الجمعة، 29 مارس 2024 10:07 ص

"نفى النسب ما بين اللعان والبصمة الوراثية".. أحكام قضائية ترفض الـ"DNA" فى نفى النسب وتقبله فى الإثبات فقط.. و"النقض" تتصدى للأزمة

"نفى النسب ما بين اللعان والبصمة الوراثية".. أحكام قضائية ترفض الـ"DNA" فى نفى النسب وتقبله فى الإثبات فقط.. و"النقض" تتصدى للأزمة نفى النسب - أرشيفية
الأربعاء، 14 سبتمبر 2022 12:06 م
كتب علاء رضوان

كانت ولازالت مسألة ثبوت ونفى النسب وما يتعلق به من آثار محل اهتمام رجال الفقه الشرعى والقانونى على حد سواء، فإذا كانوا قد توسعوا في طرق إثبات النسب وتنوعها من حيث القوة والضعف، كالزوجية والإقرار والبينة والقيافة والقرعة إلى أن وصل للبصمة الوراثية، بينما تشدد في نفيه، ولم يجعلوا لذلك إلا طريقا واحد دون غيره مقيدا بجملة من الشروط، ولم يسمحوا بفتحها إلا من خلال جهة واحدة وهى إجراء "اللعان"، واشترطوا لإقامته شروطا كثيرة تحد من حصوله بمعنى ليس كل إدعاء بإنكار بنوة الولد ينتفى به النسب.   

 

ملحوظة:

 

منذ عدة أيام أثارة واقعة الطفل "شنودة" إشكالية كبيرة حول مسألة مدى قانونية "التبنى" بينما كان هناك جانبا أخر من الناحية القانونية تتمثل في نفى النسب حيث أنه نتيجة البلاغ الذى قُدم ضد الزوجان بخطف الطفل "شنودة" تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهما، حيث خضع الزوجان والطفل لتحليل الحمض النووي، وثبت عدم نسبه لهما، فيما قررت النيابة العامة المصرية إيداعه دار أيتام بوصفه "فاقدا للأهلية" وتغيير اسمه إلى "يوسف"، ولم تتخذ النيابة العامة أي إجراء ضد الزوجين، إذ ثبت لديها حسن نيتهما، وهو القرار الذى اعتبره البعض – فيه نظر – فكيف يتم إحالة الطفل والزوجان للطب الشرعى وتحليل الحمض النووي للتأكد من نسبه رغم أن القانون المصرى في مسألة نفى النسب لا يعترف إلا بـ"اللعان" وليس البصمة الوراثية. 

 

Capture

 

 كيفية اللعان وتعريفه

 

فاللعان من اللعن، بمعنى الطرد والإبعاد، وفي اصطلاح الفقهاء ما يجري بين الزوجين من الشهادات والإيمان المؤكدة في حالة مخصوصة، وهي إذا رمى الزوج زوجته بالزنا، ولم تكن له بينة على ذلك، وأنكرت الزوجة ذلك، أو ادعى الزوج أن ولد زوجته ليس منه، وأنكرت هي تلك الدعوى ولا بينة، فإنهما يلجآن إذ ذاك للملاعنة على الصفة التي بين الله تعالى حيث يقول: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين  * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" – "النور: 6-9" - فإن تم اللعان بينهما، حصلت الفرقة بينهما على التأبيد، ويدرأ الحد عنهما، وتنتفي نسبة الولد الذي لاعن فيه عن الزوج زوجته.    

 

 

إلا أنه بالرغم من أن اللعان هو الطريق الشرعى الذى اقره الفقه الإسلامي لنفى نسب الولد المولود على فراش الزوجية في حالة انعدام الدليل المادى على ما يدعيه المنكر للنسب، إلا  أن توظيف المكتشفات الطبية جعل الفقه يقف موقف الدارس والمحلل لنتائج توظيفها، مع كشف الآثار التي تنشأ عنها سواء كانت تلك الآثار ناشئة من تصرفات مباحة أو محرمة، وأبرز هذه المكتشفات أو الإجراءات البصمة الوراثية أو ما يعرف بـ "DNA"، هذا وقد صدرت العديد من الاحكام التي رفضت نفى النسب بالبصمة الوراثية بينما أقرته بـ"اللعان"، وذلك في الوقت الذى انتهت فيه أزمة نفى نسب "شنودة" بالإحالة للطب الشرعى وهو ما يتباين مع تلك الأحكام والمسلك القانوني.

