الخميس، 16 مايو 2024 10:37 م

"الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين".. شهادات حية من "غزة" تكشف بشاعة الاحتلال وإجرامه بحق الصحفيين.. الاستهداف المباشر والجوع وصعوبة التنقل وفقد العائلة أبرز الانتهاكات

"الأكثر دموية في تاريخ الصحفيين".. شهادات حية من "غزة" تكشف بشاعة الاحتلال وإجرامه بحق الصحفيين.. الاستهداف المباشر والجوع وصعوبة التنقل وفقد العائلة أبرز الانتهاكات صورة أرشيفية - صحفيين بغزة
الجمعة، 16 فبراير 2024 08:00 م

"كنت ذاهبا لتغطية إحدى عمليات استهداف الاحتلال لعدد من المنازل وتصوير تقرير صحفي ليستهدفنا الاحتلال عبر طائرة مسيرة أنا وزميلى، طلبنا سيارة الإسعاف التى جاءت لنا لتنقلها لإحدى المستشفيات في مدينة رفح الفلسطينية، الاحتلال لم يكتف بذلك، بل واصل تتعبنا وقصف سيارة زملائنا التي كانت خلف سيارة الإسعاف، ليستشهد على الفور كل من الصحفيان حمزة الدحدوح ومصطفى الثريا، وتتوقف سيارة الإسعاف التى لم نستطع الخروج منها ونضطر لكسر نافذة السيارة كي نستطيع الهرب من هذا القصف"، هذه ببساطة قصة الصحفى الفلسطيني "عامر أبو عمرو"، الذي ساقته الصدفة فقط لرؤية زملائه الشهداء، واللذان كانا يصوران أيضا تقريرا صحفيا في ذات الوقت الذي كان يصور فيه هو أيضا تقريرا في نفس المكان، "عامر" أصيب مؤخرا بشظايا في جسده بسبب استهداف الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين في كل مكان بقطاع غزة منذ بداية العدوان الغاشم في 7 أكتوبر الماضي.

 

وفقا لأخر تحديث صدر عن المكتب الإعلامى الحكومى في غزة، فإن الاحتلال قتل حتى الآن أكثر من 126 صحفيا ، بجانب اعتقال 10 صحفيين حتى الآن، وهو ما يجعل هذا الرقم هو الأعلى من حيث استهداف الصحفيين على مر تاريخ الحروب والنزاعات، خاصة عندما نعلم أن هناك 69 صحفيا فقط قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية والتي استمرت 6 سنوات، من 1939 حتى 1945 وتعد الأكثر دموية في تاريخ كوكب الأرض، ومعرفة ضخامة هذا العدد ن الشهداء الصحفيين، يكفى معرفة أن عدد الصحفيين الفلسطينيين الشهداء منذ عام 2000 وحتى قبل 7 أكتوبر 2023 بلغ 55 صحفيا، كما أن الاتحاد الدولي للصحفيين أكد مقتل 94 صحفيًا وعاملا إعلاميًا، بينهم 9 صحفيات، طوال عام 2023، ولكن خلال عدوان الاحتلال على غزة فقط استشهد 124 فلسطينيا حتى الآن، والأعداد مرشحة للزيادة خاصة في ظل وجود آلاف المفقودين تحت الأنقاض.

تواصلنا مع "عامر أبو عمرو" الصحفى الفلسطيني، والذي واجه الموت عدة مرات في غزة خلال عمله، حيث أكد أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين من خلال إما القصف الصاروخي أو عبر قناصته المتمركزة في المباني أو آلياته العسكرية، أو عن طريق الطائرات المسيرة.

