الأربعاء، 12 نوفمبر 2025 01:30 م

بعد أزمة كريم عبدالعزيز وآن الرفاعي.. دوامة الطلاق الإلكترونى.. لابد من التحقق من نسبة القول لقائله.. والهدف تجنب خارب البيوت "الذكاء الاصطناعى".. الإفتاء: يدخل ضمن أحكام طلاق الغائب.. وخبراء يوضحون رأى القانون

بعد أزمة كريم عبدالعزيز وآن الرفاعي.. دوامة الطلاق الإلكترونى.. لابد من التحقق من نسبة القول لقائله.. والهدف تجنب خارب البيوت "الذكاء الاصطناعى".. الإفتاء: يدخل ضمن أحكام طلاق الغائب.. وخبراء يوضحون رأى القانون أزمة طلاق كريم عبدالعزيز وآن الرفاعي
الأربعاء، 12 نوفمبر 2025 12:00 م
كتب علاء رضوان

كريم عبدالعزيز وآن الرفاعي أثارا جدلاً واسعا، خلال الساعات الماضية عبر موقع التواصل الاجتماعى، بعد إعلان الأخير خبر انفصالهما بشكل رسمى عبر "إنستجرام"، لتفجر "آن" مفاجأة بأنها لم تعلم بأمر طلاقها إلا من خلال هذا "الاستوري" الذى كتبه كريم، ليتساءل الكثيرين عن هل بالفعل يقع الطلاق أونلاين أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يُطلق عليه الطلاق الإلكترونى؟

 

الواقع والحقيقة يؤكدان أن العالم شهد في الآونة الأخيرة تطورا هائل في وسائل الاتصالات تعددت بشكل فائق ومذهل، فلم تعد المسافات حائلا بين الإنسان وبين ما يريد الوصول إليه، وأصبح استخدام تلك الوسائل يتعدى الأمور العامة، ليشمل جوانب كثيرة في حياة الإنسان كالاقتصادية والاجتماعية، وظهر ما يسمى بالطلاق الإلكتروني، وهو حل الرابطة الزوجية باستعمال الوسائل إلكترونية، ولأن الطلاق من المسائل الجدية والخطيرة، وجب النظر فيه، والعمل على بيان أحكامه، وذلك في محاولة للخروج من هذه الأزمة التي من شأنها تدمير وخراب البيوت.

 

طلاق 14

 

دوامة الطلاق الإلكترونى

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بالطلاق الإلكترونى، والذى تترتب على وقوع الطلاق آثار متعددة منها استحقاق الزوجة للحقوق المؤجلة والتى تشمل مؤخر الصداق، وقائمة المنقولات ونفقة العدة والمتعة ومنها قطع نفقة الزوجية ومنها أيضاً استحقاق المطلقة لمعاش الوالد أو الوالدة، واخيرا نقص عدد الطلقات الثلاثة وانتهاء الرابطة الزوجية بالطلقة الثالثة، خاصة وأن هناك من يرى الطلاق الإلكتروني وسيلة جديدة لإثبات الطلاق وليس نوعاً جديداً، وبالتالي لا يصح القول بأنه يسبب أثر سلباً في المجتمع أو يشكل عبئاً على كاهل الجهات العدلية مستقبلاً.

 

في البداية – يقول أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض علاء مبروك - انتشرت فى الأونة الاخيرة ظاهرة الطلاق الإلكترونى والتى تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعى "الواتس اب"، و"الفيس بوك"، و"ماسنجر"، و"تليجرام"، وتطبيق "التيك توك"، والرسائل النصية القصيرة، وفيها يقوم الزوج بإرسال رسالة صوتية أو مصورة فيديو أو مكتوبة بالطلاق الصريح، وقد يقوم الزوج بحذف الرسالة قبل قرائتها من الزوجة، ولهذا لابد من الإشارة الى وسائل الإثبات من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعى، خاصة وأن الشريعة الإسلامية تعتد بالكتابة أسوة بالألفاظ، وفهل هذا الطلاق واقع لا محالة؟، أم يحتاج فيه إلى الرجوع إلى الزوج الذي حرر هذه الرسالة لتعزيز الطلاق؟ 

 

طلاق 16

 

