة على رأسها تعزيز الحريات
الصحافة المصرية أسبق من التنظيم، نشأت فى وقت مبكر من القرن التاسع عشر، ومع توسّعها وتداخل أمورها مع الدولة والمجال العام، طرأت الحاجة إلى تنظيمها، وضبطها، وتوفير سياق قانونى قادر على التعاطى معها والتصدّى لتحدياتها، واليوم؛ لا ينفصل تاريخ المهنة وبيتها النقابى عن التاريخ التشريعى، بعد رحلة امتدّت 84 عاما، وشهدت صدور 7 قوانين.
تأسست نقابة الصحفيين فى 31 مارس 1941، بعد كفاح استمر عشرات السنين، ومحاولات عدة تكللت بالنجاح بصدور القانون رقم 10 لسنة 1941.
البداية عام 1912 بتشكيل أول نقابة للصحفيين «تحت التأسيس» على أيدى مجموعة من أصحاب الصحف، وقد انتخبت جمعيتها العمومية « كانيفيه» صاحب جريدة «لا ريفورم» فى الإسكندرية نقيبا، وفارس نمر وأحمد لطفى السيد وكيلين، ولم تستمر طويلا بسبب الحرب العالمية الأولى.
وبعد انتهاء الحرب بدأت أول رابطة للصحفيين على أيدى 5 صحفيين، منهم: داود بركات، اسكندر سلامة، محمد حافظ، وجورج طنوس، وأعلن المؤسسون أن هدفهم السعى لإنشاء نقابة تضم المشتغلين بالمهنة داخل مصر، وفى 27 نوفمبر 1939، تقدم رئيس الوزراء على ماهر باشا بمشروع قانون لإنشاء النقابة إلى مجلس النواب، وقد أُقر فعليا فى 1941 بعد عامين من الجدل .
حددت مواد القانون 10 لسنة 1941 أغراض النقابة فى «العمل على صيانة حقوق الصحفيين وتحديد واجباتهم، تنظيم علاقات الصحافة مع الحكومة والجمهور، جزاء المخالفين لمبادئ المهنة ولوائحها، تسوية المنازعات التى قد تنشأ بين أعضاء النقابة أو بينهم وبين غيرهم، العمل على تحقيق كل مشروع أو عمل من شأنه رفع مستوى الصحافة وإعلاء كرامتها»، وحذرت المادة الثانية على النقابة الاشتغال بأى عمل خارج هذه الأغراض، أما المادة 13 فذكرت على سبيل الحصر اختصاصات مجلس النقابة: «تمثيل النقابة والذود عن حقوقها ومصالحها وكرامتها، إعداد اللائحة الداخلية، وضع وتدوين القواعد الخاصة بمزاولة مهنة الصحافة.. تنفيذ قرارات الجمعية العمومية، إدارة أموال النقابة والإشراف على نظام حساباتها، وتسوية المنازعات وتأديب المخالفين لمبادئ المهنة ولوائحه».
انعقدت أول جمعية عمومية للصحفيين يوم الجمعة 5 ديسمبر سنة 1941 بمحكمة مصر فى باب الخلق، وكان أول خمسة أعضاء تقدموا للنقابة كمؤسسين: محمد مصطفى غيث، حافظ محمود، محمد أحمد الحناوى، مصطفى أمين وصالح البهنساوى، وبلغ الأعضاء المؤسسون لنقابة الصحفيين قرابة 100 عضو.
حضر فى أول جمعية عمومية 110 من إجمالى 120 هم كل أعضاء النقابة فى السنة الأولى، وهى الجمعية التى انتخبت مجلس النقابة الأول، وتكون من 12 عضوا: ستة يمثلون أصحاب الصحف وستة من رؤساء التحرير والمحررين، وهم: محمود أبو الفتح نقيبا، إبراهيم عبد القادر المازنى وكيلا، محمد عبد القادر حمزة وكيلا، حافظ محمود سكرتيرا عاما، محمد خالد أمينا للصندوق، وعضوية جلال الدين الحمامصى وجبرائيل تقلا باشا وفكرى أباظة وأحمد قاسم جودة ومصطفى أمين ومصطفى القشاشى وأنطون الجميل.
وكان أول مقر لنقابة الصحفيين شقة محمود أبو الفتح فى عمارة الإيموبيليا الشهيرة، وقد تنازل عنها لصالح النقابة، وعندما حان موعد أول جمعية عمومية عادية عام 1942، وجد مجلس النقابة أن الصحفيين فى أشد الحاجة إلى مكان أكثر اتساعا، فاهتدى لقاعة نقابة المحامين الكبرى، ولفت نظرهم وقتها قطعة الأرض المجاورة، وكانت عليها مجموعة خيام، وهى التي خُصصت للنقابة لاحقا وصارت مقرها الحالى.
