الإثنين، 29 أبريل 2024 02:36 م

مدفع الإعلانات الرمضانية اضرب.. استغلال الأطفال في إعلانات رمضان بين اتجار بالبشر واستدامة الخير.. قانونيون: جريمة عقوبتها السجن والغرامة.. وخبراء: التبرعات أمر إنسانى بشرط احترام حقوق الطفل

مدفع الإعلانات الرمضانية اضرب.. استغلال الأطفال في إعلانات رمضان بين اتجار بالبشر واستدامة الخير.. قانونيون: جريمة عقوبتها السجن والغرامة.. وخبراء: التبرعات أمر إنسانى بشرط احترام حقوق الطفل إعلانات تبرعات رمضان - برلمانى
الإثنين، 11 مارس 2024 10:00 م
كتب علاء رضوان

مع حلول شهر رمضان تبدأ عملية بث الإعلانات الدعائية بكثافة سواء على شاشات التلفزيون أو عبر الصحف والمجلات، وكذا منصات السوشيال ميديا، مستغلين الشهر الكريم والروحانيات التي تتنزل في مثل هذه الأيام المباركات، ذلك إلى جانب الأعمال الدرامية والبرامج التلفزيونية، حيث يشهد شهر رمضان تنافسا كبيرا على صعيد الإعلانات، يلقى بعضها استحسان الجمهور ويعلق بأذهان المشاهدين، بينما يثير جزء آخر منها سخط المشاهدين وغضبهم نتيجة ما وصفوه بـ "إعلانات تبرعات رمضان".

 

وفى الحقيقة تلك هي عادة كل عام، فبمجرد اقتراب ظهور هلال الشهر المعظم إلا وينطلق معه مدفع الإعلانات بعدد ضخم من الحملات الإعلانية التي تدعو أهل الخيرات إلى التبرع سواء لإنقاذ حياة مريض أو مساعدة أرملة أو معاق وغيرهم من ذوى الهمم، وغيرها من الإعلانات التي تتضمن ايحاءات جنسية وألفاظ خادشة للحياء مثل إعلانات الملابس الداخلية وألبان الأطفال، وفى مثل هذه الإعلانات يتم استغلال أطفال لترويج منتجات أو لخلق تعاطف تجاه مؤسسة أو جمعية ما، وفى خلال 30 يوماً يرى ملايين المصريين مشاهد قاسية لأطفال يروون تجاربهم مع المرض، أو غيرها من المشاهد. 

 

4

 

إعلانات تبرعات رمضان بين جريمة الإتجار بالبشر واستدامة أعمال الخير

 

في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية إعلانات تبرعات رمضان بين جريمة الإتجار بالبشر واستدامة أعمال الخير، وذلك في الوقت الذى يثور فيه العديد من التساؤلات بظهور الأطفال الصغار في الإعلانات، والذى يصفه السواد الأعظم من القانونيون والدستوريين في المجتمع أن عرض الأطفال بالإعلانات بهذا الشكل على شاشات التليفزيون جريمة يعاقب عليها القانون ويجرّمها الدستور، ووسيلة رخيصة لجمع الأموال، ويكون الأمر مثير للانتباه والجدل بعد اعتماد معظم هذه الإعلانات من قبل نجوم الرياضة والفن، ما يؤدى إلى استفزاز العديد من المشاهدين أحياناَ.

 

التبرعات أمر إنساني

 

وفى هذا الشأن – يقول محمود البدوي المحامي بالنقض والدستورية العليا والخبير الحقوقي، أن فكرة تقديم المساعدات للمحتاجين سواء من غير القادرين على الكسب بناء على عجز أو إعاقة أو حتى للاجئين وكذا للمحتاجين من المرضي المعوزين والغير قدرين على الوفاء بمقابل التكاليف الخاصة بالجراحات أو العلاج هو آمر إنساني ويتوافق مع المبادئ الأخلاقية أو المعايير الاجتماعية التي تصف نموذجاً للسلوك البشري الذي يفُهم عموما بأنه حقوق أساسية لا يجوز المس بها مستحقة وأصيلة لكل شخص لمجرد كونها أو كونه إنسان وهو ما عبرت عنه بشكل لا يخالجه شك كافة المواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والتي أكدت على مفاهيم التكافل بين البشر جميعاَ.