 

ةةي

 

الغرض من تطبيق اللعان دون البصمة الوراثية

 

وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم - أن الشريعة الإسلامية المطهرة قد أعطت أهمية كبرى للضرورات الخمس، وهي ضرورة المحافظة على: "الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال"، والمحافظة عليها تكون من حيث الوجود والعدم، وجوداً بما يقيم أركانها، ويثبت قواعدها، وعدماً بما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، فحفظ الدين بالمحافظة على أصول العبادات، وحفظ النفس بتناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات، وعدم تعريضها للآفات، وحفظ العقل بتحصيل العلوم، وحمايته من المخدرات وأنواع المسكرات، وحفظ النسل بالنكاح، والبعد عن الزنا والفواحش والمنكرات، وحفظ المال بطلب الرزق الحلال، وتشريع سائر أنواع المعاملات.. إلخ.  

 

 

وبحسب "رحيم" في تصريح لـ"برلماني": ومن هنا فالشارع الحكيم قد شرع النكاح، ليكون سبباً في تحصيل الولد، وبوابة شرعية لإثبات النسب، و الله عز وجل شرع اللعان، حماية للزوج من حد القذف حين يتهم زوجته بالزنا، وحمايةً للزوجة من حد الزنا، وحماية لها من تساهل الزوج في قذفها دون بينة، ولهذا نجد اللعان من القضايا النادرة في المحاكم، لأنه يشتمل على أيمان مغلظة، وتختم أيمان الزوج في الخامسة بلعنة الله عليه إن كان كاذباً، وتختم أيمان الزوجة بالغضب من الله عليها إن كانت كاذبة، ولهذا يتراجع الكثير من الأزواج عن الإقدام عن هذه الخطوة، خوفاً من عقاب الله تعالى، وهو كما ترى أسلوب تربوي عظيم، يمنع الزوج من التساهل في قذف زوجته دون بينة. 

 

زز

 

ماذا لو تم تطبيق البصمة الوراثية في نفى النسب؟ 

 

ووفقا لـ"رحيم": أن الشارع الحكيم قد قنن اللعان كطريق وحيد لنفي ولد الزنا، وذلك لئلا يتساهل الناس في نفي الولد، فلم يجعل الشارع نفي الولد بشهادة الشهود، ولا بإقرار الزوجة، ولا بغير ذلك من وسائل الإثبات، محافظة على الأسرة، وعلى الأنساب من الضياع، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش" لئلا يطعن الناس في أنسابهم، ولتبقى بنوة الأولاد لآبائهم سالمة مما يكدرها، إلا في أضيق الحدود، وذلك عبر اللعان فقط، حيث أنه لو فسح المجال أمام الآباء لينفوا الأولاد الذين ولدوا على فراشهم عبر الوسائل الأخرى، كنفيهم عبر بصمة الحمض النووي DNA لرأينا الناس طوابير على أبواب الأدلة الجنائية، لإمكان الحصول عليه، دون ما يلهب المشاعر بالخوف من عقاب الله تعالى، أما الأيمان المغلظة، والدعاء على النفس بلعنة الله أو غضبه، فهو من أشد ما يمنع الزوج المسلم من الإقدام على النفي، إلا بعد تأكد وتحقق.  

 

 