ويضيف من غزة، أن الصعوبات التى يواجهها الصحفي الفلسطيني خلال عمله هي عدم المقدرة على توثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال من خلال منع الطواقم الصحفية من التغطية من قبل الجيش الإسرائيلي لأن الاحتلال يخشى من فضح جرائمه لعدم فضح ما يقوم به من مجازر يرتكبها بحق جميع مكونات المجتمع الفلسطيني، أيضا صعوبات خاصة بالمعدات اللازمة لعملنا الصحفي من خلال منع الاحتلال إدخال المعدات اللازمة للعمل الصحفي، خاصة أن معداتنا أصبحت متهالكة من كاميرات وأجهزة الصوت وحتى أجهزة الإرسال، متابعا :"نحن أصبحنا نغطي ما يحدث عبر هواتفنا الذكية وهذا يعيق عملنا الصحفي ويصعب علينا توثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق المدنيين".

 

وبشأن ما إذا قد فقد أحد من عائلاته أو أصدقائه خلال العدوان يقول "عامر أبو عمرو":" بالتأكيد فنحن في كل مهمة نقوم بها لتوثيق انتهاكات الاحتلال نقوم بتوديع أهلنا وزملائنا لأننا يمكن في لحظة أن نكون نحن الخبر الصورة بدل أن ننقل الصورة فالعشرات من زملائنا قضوا شهداء وأنا شخصيا فقدت زميلين استشهدوا حيث كنت متواجد معهم وأصبت بعدة شظايا وأربعة من الزملاء أثناء تغطيتنا لمجزرة بحق عائلة أبو النجا جنوب شرق مدينة خان يونس، أيضا فقدت اثنين من زملائي في الوسيلة الإعلامية التي أعمل بها في بداية الحرب على غزة حتى وصل بنا الحالة لفقدان أكثر من 125 شهيدا صحفيا".

 

ويتابع :"لم نتوقع في يوم من الأيام حجم الاستهداف للمجموع الصحفي في قطاع غزة، إن ما يقوم به الاحتلال الصهيوني باستهداف الصحفيين يعتبر الأكبر على مستوى الحروب السابقة بسبب فظاعة ما يقوم به الجيش الاسرائيلي بارتكاب مجازر بحق المدنيين والمجموع الصحفي، ومعظم الصحفيين فقدوا منازلهم وأنا واحد منهم فقدت منزلي ومنازل العائلة بشكل كامل".

 

وحول كيفية تقديم الرسالة الإعلامية في ظل هذه الجرائم التي ترتكب ضد الصحفيين، يضيف عامر أبو عمر :"في ظل الاستهداف المتواصل بحق المدنيين في قطاع غزة، نجد أنفسنا مجبرين لنقل الرسالة للعالم الخارجي حتى يرى حجمة الدمار والانتهاكات الفظيعة بحق الشجر والحجر والبشر، نعمل بأقل الإمكانات حتى وصل بنا الحال لاستخدام الهواتف الذكية لتوثيق ما يقوم به الاحتلال ولكن نجد صعوبة بالغة في انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع الاتصالات وشبكات الإنترنت، ولكن نحن باقون في مهمتنا الإنسانية والأخلاقية في نقل الرسالة للعالم".

 

الصحفيون محميون بقوة القانون الدولى، حيث إن قرار رقم 1738 لمجلس الأمن الدولي أكد إدانة الهجمات المتعمدة ضد الصحفيين وموظفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النزاعات المسلحة، بجانب نصه على اعتبار الصحفيين والمراسلين المستقلين مدنيين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصفة، ومساواة سلامة وأمن الصحفيين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلحة بحماية المدنيين هناك، بجانب اعتبار المنشآت والمعدات الخاصة بوسائل الإعلام أعيانا مدنية لا يجوز أن تكون هدفا لأي هجمات أو أعمال انتقامية، واعتبرت لجنة الأمم المتحدة بشأن الحقيقة في السلفادور أن قتل أربعة صحفيين هولنديين، كانوا برفقة أعضاء من جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني، والذين سقطوا في كمين لدورية من القوات المسلحة السلفادورية، هو انتهاك للقانون الدولي الإنساني الذي يشترط ألا يكون المدنيون محلا للهجوم، كما ذكرت البرازيل، في عام 1971، وألمانيا في عام 1973، أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة أن الصحفيين محميون كمدنيين، عملاً بمبدأ التمييز.