 

77

 

ولكن للأسف الشديد – وفقا لـ"البدوى" فى تصريح لـ"برلماني"- بات هذا الحق مهدد بمواسم السبوبة واستجداء العطف والمتاجرة بألآم بعد المحتاجين أو المرضي أو أصحاب العاهات من جانب بعض الكيانات التي تجيد العزف على وتر حب الإنفاق والصدقات ومواسم الزكاة وفي مقدمتها شهر رمضان المبارك، وهو ما يتم ترجمته في صورة حملات إعلانية ضخمة تتكلف ملايين الجنيهات لحث الناس على اخراج صدقاتهم لتلك الجهة دون غيرها، ولا يمنع الآمر من استقدام نجم مشهور يتكلف ظهوره بتلك الحملة مئات الألاف من الجنيهات أيضاً للمشاركة بالحملة لتشجيع الناس على التبرع، ويُعد شهر رمضان موسما مثاليا لهذه التجارة، حيث تكثر الإعلانات القائمة على استخدام الأطفال من أجل الابتزاز العاطفى، ويتأثر المشاهد عاطفيًا بطريقة كبيرة عندما يرى طفل يبكى على الشاشة، أو طفل محروم من متعة معينة، أو مقارنة بين أطفال فقراء وغيرهم سعداء أغنياء.

 

غياب المعايير يؤكد الإتجار بالبشر

 

وهو ما نري معه أنه تحل لتجارة رائجة لها مواسم معلومة سلفاً، فتلك الأموال الطائلة الخاصة بالحملات التلفزيونية وعبر كافة الوسائل المسموعة والمقروءة أيضاً كانت ستكون أفضل لو تم توجيهها إلي دعم المرضي والمحتاجين، بدلاً من إهدارها عمداً في شكل مادة إعلانية تستعطف الناس من ناحية، ومن ناحية أخري تتاجر عمداً بألآم واحزان المرضي وأصحاب الحاجة والمعوزين بل وتتجاوز هذا إلي حد المسائلة القانونية التي تتحقق حال استغلال أطفال مرضي أو أيتام أو محتاجين أو نزلاء دور أيتام في تحقيق هذا الكسب، وهو الأمر المؤثم بمقتضي نصوص قانون مكافحة الإتجار بالبشر رقم 64 لسنة 2010، وبخاصة المواد 2 و 3 من القانون، والذي غلظ العقوبات وفقاً للمادة 6 فقرة 6 في حالة ما إذا كان المجنى عليه طفلاً أو من عديمي الأهلية أو من ذوى الإعاقة، ليعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه، كما أن نصوص التجريم الخاصة بحالة الاستغلال وفقاً لهذا القانون لا تواجه الافراد فقط بل انها تطال الأشخاص الاعتبارية كالمؤسسات والجمعيات ودور الأيتام وذلك وفقاً لصحيح نص المواد 10 و 11 و 12 من القانون – هكذا يقول "البدوى". 

 

م

محمود البدوي المحامي بالنقض والدستورية العليا والخبير الحقوقي 

 

غضب الأهالي في المحافظات المتخلفة من هذه الإعلانات

 

واتفق المحامي ناصر ربيع، الخبير القانوني والمحامى بالنقض، مع "البدوى" فى الرأى مؤكداَ أنه تلاحظ فى الآونة الأخيرة وخصوصا مع اقتراب شهر رمضان المبارك العديد من الإعلانات عبر الفضائيات التي تدور معظمها – على سبيل المثال لا الحصر - حول فحوي واحدة بكل الإعلانات وهي "أتبرع بكرتونة  ثمنها كذا...."، الأمر الذي يثير غضب الكثيرين من أهالي الصعيد كون ذلك يعد إهانة، وردد قائلاَ: "أنا واحداً من أبناء الصعيد ومعي الكثير الغير راضي عن مثل هذه الإعلانات التي تطفح على السطح في مثل تلك المناسبات"، ولابد من التنويه إلى أن كثيرا من القنوات التليفزيونية لا يهمها المجتمع، إلا بكونه مستهلكا، يدر الربح لتلك الفضائيات وللشركات المنتجة للبضائع والأطعمة والألعاب. ويقع الطفل فريسة سهلة فى أيدى تلك الفضائيات التليفزيونية من خلال الإعلانات الموجهة للطفل مباشرة. 