ويشير الخبير القانوني: ولهذا نجد القاضي يوظف بصمة الحمض النووي في إثبات الأبوة، وفي إثبات النسب – على سبيل المثال - إذا اختلط المواليد في المستشفى أو فيما إذا وقعت كوارث، أو زحام في الحج فاختلط المواليد، ولا يوجد من الصور والأوراق الثبوتية ما يثبت نسب هؤلاء الأطفال، ففي هذه الحالة وأشباهها يأخذ القاضي ببصمة الحمض النووي، وبغيرها من وسائل الإثبات، لأننا هنا في حالة إثبات أبوة ونسب، والشارع الحكيم يتشوف إلى الإثبات، أما في حالة نفي النسب فالشارع يحتاط لذلك أشد الاحتياط، ولهذا لم يجعل هناك وسيلة أخرى لنفي النسب في حالة وجود الفراش "أي النكاح" إلا من خلال اللعان، ومن هنا تظهر عظمة مقصد الشارع، وجهل كثيرين ممن ينادون بإجراء بصمة الحمض النووي كوسيلة للنفي، دون إدراك لأبعاد ذلك تربوياً، ومجتمعياً، وأسريا، أما بالنسبة للقاضي، فإنه ينبغي إذا قدم عليه الزوج طالبا نفي الولد عبر اللعان، ينبغي عليه أن يخوفه بالله تعالى، ويبين له عظيم عقوبة الله تعالى له إن كان كاذباً، فإن أصر على اللعان، عرض عليه الفحص بالحمض النووي، قبل أن يخوض مسألة اللعان.  

 

نن

الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم 

 

حكم يثبت نفى النسب باللعان لا البصمة الوراثية 

 

وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض جوزيف ميخائيل، أنه سبق له الحصول على حكم صادر من محكمة كفر شكر للأسرة قضى برفض دعوى مرفوعة من "أب" ضد طليقته بطلب نفى نسب صغيرها إليه، بعد أن تاكد من أنه ليس ابنه من خلال إجراء تحليل البصمة الوراثية D.N.A  له وللصغير والذي جاءت نتيجته: " is excluded as the biological father of"، وقد طلب المدعي من المحكمة إحالته هو والصغير للطب الشرعي لإجراء تحليل البصمة الوراثية والمحكمة استجوبت المدعى عن القائم بقيد الصغير "م" في سجلات المواليد، وقرر المدعى بأنه هو القائم بقيد الصغير "م" في سجلات المواليد.

 

ويضيف "ميخائيل" في تصريحات خاصة: وأسست المحكمة حكمها برفض طلب الإحالة إلى الطب الشرعي على أن القاعدة الشرعية تقول بأن "الولد للفراش"، وفى الخروج عن تلك الشروط الشرعية في تحقق النسب، ما يخالف صحيح الشرع والقانون ومن ثم فلا مجال للخوض، فيما يسعى إليه المدعى من نفى نسب الصغير إليه، وأن ما جاء بطلب المدعى من إحالة الدعوى لمصلحة الطب الشرعى، إنما هو طلب يخالف صحيح القانون الذى هو قد اعتد بالمذهب الحنفى كمرجع تشريعى إذا خلا نص قانونى من تنظيم مسألة بعينها – فإذا كان الثابت شرعاَ حسبما أوضحت المحكمة سلفا – نسب الصغير إلى أبيه المدعى لتحقق الشرائط الشرعية في ثبوت نسب الصغير إليه، فلا يمكن الارتداد مرة أخرى لنفى ما كان قد ثبت شرعا، لما في ذلك من تعريض لنفى الأنساب وفق رغبات الأزواج، وهو ما لم يقل به أحد من الفقهاء على اختلاف أراءهم.

 

ددد

 

رأى دار الإفتاء في نفى النسب بالبصمة الوراثية

 

ويوضح "ميخائيل": وإذا ما قيل جدلاَ – وهو قول جدلي لا يصادف صحيح الشرع – بأحقية المدعى في نفى نسب الصغير، فإن ذلك لا يكون بالإحالة للطب الشرعي، وإنما يكون بتنظيم أيضاَ مما جاء به الرأي الراجح من الفقه الحنفي بإجراء "اللعان" بين الزوجين على نفى نسب الصغير، وفى ذلك سنده الشرعى من آيات اللعان الواردة في صدر سورة "النور" وهى نصوص قطعية الدلالة لا يدخل فيها الاجتهاد مع وضوح النص فيها ولا يدخل فيها ما استحدثه العلم المعاصر من تقنيات يعلمها الله وقت أن شرع في كتابه الكريم أيات "اللعان"، وإذا كان مقصد العباد حفظ الأنساب، فإن مراد الله في هذا هو أعظم شأنا وأكمل علماَ بما لا يمكن أن يدركه بشر إذا عجز عن إدراكه.