 

 

شهادة أخرى هذه المرة يكشفها الصحفى الفلسطيني يحيى اليعقوبي، الذي يغطي الأحداث في فزة، حيث يؤكد أن الاحتلال الفلسطيني يستهدف الصحفيين في كل مكان، سواء في مكان عمله وفي بيته وأثناء التغطية أيضا، وحال شاهد الاحتلال عبر طائرات المراقبة التي  جول وتحوم في كافة أنحاء قطاع غزة والصحفى الفلسطيني يوثق لحظات قصف المنازل فيقوم الاحتلال بقصف الصحفى حينها، وهذا حدث في عشرات الحالات الذين استشهدوا بهذه الطريقة.

ويضيف يحيى اليعقوبي، أن هناك طريقة أخرى وهي الاستهداف المباشر، حيث هناك عشرات الصحفيين الذين استشهدوا بشكل مباشر في منازلهم مع أسرتهم من الاحتلال في قطاع غزة ، خاصة من يترأسون مؤسسات  صحفية ، فالعديد من الزملاء الصحفيين استشهدوا مع عائلاتهم خلال القصف العشوائي للمواطنين والذي يطال الطبب والصحفى والمهندس وغيرهم من المهن والفئات، وكذلك هناك اعتقال مباشر للصحفيين خلال نقاط التمركز بين المحافظات في قطاع غزة ، حيث خلال لحظات النزوح يتم توقيف الصحفيين فيعتقل الاحتلال من يريد اعتقالهم، خاصة الصحفيين الذين يكتبون عن نجاحات المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال.

 

ويوضح أن الصعوبات التي تواجه عمل الصحفى في غزة كثيرة للغاية ، فربما هذه الحرب الأصعب التي تواجه الإعلام الفلسطيني ، حيث كل الإذاعات المحلية أغلقت وتوقف بثها، وتم وقف البث المرئى ووسائل الإعلام المحلية أصبحت معطلة بشكل شبه كامل وأصابها الشلل ، وكل الصحفيين الفلسطينيين في القطاع لم يعد قادرين على العمل مثلما كانوا في الحروب السابقة، كما أن الإمكانيات غير متوافرة فالإنترنت مقطوع داخل القطاع وكذلك الاتصالات، وعمليات التنقل صعبة للغاية ، وقلة قليلة من الصحفيين هي التي بقيت تعمل وتعمل في أماكن محددة فقط في المستشفيات كي يتمكنون من تصوير الأماكن التي يتنقلون إليها .

 

ويشير يحيى اليعقوبي إلى أن هناك صعوبة كبيرة في التنقل لأن الوقود غير متوفر وإذا توفر فسعره أضعاف مضاعفة من الأسعار السابقة، بجانب صعوبة التصوير وعدم توافر الكهرباء كلها تحديات ومعوقات، فالصحفى الفلسطيني إنسان ينشغل في تدبير احتياجات أسرته ليومية من خبر وهذه معاناة شديدة للغاية بجانب توفير المياه الصالحة للشرب فنضطر لشرب المياه المالحة التي تستخدم للأعمال المنزلية.

 

ويؤكد أن الصحفيين الآن يتواجدون في خيام ، وأغلبيتهم يتواجدون في خيم بمستشفى ناصر في خان يونس بجانب مستشفى شهداء الأقصى في المحافظة الوسطي والمستشفى الكويتى بمحافظة رفح والصعوبات لا يمكن حصرها وهي كبيرة للغاية ، لافتا إلى أن استهداف هذا العدوان للصحفيين الفلسطينيين في غزة هو الأكبر في تاريخ حروب العالم ويعادل مافقده العالم من الصحفيين خلال العامين الماضيين، متابعا :"لم يسبق في تاريخ نزاع مسلح أن انتهكت حرية الصحافة والإعلام بهذا الشكل الخطير، حيث يتم استهداف الصحفى لأنه فقط ينقل الصورة ، والصحفى الذي يرتدى الخوذة والدرع مفترض أنها علامة تحميه في القانون الدولي ولكن هذا القانون في تلك الحرب أصبح حبرا على ورق بسبب انتهاكات الاحتلال، فأصبحت تلك العلامة التي تحميه خطرا عليه، وأصبح الصحفى يلقى بالخوذة والدرع خوفا من استهدافه وانقلبت الآية وأصبح الكل يخاف على نفسه".