الطلاق الإلكترونى بين التأويل والتطبيق

 

وبحسب "مبروك" في تصريح لـ"برلماني": لابد من أخذ ظاهرة الطلاق الالكتروني ضمن فهمنا لخصائص المجتمع الافتراضى، فالناس يتفاعلون افتراضيا من خلال النت والهواتف والإيميل، وكافة وسائط الاتصال الإلكترونية الحديثة، والتفاعل الافتراضى قد طغى على التفاعل وجهاً لوجه، خاصة أنه قد تطور الأخير وأصبح تفاعلا تفاعليا بالصوت والصورة، فـ"النت" أصبحت سوق اقتصادية كبيرة، لم تتوقف خـدماتها على الــمال والأعمال، ولكن تعدتها إلى القضايا الاجتماعية، فـ"غرف الدردشة" التي تتيح للناس التواصل مع الشخص والمجموعة التي يراها مناسبة، سواء كان ذلك بانكشاف الهوية "الهوية الحقيقة" أو خفاء الهوية، ففي المجتمعات التقليدية تتيح هذه الخاصية للمرأة والرجل على حد سواء التسوق الحر والتفـاعل الحر مع الآخرين.

 

وهنا لابد من التأكد من ثلاثة أمور:

 

أولا: لابد من إقرار الزوج بوقوع الطلاق وأنه بالفعل طلق زوجته، فإنه يصدق فى دعواه، لأنه ادعى أمرا يملكه ما دامت الزوجية قائمة .   

 

ثانيا: البينة وشهادة رجلين عدلين، فإن قامت البينة على أن الزوج طلق زوجته للقاضى أن يحكم بمقتضى هذه البينة .  

 

ثالثا: القضاء وللقاضى ولايته فى رفع الظلم عن الزوجة بالتفريق بينها، وبين زوجها فى حالة وقوع ضرر . 

 

طلاق 1  

 

والطلاق الشفوى وفقا لبيان هيئة كبار علماء الازهر

 

والطلاق الشفوى وفقا لبيان هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، والذى نص على: "وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق"، ولذلك فإن وقع الطلاق بواسطة وسائل التواصل الاجتماعى فلابد من التحقق من نسبة القول لقائله نظرا لتوافر التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى والتى توفر الحذف وتقليد الأصوات تماما واستخدام صور الأشخاص فى صنع فيديوهات وانشاء محتوى مزيف بالكامل، الأمر الذى يتعذر كشفه – الكلام لأستاذ القانون الجنائى.

 

ولذلك لابد من التحقق من المكالمات الهاتفية أو الرسائل الصوتية والنصية أو الفيديوهات فى دعاوى الطلاق بمحاكم الأسرة، فإن تبين زيفها، فيحكم القاضى بعدم اثبات الطلاق ولابد من وجوب استدعاء الزوج ومواجهته بمضمون ذلك المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فإن اقر الزوج بمضمون ذلك المحتوى وصحة تلك الرسائل والفيديوهات حكم الفاضى بمقتضى اقراره حيث أن اقراره حجة عليه ، والأمر الأخر إذا قدمت الزوجة للقاضى فيديو يقول فيه الزوج لزوجته "انت طالق"، وعند مواجهة الزوج نازع الزوج وقدم للقاضى ما يفيد الحاح زوجته عليه بالطلاق فقلت "لن أفعل، ولن أقول لك انت طالق"، فقامت الزوجة بعمل مونتاج للفيديو وحذفت أول الكلام الذى يظهر الحقيقة والقرار هنا للمحكمة وشأنها – طبقا لـ"مبروك" .   

 

علاء مبروك

أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض علاء مبروك 

 

لابد من التحقق من نسبة القول لقائله

 

وقد يكون وقوع الطلاق بالكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعى وهى ما يطلق عليها الكتابة المستبينة لا يقع الطلاق بها: نظرا لعدم إثبات أن كاتب هذا اللفظ هو الزوج ومن هاتفه ومن حساباته الشخصية فقد يكون شخصا أخر قام بسرقة الهاتف أو هاكرز على البيانات والحسابات الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وقد يكون قد تم إرسال رسالة نصية لا يعلم عنها شيئا بواسطة أحد المقربين منه للوقيعة بين الزوجين، وهنا يرجع الأمر إلى نية الزوج فإن أقر بصدورها عنه وبإرادة الطلاق منها وكامل أهليته وقعت عليه طلقة وأن لم يقر فلا يقع الطلاق – هكذا يقول "مبروك".