 

وتابع: وفى ذلك قول المولى عز وجل: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون"، وإذا كان قد انتفى عن الزوج المدعى الشرائط الشرعية المتطلبة في الفقة الحنفى للجوء إلى "اللعان" وهو ما لم يقم به الزوج حيال المدعى عليها ومن ثم وكان اللعان هو الطريق لنفى نسب الصغير، فإنه لا مجال من بعد ذلك كله للخوض في تهديد الصغير بنفى نسبه بثمة طلبات أخرى تخالف صحيح الشرع والقانون، ومن ثم فالمحكمة تقضى في الدعوى برفضها، وكانت دار الإفتاء قد أصدرت فتوى تضمنت على أن "وأما نفي النسب بالبصمة الوراثية فلا يجوز شرعًا؛ لأن التحاليل يحتمل فيها الخطأ وإن دلَّت على النفي أو الإثبات يقينًا، فإن ذلك اليقين في نفسه يقع الظنُّ في طريق إثباته، مما يجعله غير معتدٍّ به شرعًا في نفي النسب".   

 

ططسطسطس

الخبير القانوني والمحامى بالنقض جوزيف ميخائيل

حزمة من التساؤلات المشروعة

 

وبحسب الخبير القانوني: وهنا يتبادر إلى ذهن القارئ كيف تم إحالة الصغير شنودة و والديه للطب الشرعى بعد الشكوى المقدمة من أحد أقاربهم وهو ليس صاحب صفة أو مصلحة، فإذا كانت وقائع الدعوى التي عرضناها سلفاً أن الأب وهو صاحب صفة ومصلحة طلب بنفسه من المحكمة احالته والصغير إلى الطب الشرعي بعد أن تاكد من أن الصغير ليس ابنه، والمحكمة رفضت احالته للطب الشرعي، ورفضت الدعوى وقد تم تأييد الحكم في الاستئناف.

 

كما يثور تساؤل أيضاً عن الأساس القانوني الذي تم بناء عليه تعديل بيانات الصغير "شنودة" بالسجل المدني ومصلحة الاحوال المدنية، وهل تم استلام الصغير "شنودة" من والديه بموجب قرار تسليم من النيابة أم بحكم محكمة أم بغير هذا ولا ذاك، ومن المقرر أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي من النظام العام فهذه المبادئ فيتم تطبيقها على الجميع حتى أن المحاكم في الاعلامات الشرعية تصدر اشهاد الوفاة والوراثة للمسيحيين والمسلمين بذات الانصبة المقررة في الشريعة الإسلامية.     

 

طط

 

القضاء يتصدى للأزمة 

 

 

هذا وقد سبق للمحكمة الجزئية، وأن أصدرت حكما فريد من نوعه، برفض دعوى نفى نسب الصغير، رغم تأكد الأب من نسب الصغير من خلال إجراء البصمة الوراثية dna، إلا أن المحكمة رفضت الدعوى مستندة إلى مبدأ أن نفى النسب لا يكون بالإحالة للطب الشرعي ولكن بـ"اللعان" فقط. 

 

 

النزاع.. الأب يكتشف أن الإبن ليس ابنه بتحليل البصمة الوراثية

 

 

وقائع النزاع تتحصل في أن المدعى – المطلق - قد أقام دعواه بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 7 يوليو 2015 وأعلنت للمدعى عليها – الأم المطلقة – للحكم أولاَ: على المدعى عليها الأولى بنفى نسب الصغير (م) إلى المدعى وتعويضه عما لحقه من أضرار وما أنفقه على الصغير منذ ولادته حتى تاريخ ظهور نتيجة تحليل البصمة الوراثية بتعويض مؤقت قدره 10 آلاف وواحد جنيها، ثانياَ: على المدعى عليه الثالث والخامس بإلزامهم بإجراء التعديل بنفى نسب الصغير إلى المدعى في سجلات مكتب الصحة والصغير والإدلاء بشهادته كجهة خبرة.