ظلت أغراض تأسيس النقابة واختصاصات مجلسها محصورة فيما ورد فى القانون الأول، ولم تخرج التعديلات التى طرأت على القانون رقم 185 الصادر فى 31 مارس 1955، أو القانون 76 لسنة 1970، عن مضمون وروح تلك الأهداف، وإن كانت النسخة الأخيرة تحدثت صراحة عن عمل النقابة على ضمان حرية الصحفيين فى أداء رسالتهم.
وحدد قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980، الذى جاء فى 56 مادة أبرزها الثلاث الأولى، وقد حددت أن الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها بحرية فى خدمة المجتمع، تعبيرا عن اتجاهات الرأى العام وإسهاما فى تكوينه وتوجيهه بمختلف وسائل التعبير فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين.
قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 صدر فى 30 يونيو مكونا من 81 مادة، وأكد أن الصحافة سلطة شعبية تمارس رسالتها بحرية مسؤولة فى خدمة المجتمع تعبيرا عن مختلف اتجاهات الرأى، وإسهامها فى تكوينه وتوجيهه من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء. وكانت إضافته بجانب الصحافة القومية المملوكة للدولة، والصحافة الحزبية، استحداث الصحافة الخاصة.
عقب ذلك، جاء القانون رقم 92 لسنة 2016، باسم التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، وقد ألغى القانون رقم 13 لسنة 1979 بشأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون، والباب الرابع من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، وبذلك يستمر العمل بباقى مواد القانون من حيث تنظيم العلاقة بين الصحف والهيئة الوطنية للصحافة، وطريقة إدارة المؤسسات الصحفية القومية.
حرص قانون التنظيم المؤسسى عند تعريف الهيئات الثلاث على وصفها بهيئات مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومقرها القاهرة، ولا يجوز التدخل فى أعمالها، ثم فَصّل مهام وتشكيل كل هيئة على حدة فى باب مستقل. ووفقا للمادة الثانية فإن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتولى تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئى والرقمى والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها.
وينص القانون على أن المجلس يتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى فى ممارسة اختصاصاته ولا يجوز التدخل فى شؤونه، وفصّلت المادة الثالثة أهداف المجلس الأعلى على نحو يضمن حماية حق المواطن فى التمتع بإعلام وصحافة حرة ونزيهة بما يتوافق مع الهوية الثقافية المصرية، وضمان استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية وحيادها وتعددها وتنوعها، وضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بمعايير وأصول المهنة وأخلاقياتها، وبمقتضيات الأمن القومى، والعمل على وصول الخدمات الصحفية والإعلامية لجميع مناطق الجمهورية بشكل عادل. ومنع الممارسات الاحتكارية، وضمان سلامة مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية والصحفية.
أما آخر القوانين المنظمة للصحافة، فهو القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقد ألغى القانون 96 لسنة 1996، والقانون 92 لسنة 2016، وحدّد سريان أحكامه على جميع الكيانات والمؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية، ويستثنى منها الموقع أو الوسيلة أو الحساب الإلكترونى الشخصى؛ ما لم ينص على خلاف ذلك.
كما نص على أن تخضع العلاقة بين العاملين بالصحف ووسائل الإعلام وجهات العمل لعقد يحدد نوع العمل، ومكانه، والمرتب وملحقاته، والمزايا التكميلية، والترقيات والتعويضات، بما لا يتعارض مع عقد العمل الجماعى حال وجوده، ولا تسرى العقود إلا بعد تصديق النقابة المعنية، وتسرى أحكام قانون العمل فيما لم يرد بشأنه نص خاص فيها، كما نص على أنه لا يجوز فصل الصحفى أو الإعلامى من عمله إلا بعد التحقيق معه، وإخطار النقابة المعنية بمبررات الفصل، وانقضاء ستين يوما من تاريخ الإخطار، تقوم خلالها النقابة بالتوفيق بينه وبين جهة عمله؛ فإذا استنفدت النقابة مرحلة التوفيق دون نجاح، تُطبّق الأحكام الواردة فى قانون العمل.
رحلة طويلة قطعتها نقابة الصحفيين، منذ كانت حلمًا بعيدًا، ثم فكرة فى أذهان مؤسسيها، وإلى أن تجسّدت بالشراكة مع الدولة، وخاضت مسيرتها الطويلة فى حراسة الصحافة والدفاع عن المشتغلين بها، وفى حوار مستمر وجدل خلّاق مع محيطها، أضاف للحياة العامة، وعزّز قوّة الوطن الناعمة، وأضاف لرصيد مصر وعُمقها الحضارى والثقافى، وما زال يُضيف بلا انقطاع.