 

وأخيرا يقول "مبروك": لابد من الإشارة الى أن يقوم الزوج بإرسال رسائل صوتية وفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ثم يقوم بحذفها هذه القرينة لا تكون حجة على الزوج إلا عند إقراره بها، وقيامه بحذف تلك الرسائل لا يسقط الطلاق، ومن هنا لابد من إقرار الزوج بصدورها عنه ثم يقر بحذفها، وبالتالى فقد لزمته الآثار المترتبة على وقوع الطلاق، وذلك لأن الطلاق لا يقبل الرجوع فمتى تلفظ الرجل بعبارة الطلاق عاقلا مختارا، فلا يمكنه الرجوع فيه، وقد ينكر الزوج صدور عبارة الطلاق، فلابد للزوجة من اتيان شهود اثبات  لتلك الواقعة، وقد يقوم الزوج بحذف عبارة الطلاق وانكاره، أيضا لا يقع الطلاق لان يقين النكاح لا يزول بإدعاء الطلاق واليقين لا يزول بالشك ولأن الطلاق باللرجال والعدة بالنساء لكن أن تيقنت الزوجة من الطلاق وكان مكملا للثلاث طلقات فعليها أن تفتدى نفسها . 

 

طلاق 12

 

الطلاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإثباته قانونًا وشرعًا

 

فيما أكد الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبدالحميد رحيم، أن  الأصل في الطلاق أنه يُثبت بكافة طرق الإثبات: بالإقرار، أو البينة، أو اليمين، استنادًا إلى ما ورد في الحديث الشريف: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: "النكاح، والطلاق، والرجعة"، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كـ "الواتساب" و"الفيسبوك" و"الرسائل الإلكترونية"، أصبحت المحادثات الكتابية بين الزوجين أمرا شائعا، فإذا أرسل الزوج إلى زوجته عبر هذه الوسائل رسالة يُبلغها فيها بأنها "طالق" أو "مطلقة"، فإن المسألة لا تُحسم بمجرد وجود الرسالة، بل يُشترط إثبات نية الزوج وقصده الجازم للطلاق.  

 

تطبيقات محكمة النقض حول أزمة الإثبات 

 

وذكر "رحيم" في تصريح لـ"برلماني": عدة أحكام لمحكمة النقض بشأن إشكالية الطلاق وإثباته، أبرزها الطعن المقيد برقم 12 لسنة 52 قضائية، الصادر بجلسة 25 فبراير1985، والذى جاء في حيثياته: "أن الطلاق يقع متى تلفظ به الزوج صريحًا، أو بما يدل عليه دلالة واضحة، بشرط أن يكون قاصدًا إيقاعه"، وكذا الطعن رقم 26 لسنة 61 قضائية، الصادر بجلسة 12 مارس 1992، والذى جاء في حيثياته: "الطلاق لا يقع بالرسائل الكتابية إلا إذا ثبت أن الزوج قصد بها إيقاع الطلاق، وعلمت الزوجة يقينًا أنه هو المرسل". 

 

طلاق 15

الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبدالحميد رحيم 

 

وتابع "رحيم": وفي ضوء ذلك، يجوز للزوجة أن تثبت الطلاق الصادر عبر الوسائل الإلكترونية بكافة طرق الإثبات المنصوص عليها في قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968، وهي: الإقرار أو الشهادة أو القرائن أو اليمين الحاسمة، فإذا أنكَر الزوج أن يكون قد قصد الطلاق، جاز للزوجة أن توجه إليه اليمين الحاسمة طبقًا للمادة "114" من قانون الإثبات، لتُحسم بها الدعوى، إذ تنص المادة على أنه: يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم الآخر ليحسم بها النزاع في الواقعة التي تكون منتجة في الدعوى"، فإذا أرسل الزوج إلى زوجته عبر "الواتساب" رسالة نصها: "أنتِ طالق"، فعلى المحكمة أن تتحقق من عدة أمور:

1. أن الحساب المرسل منه يخص الزوج بالفعل.