 

ى

 

وذلك على سند من القول بأن المدعى عليها زوجته بموجب عقد الزواج الشرعى بتاريخ 20 سبتمبر 2010 وبعد أن دخل بها وعاشرها كزوجة شرعية له، وأنجبت له الصغير "م" بتاريخ 22 أبريل 2011 وبعد إتمام الصغيرة شهره الثامن طلق المدعى عليها طلقة أولى بائنة بينونة صغرى بموجب إشهاد طلاق وبعد الطلاق استمر المدعى ينفق على الصغير، ثم قامت المدعى عليها بالزواج من أخر أجنبى عن الصغير وكان يقوم باصطحاب الصغير إلى أن لاحظ عدم وجود تشابه بين الصغير "م" وبين أولاده في الشكل ولا في الطبع ولا في الروح، وقرر اصطحابه إلى معمل تحاليل لتحليل البصمة الوراثية، ولما تأكد من إن الصغير ليس ابنه بل هو نتاج جريمة "زنا"، مما دعاه لإقامة الدعوى الراهنة بطلباته آنفة البيان، وقدم تأييدا لذلك صورة ضوئية من قيد زواجه بالمدعى عليها بتاريخ 20 سبتمبر 2010 وصورة ضوئية من قيد ميلاد الصغير، وصورة ضوئية من إشهاد طلاق المدعى عليها وصورة ضوئية من وثيقة زواج المدعى عليها الأولى من أجنبى عن الصغير طالعتهم المحكمة، المت بهم.

 

 

الأب يقيم دعوى انكار نسب ليثبت ما اكتشفه 

 

 

في تلك الأثناء – تداولت الدعوى ومثل المدعى بشخصه وبوكيل عنه – محام – ومثل المدعى عليها الأولى بشخصها وبجلسة 2 يناير 2017 مثل المدعى بشخصه ووكيله والمدعى عليها الأولى بشخصها وبيدها الصغير "م"، وقدم الأول حافظة مستندات طالعتها المحكمة، وألمت بها وطلب إحالة الدعوى للطب الشرعى، والمحكمة استجوبت المدعى عن القائم بقيد الصغير "م" في سجلات المواليد، وقرر المدعى بأنه هو القائم بقيد الصغير "م" في سجلات المواليد، وأودعت مذكرة برأيها طالعتها المحكمة، وآلمت بها وأودع الخبيرين تقريرهما بالأوراق، والمحكمة عرضت الصلح فرفض.

 

د

 

المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن موضوع الدعوى – فلما كان من المقرر قانوناَ عملاَ بنص المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أنه: "لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجه ثبت عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة المتوفى عنها زوجها إذا أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة"، وحيث أن المستقر عليه فقها – وفق الراجح بالمذهب الحنفى – ما جاء في الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضى الله عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، وقد جاء في "لسان العرب" لإبن منظور رحمه الله: "الولد للفراش" معناه: الولد لمالك الفراش وهو الزوج أو المولى، أي السيد، وقال الإمام علاء الدين الكاسانى: "وقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش" أي "لصاحب الفراش" إلا أنه أضمر المضاف فيه اختصارا، والمراد من "الفراش" هو المرأة، فإنها تسمى "فراش الرجل"، وسميت المرأة فراشاَ لأنها تفرش وتبسط بالوطء عادة. 

 

 

المحكمة ترفض دعوى انكار النسب بعد رفضها الإحالة للطب الشرعى

 

 

وبحسب "المحكمة": ويشترط لثبوت النسب بالزواج الصحيح فقها شروط ثلاث: 

 

1-إمكان كون الولد منه – أي من الزوج – وهذا يتحقق عادة إذا كان الزوج بالغاَ سليم الآلة – آلة الجماع أي ذكره – ولا خلاف في هذا. 

 

2-أن تلده الزوجة لمدة لا تقل عن أدنى مدة الحمل، وأقل مدة الحمل 6 أشهر، وهذا قول على بن أبى طالب رضى الله عنه، وجاء الاستنباط من الآيتين الكريمتين في كتاب الله العزيز "الأولى": "وحمله وفصاله ثلاثون شهر"، و"الثانية": "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة"، فالرضاع 24 شهراَ والحمل ستة أشهر، به قال الفقهاء من مختلف المذاهب محتجين بالآيتين الكريمتين التي احتج بها على رضى الله عنه.