 

وبحسب "ربيع" في تصريحات خاصة – كما أن الإعلانات التي يظهر فيها الأطفال لجمع التبرعات جريمة نص عليها القانون رقم 126 لسنة 2008 وتصل عقوبتها فيها إلى الحبس لمدة 5 سنوات ولا يعتد بموافقة الطفل أو أسرته، كما أن الدستور جرم أى استغلال للأطفال مهما كان الغرض المعلن، كما حظر القانون نشر صور الطفل أو أى بيانات له حال عرض أمره على الجهات المختصة كوزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها، وفى حال مخالفة هذا تعاقب الجهة التى نشرت الصور بغرامة تحددها النيابة العامة أو المحكمة، كما أن انتشار ظاهرة استغلال الأطفال فى الإعلانات فى الفترة الأخيرة يؤكد وجود نية مبيتة لهذا الأمر وهو ما تكتمل به جريمة الاستغلال.

 

حححؤ

 

دور جهاز حماية المستهلك

 

وأما عن دور جهاز حماية المستهلك في مثل هذه الوقائع – يُجيب "ربيع": حال تبين مخالفة أيا من هذه الإعلانات سواء المتعلقة باستغلال الأطفال أو المتعلقة ببث ألفاظ ومشاهد خادشة للحياء لنص المادة الثانية من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006، والتي تؤكد علي حق المستهلك في الكرامة الشخصية واحترام القيم الدينية وللعادات والتقاليد المجتمعية، فضلا عن أن هذه الإعلانات تمثل خرقا صارخا لنص المادة 6/1 من المواصفة القياسية لاشتراطات الإعلان عن السلع والخدمات رقم 4841-2005، والتي تنص علي ضرورة التزام الإعلان بالأخلاقيات والذوق العام ، وعدم تضمينه أية عناصر من شأنها الحط من الكرامة الإنسانية أو الإساءة للآداب العامة .

 

 

ونوه الخبير القانوني: أن مثل هذه الإعلانات تخالف نص الفقرة 4/8/1 من المواصفة القياسية للاشتراطات الواجب توافرها في الإعلانات الموجهة للأطفال رقم 5008، والتي تنص على عدم تشجيع الإعلان علي عادات الأكل والشرب غير الصحية، وفى هذه الحالة جهاز حماية المستهلك ينذر الشركات المخالفة لإيقاف الاعلانات خلال 24 ساعة كمهلة لتنفيذ القرار وتوفيق أوضاعها، وفي حالة عدم الالتزام، يتم إحالة الأمر للنيابة العامة لاتخاذ شئونها تجاههم، تطبيقًا لنص المواد "1، 19، 24" من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006. 

 

1

 

المحامي ناصر ربيع، الخبير القانوني والمحامى بالنقض 

 

قوانين تحترم حقوق الطفل

 

وفى سياق أخر – تقول الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم - كل ذلك يحدث ونرى أكثر من مائة إعلان فى اليوم الواحد تستخدم الأطفال كنوع من الأساليب الدعائية، ونرى أن استخدام الأطفال وهم فى حالة المرض بشكل صريح وواضح يظهر ملامحهم وبيانات شخصية عنهم وعن ظروفهم الاجتماعية هو أمر غير أخلاقي وغير إنساني أيضا، لا يختلف كثيرا عن المتسولين فى الشوارع الذين يستخدمون الأطفال، ذلك على الرغم من الترسانة القانونية العظيمة التي تحمى الأطفال من هذا الاستغلال، فنجد مثلا المادة 291 من قانون العقوبات والتي تنص على أنه: يحظر كل مساس بحق الطفل فى الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي أو استخدامه في الأبحاث والتجارب العلمية ويكون للطفل الحق فى توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر، ومن ناحية ثانية تجد أن قانون الطفل يمنع أى استغلال للأطفال مهما كان الغرض المعلن.