2. أن الزوج كان يعلم أن الرسالة تصل إلى زوجته.

3. أن عبارته كانت بقصد الطلاق.

 

ويوضح: وفي حال أنكر الزوج نيته، فللزوجة أن توجه إليه اليمين الحاسمة: ويكون صيغتها: "أقسم بالله العظيم أنني لم أقصد الطلاق ولا نويت إيقاعه في الرسالة المرسلة لزوجتي بتاريخ كذا..."، فإن حلف الزوج اليمين، سقط ادعاء الزوجة، وإن نكل، عُدت نقوله بمثابة إقرار ضمني بالطلاق، لأن حق الطلاق الذي منحه الشرع للزوج ليس وسيلة تهديد أو ابتزاز أو عبث بالألفاظ، بل هو تصرف شرعي جليل لا يُعتد به إلا متى صدر عن إرادة واعية ونية جازمة، لذلك فإن المحاكم وهي تنظر مثل هذه الدعاوى تُولي عناية خاصة للتحقق من نية الزوج، وتستند إلى القرائن الإلكترونية، وشهادة الشهود، ونتائج الفحص الفني للمحادثات، إضافة إلى اليمين الحاسمة كوسيلة فاصلة في الإثبات. 

 

طلاق 2

 

طلاق مواقع التواصل الاجتماعي

 

وفى سياق أخر – تقول الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى رحاب سالم – أنه رغم وقوع الطلاق الالكترونى شرعاً - ولكن - من الناحية القانونية تكون هناك العديد من الإشكاليات حال انكار الزوج، وقيامه بحذف الرسالة على سبيل المثال، لأجل ذلك نناشد أن يكون وقوع وإقراره لابد أن يكون فى المواجهة أو يكون أمام شاهدين، أو يتم توثيقة أمام بقرار محكمة تجنباً للإضرار التى ممكن أن تقع، فمواقع التواصل الأجتماعية فى ظل التطور أصبحت تشكل آفه لكثير من السيدات بعد أن يقوم الزوج بأخذ الخطوة ويعلن طلاقه بشكل يقتصر عليهم لتجد نفسها أمام مازق برفضه الأعتراف حتى لا يترتب على الطلاق حقوق وإلتزامات يدفعها ويتركها معلقة.

 

وتضيف "سالم" في تصريحات صحفية: فى تلك الحالة والظروف تقوم الزوجة بإقامة دعوى إثبات طلاق بحسب المادة 60 من قانون الإثبات أحوال شخصية، وتدعى تطليقه لها وخشيتها أن لا تقيم حدود الله وتوجه للزوج يمين حاسمة، بإن تقول له "هل صدر هذا الطلاق"، وتكون جلسة واحدة فقط وعليه أن يحسم أمره ويقسم وهنا يتحمل الزوج عقوبة كذبه، واليمين الحاسمة توجه بسبب أن مواقع التواصل الإجتماعى ليست قاصرة على الشخص بمفرده، ومن الممكن أن تخترق لذا على الزوج أن يقسم وهو فقط من عليه إثبات الواقعة أو الشهود فى حالة إذا تواجد شخص أخر أثناء إرسالة رسالة لزوجته أو إتصاله بها هاتفيا. 

 

طلاق 13

 

وتؤكد الخبير القانوني: وحال طلق الزوج زوجته عبر الهاتف أو من خلال إرسال رسالة الطلاق عبر "الواتس أب" أو أمام شهود، وانتهت فتره العدة دون مراجعتها، ولم يوثق الطلاق عند مأذون، وترك طلقته معلقة، فهى شرعاً وقع الطلاق لكن قانوناً لازالت على ذمته طالما الزوج لم يطلق عند مأذون وانكر وقوع الطلاق، والقانون في هذه الحالة يؤكد أنه في حالة إن الزوج قام بتطليق زوجته شفوياً، فلابد للمطلقته أن ترفع دعوي إثبات طلاق ويشترط لإقامة تلك الدعوي انقضاء 3 أشهر من تلفظه بلفظ الطلاق، وبيتم إثبات الطلاق في حالة رفض الزوج اثبات الطلاق الشفوي وانكاره كالتالى:

 

1-شهادة الشهود: فهي مهمة جداً فى دعوي اثبات الطلاق، ويشترط أن يكون الطلاق وقع أمامهم، وأنهم شاهدوا واقعة تطليق الزوج للزوجة.