 

و

 

فإذا كان أقل مدة الحمل 6 أشهر وهو محل اتفاق بين الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في وقت ابتداء مدة الحمل، وفى هذا قال الحنفية أن ابتداء وقت الحمل من وقت عقد النكاح، فإذا تزوج الرجل امرأة فجاءت بولد لـ 6 أشهر فصاعدا من وقت النكاح يثبت نسبه من الزوج، لأنها ولدته على فراشه لمدة حبل تام من وقت النكاح، وإذا تزوج الرجل المرأة فجاءت بالولد لأقل من 6 أشهر منذ تزوجها لم يثبت نسبه، وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا – آى تزوجها – يثبت نسبه منه، اعترف به الزوج أو سكت، وقد رتب الحنفية على قولهم هذا أن ابتداء مدة الحمل من وقت العقد أن الرجل لو تزوج المرأة ثم طلقها بعد العقد مباشرة وهما في مجلس العقد ثم جاءت بولد لستة أشهر من وقت العقد لحقه الولد.

 

 

 

3-إمكان تلاقى الزوجين بعد العقد، وهذا الشرط لا خلاف فيه بين الفقهاء، وقد رتب الحنفية على قولهم هذا أن ابتداء مدة الحمل من وقت العقد أن الرجل لو تزوج المرأة ثم طلقها بعد العقد مباشرة وهما في مجلس العقد ثم جاءت بولد لستة أشهر من وقت العقد لحقه الولد ويثبت نسبه منه، وكذلك لو تزوج مشرقي بمغربية وثبت عدم تلاقيهما، ثم جاءت بولد لستة أشهر من وقت العقد لحقه نسب الولد "فتح القدير للإمام ابن همام الحنفي – ج 3 – ص 300.  

 

وويوي

 

رأى محكمة النقض في الأزمة

 

وعلى ذات النهج فقد استقر قضاء النقض بأن: "ثبوت النسب بالفراش عند قيام الزوجية الصحيحة يكون شرطه عدم لزوم صدور إقرار أو بينة، ونفى الزوج نسب الولد شرطه أن يكون نفيه وقت الولادة، وأن يلاعن امرأته، يكون علة ذلك تمام اللعان مستوفيا شروطه، ينتج عنه التفريق بينهما ونفى الولد عن آبيه وإلحاقه بأمه" – طعن رقم 417 لسنة 75 قضائية أحوال شخصية.

 

 

لما كان ذلك – وكان الثابت بالأوراق أن طرفى التداعى قد عقد النكاح بينهما بموجب وثيقة زواج مؤرخه في 20 سبتمبر 2010 واستمرت تلك الزيجة ثم أتت المدعى عليها الأولى بالصغير "م" مواليد 22 أبريل 2011 وفقا للثابت من قيد ميلاده وقد أورد المدعى في صحيفة دعواه على لسانه الشروط الشرعية المقررة لتوافر نسب الصغير إليه إذ أن المدعى تزوج المدعى عليها الأولى وهو بالغ سليم – أي قادر على الجماع – وقد ولدت المدعى عليها الأولى الصغير المراد نفيه لنسبه بعد مضى حوالى 7 أشهر من تاريخ نشوء رابطة الزوجية والتلاقى بينهما، الأمر الذى تتحقق معه شروط إثبات نسب الصغير إليه بالزواج الصحيح بالمدعى عليها الأولى، ولا ينال من ذلك ما أورده المدعى بصحيفة دعواه من تشككه وعدم اطمئنانه من أن الصغير المراد نفيه لنسبه من صلبه، فإن ذلك مردود عليه بأن القاعدة الشرعية تقول بأن الولد للفراش وفى الخروج عن تلك الشروط الشرعية في تحقق النسب، ما يخالف صحيح الشرع والقانون ومن ثم فلا مجال للخوض، فيما يسعى إليه المدعى من نفى نسب الصغير إليه. 

 

حكم

 

المحكمة تؤكد أن انكار النسب يكون باللعان فقط ولا تعترف باالبصمة الوراثية 

 

 

ووفقا لـ"المحكمة": إذ تؤكد المحكمة أن ما جاء بطلب المدعى المدعى من إحالة الدعوى لمصلحة الطب الشرعى، إنما هو طلب يخالف صحيح القانون الذى هو قد اعتد بالمذهب الحنفى كمرجع تشريعى إذا خلا نص قانونى من تنظيم مسألة بعينها – فإذا كان الثابت شرعاَ حسبما أوضحت المحكمة سلفا – نسب الصغير إلى أبيه المدعى لتحقق الشرائط الشرعية في ثبوت نسب الصغير إليه، فلا يمكن الارتداد مرة أخرى لنفى ما كان قد ثبت شرعا، لما في ذلك من تعريض لنفى الأنساب وفق رغبات الأزواج، وهو ما لم يقل به أحد من الفقهاء على اختلاف أراءهم.