 

وتضيف "سالم" في تصريحات صحفيه: كما حظر القانون نشر صور الطفل أو أي بيانات له حال عرض أمره على الجهات المختصة كوزارة الصحة والمستشفيات التابعة لها، وفى حال مخالفة هذا تعاقب الجهة التي نشرت الصور بغرامة تحددها النيابة العامة أو المحكمة، فيكفي أن نشير إلى ما جاء بالقانون رقم 126 لسنة 2008، والذي يضمن للطفل كحد أدنى من الحماية من الاستغلال الحقوق الواردة فى اتفاقية حقوق الطفل، وعلى رأس كل هذه النصوص يجب الإشارة إلى الدستور المصري، والذي يشكل رأس المنظومة القانونية، وقد أولى عناية لحقوق الأطفال وخصوصا في حالة التعرض للخطر، ولكن بعيدا عن الناحية النصية، تجد هناك استغلالا فى المواد الإعلانية والدعائية للأطفال، حتى ولو كان ذلك بأجر، إذ إن تشغيل الأطفال يجب أن يكون وفقا لما جاء النص عليه فى قانون الطفل، وبما يتناسب مع حالتهم الصحية ومرحلتهم العمرية، وما عدا ذلك يشكل جريمة تعريض الطفل للخطر.

 

610995-سالم

الخبير القانوني والمحامية رحاب سالم 

 

التصدى للظاهرة بشكل علمى

 

فيما يرى مراقبون إن مسألة التكافل الاجتماعي تُعد من الناحية الإنسانية مطلباَ مهماَ فى ذاته، وأن قطاع كبير من المصريون ينفردون بشيوع هذه الظاهرة وتحديدا فى شهر رمضان استنادا للطاقة الروحية التي يبثها الشهر الكريم فى نفوس المسلمين، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى دفعهم لتقديم المساعدات المالية للمحتاجين سواء للظروف الصحية والفقر والجهل والمرض وهو أمر جيد ولكن يجب أن يكون على مدار العام وليس شهر رمضان فقط، وكذا مع ضرورة وضع معايير مهنية لتلك الإعلانات التي تعرض الناس والمحتاجين أحياناَ للإهانة أو الإحراج أحياناَ أخرى، لأنها تضع المحتاجين كمتسولين، فلابد من الرقابة المستمرة على هذه الإعلانات والجمعيات الأهلية المسئولة عنها.

 

 

الإعلانات الخيرية – طبقا لـ"المراقبون" - موجودة في العديد من دول العالم المُتقدمة إلا أنها فى حقيقة الأمر تُقدم بطريقة مهنية فى الخارج وأكثر احترافية، وذلك مع مُراعاة للمعايير المِهنية، وذلك على اعتبار أن العمل الخيري مسألة إنسانية إلا أنه أيضًا صناعة يجب اتقانها، لذلك لا يُمكن استدامة أعمال الخير دون وجود إعلانات لكونها تضمن تدفق الموارد المناسبة لدوام هذا النوع من العمل حيث أن هذه الإعلانات تُظهرُ قدرًا من عجز المجتمع ككل وتراجع قدرته على حل مشكلات اجتماعية وتنموية معينة، فضلاَ عن أن هناك استشعارًا كبيراَ لدى أوساط في المجتمع بأن هذه الإعلانات لا تخدم بالمرة صورة جهود التنمية، بينما تنقل وتقدم شكلا من الأشكال غير الحضارية لمعيشة بعض الطبقات الفقيرة.   

 

2

 

طريقة احترافية للإعلانات الخيرية

 

يشار إلى إن المواد الإعلانية التى تعتمد على الطفل، بلا شك تترك تأثيرا سلبيا على هذا الطفل وغيره ممن هم فى مثل سنه، الأمر الذى يعتبر غير مقبول إنسانيا، سواء كانت الغاية الحصول على التبرعات أو الترويج لمنشأة أو خدمة أو سلعة ما، كما أنه يجب أن يتوافق بشكل مبدئى مع الأساسيات العلمية فى الإعلانات التجارية، وما يجب أن تكون عليه وفقا للأسس والمناهج العلمية الإعلامية والإعلانية، والتى يجب أن تكون تحت رقابة وعين وبصيرة المسئولين عن رقابة المصنفات، كما يجب وبشكل مبدئى أن تتوافق مع الآلية القانونية أو المعيارية لكيفية تشغيل الأطفال، لأن المادة المقدمة نوع من العمل، كما يجب أن تكون بعيدة عن التأثير السلبى على الطفل المُلقى أو المتلقى، وذلك حتى لا تشكل جريمة تعريض الطفل للخطر، ولكن هنا يجب أن يكون للجان حماية الطفل الموجودة داخل كل محافظة دور فاعل نحو حماية الأطفال من هذه المؤثرات.  

 
رر
 

 

 

الأكثر قراءة



print