 

ويضيف يحيى اليعقوبي، أن الصحفيين الذين فقدوا عائلاتهم بالعشرات وبالمئات الذين فقدوا منازلهم وتوجهوا بعيدا عن منازلهم، ومجمع الإعلام الفلسطيني تعرض لشلل كامل ولأول مرة يحدث هذا الشلل وأثر بشكل كبير على نقل الصورة، ولكن  رغم ذلك يحاول النشطاء والمواطنون والصحفيون نقل الصورة والكلمة بكل ما يملكون ويخطرون بحياتهم وهناك صحفيين لم يعودوا إلى منازلهم منذ أكثر من 4 أشهر، حيث يمكثون في أماكن الأحداث، متابعا :"أداء الرسالة الإعلامية واجب على الصحفي الفلسطيني كما الطبيب، حيث نؤدى رسالتنا وننقلها إلى العالم وننقل الحقيقة لأنه إذا انعدمت الصورة فمن سيعلم بالحدث ومن سيصدق الرواية الفلسطينية، فهذه الجرائم وهذه الصور لولا أن الصحفى الفلسطيني هو من نقلها لما شاهدها العالم ، وهذا ينبع من إيمان الصحفى الفلسطيني بأهمية المعركة الإعلامية التى يخضوها الصحفيين الفلسطينيين لنقل الحقيقة ونقل جرائم هذا الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني".

 

في 3 فبراير الجاري أصدر منتدى الإعلاميين الفلسطينيين بيانا، بمناسبة مرور 120 يوما على العدوان بغزة، كشف فيه أبرز الانتهاكات التى يمارسها الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث أكد أن العدوان الإسرائيلي على غزة سجل أعلى مؤشرات انتهاك حرية الصحافة بقتل أكثر من 120 صحفيا بدم بارد خلال 120 يوما فقط، والأعداد مرشحة للزيادة، حيث ارتكب خلالها جيش العدو الصهيوني أبشع جرائم الإبادة بحق المدنيين الآمنين في قطاع غزة، فضلا عن إصابة العشرات من الصحفيين جراء الاستهداف الصهيوني الممنهج والمقصود، كما واصل اعتقال العديد من الصحفيين ممن اعتقلهم خلال توغله البري في غزة وشمالها، لافتا إلى أن شهادات من أفرج عنهم تكشف سادية ووحشية العدو الصهيوني الذي مارس بحق الأسرى أقسى أساليب التعذيب، لا تزال آثار الصحفيين نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد مفقودة منذ السابع من أكتوبر 2023.

 

 

 

 

 

ولفت المنتدى إلى إقدام الشركة الفرنسية المالكة للقمر الصناعي المستضيف لقناة الأقصى الفضائية على وقف بث القناة؛ استجابة لضغوط الحكومة الفرنسية وخضوعا لضغوط حكومة العدو الصهيوني دون أدنى اعتبار للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان، بالإضافة تمادي جيش العدو الصهيوني بقصف وتدمير منازل العشرات من الصحفيين ما أدى لاستشهاد وإصابة العشرات من أهاليهم، بالإضافة إلى تدمير وتضرر مقار العشرات من المؤسسات الإعلامية، ومنها مؤسسات دولية كقناة الجزيرة ومكتب وكالة الأنباء الفرنسية، جراء القصف الصهيوني، واختراق بث الإذاعات والقنوات المحلية في إطار الحرب النفسية على المجتمع الفلسطيني، بجانب استهداف البنية التحتية لشبكة الاتصالات والانترنت وتعطيلها عدة مرات بما يحد من قدرة وسائل الإعلام والصحفيين على العمل ونقل مجريات الأحداث والمستجدات في قطاع غزة.

 

 


الأكثر قراءة



print