 

 

وإذا ما قيل جدلاَ – وهو قول جدلي لا يصادف صحيح الشرع – بأحقية المدعى في نفى نسب الصغير، فإن ذلك لا يكون بالإحالة للطب الشرعي، وإنما يكون بتنظيم أيضاَ مما جاء به الرأي الراجح من الفقه الحنفي بإجراء "اللعان" بين الزوجين على نفى نسب الصغير، وفى ذلك سنده الشرعى من آيات اللعان الواردة في صدر سورة "النور" وهى نصوص قطعية الدلالة لا يدخل فيها الاجتهاد مع وضوح النص فيها ولا يدخل فيها ما استحدثه العلم المعاصر من تقنيات يعلمها الله وقت أن شرع في كتابه الكريم أيات "اللعان"، وإذا كان مقصد العباد حفظ الأنساب، فإن مراد الله في هذا هو أعظم شأنا وأكمل علماَ بما لا يمكن أن يدركه بشر إذا عجر عن إدراكه، وفى ذلك قول المولى عز وجل: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون"، وإذا كان قد انتفى عن الزوج المدعى الشرائط الشرعية المتطلبة في الفقة الحنفى للجوء إلى "اللعان" وهو ما لم يقم به الزوج حيال المدعى عليها ومن ثم وكان اللعان هو الطريق لنفى نسب الصغير، فإنه لا مجال من بعد ذلك كله للخوض في تهديد الصغير بنفى نسبه بثمة طلبات أخرى تخالف صحيح الشرع والقانون، ومن ثم فالمحكمة تقضى في الدعوى برفضها.  

 

موضوعات متعلقة :

يسألونك عن "التبني".. أزمة الطفل "شنوده" تفتح الملف مجددًا.. المشرع حظره لعدم خلط الأنساب.. وسمح بالاحتضان طبقا لقواعد وضعتها وزارة التضامن.. والمتبني لا يرث.. وبرلمانى يطالب بمعالجة الفراغ التشريعي

يسألونك عن مدة عقد الإيجار لملايين الملاك والمستأجرين.. هل تزيد مدة عقد الإيجار عن المدة المتفق عليها فى العقد؟.. 3 حالات حددها المُشرع لزيادة مدة عقد الإيجار عكس ما تم الاتفاق عليه.. والنقض تتصدى للعقد المؤبد

تنفيذ حكم أجنبى على أرض مصر!!.. المشرع أجاز التنفيذ بـ"صيغة مصرية".. و4 إجراءات و4 شروط لتنفيذه.. ولا يشترط وجود اتفاقية قضائية

إعلان مزيف لطرد المستأجر.. ما الحل؟ كيف واجه المشرع المالك فى الإعلانات الملتوية لطرد المستأجر؟.. حكم قضائى يكشف حيل إعلان المستأجر في غير عنوانه.. ومحكمة الاستئناف تلغى حكم الطرد لصدوره في خصومة لم تنعقد

هل عاقب القانون الأم حال تركها الإبن الرضيع يموت جوعا؟..المشرع وضع لها مسمى جريمة "القتل بالإمتناع أو الترك"..والأشهر ترك الممرضة المريض عند الإغاثة.. والامتناع عن انقاذ الغارق.. والنقض تتصدى للأزمة

للمتضررات.. ما هى أفضل طريقة للمطالبة بمنقولات الزوجية؟.. المشرع حدد طريقين الأول جنائى والثانى عن طريق "محكمة الأسرة".. ودعوى الإسترداد أفضل الطريقين لتفادى التأخير

يهم الملايين.. ماذا يعنى "جب العقوبة"؟.. المشرع أجاز خصم العقوبة للمتهم حال تعدد الجرائم بشروط.. ووضع 5 إجراءات للاستفادة منها.. وطريقين للسير في "الجب".. والنقض تتصدى للأزمة


print