 

2-الإقرار: حضور الزوج وعدم انكاره وقوع الطلاق على الزوجة، ويقر أمام القاضى أنه قام بتطليق الزوجة.

 

3-حلف اليمين: توجية اليمين الحاسمة للزوج وسؤاله عن سبب رفضه لإثبات الطلاق، فاذا رفض حلف اليمين تعتبر الزوجة طالق.

 

ملحوظة: ويجوز تقديم أي اثباتات أخري لوقوع الطلاق مثل الرسائل والمحادثات أو مكالمات صوتية، ومدة دعوي إثبات الطلاق في المحكمة في أول درجة ليست أقل من 4 أشهر، ولو الزوج قام بعمل استئناف تأخذ نفس المدة تقريباً، ولو تم الحكم للزوجة بإثبات وقوع الطلاق تستحق كامل حقوقها من مؤخر صداق ونفقة متعة كحد أدني سنتين ونفقة عدة ثلاث شهور.  

 

رحاب
 
الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى رحاب سالم  
 

رأى دار الإفتاء في الطلاق الإلكترونى

 

ما حكم طلاق الرجل لزوجته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك ـ واتساب"؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، مؤكدة أن طلاق الفيس بوك  والواتساب، ومواقع التواصل الاجتماعي أو ما يسمى الطلاق الإلكتروني عبر أي وسيلة إلكترونية، يدخل ضمن أحكام طلاق الغائب وله صورتان، نستعرضها في السطور القادمة.

 

وأوضحت دار الإفتاء في معرض إجابتها عن السؤال، أنه في حال وقوع الطلاق بالتواصل المباشر سواء بالصوت فقط أو بالصوت والصورة بالفيديو كول، يكون حكمها حكم التواصل الطبيعي، ويقع نفس أحكامه، مشيرة إلى أن السبب في ذلك هو وجود شخصين على نفس الوسيلة في نفس الوقت يأخذ حكم الوجود الفعلي ويتيح إمكانية مشاهدة المتعاقدين أثناء الموافقة أو غيرها. 

 

طلاق 6

 

الطلاق عن طريق رسالة مكتوبة

 

واعتبرت أن الطلاق عن طريق رسالة مكتوبة عبر هذه الوسائل سواء الواتس اب والفيس بوك دون تلفظ بالطلاق، يتوقف الحكم فيه على نية المطلق وقصده للفظ، وهل تلفظ بلفظ الطلاق أم لا، فإذا تلفظ بالطلاق يقع طلاقه، وإن لم يتلفظ بالطلاق فيتوقف الحكم على قصده من كتابة الرسالة، واستدلت الدار على ذلك بما ورد عن الحنفية والمالكية والشافعية أن طلاق الرسائل والمكتوبات تحتاج إلى نية وقصد المطلق.

 

حكم الطلاق الإلكتروني

 

 من جانبه، قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أكد في فيديو له أن الرسائل والمكاتبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، مؤكدا أنه لا بد من سؤال الزوج الكاتب عن نيته؛ فإن كان قاصدًا بها الطلاق حُسِبت عليه طلقة، وإن لم يقصد بها إيقاع الطلاق فلا شيء عليه، وشدد على أن هذا الأمر لا يُعرف إلا بحضور الزوج وسؤاله ومعرفة مقصده ونيته، قائلا: "إنه لا يؤخذ بالطلاق عن طريق الرسائل الإلكترونية إلا بعد التحقق منها ومعرفة مقصد الزوج ونيته". 

 

طلاق 7

 

مدى وقوع الطلاق عن طريق الكتابة في الرسائل الإلكترونية

من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام

تاريخ الفتوى: 27 أغسطس 2023 م

رقم الفتوى: 7931

التصنيف: الطلاق

السؤال:

ما مدى وقوع الطلاق من عدمه عن طريق كتابة الزوج لفظ الطلاق في رسالة إلكترونية (رسائل الـ Sms، أو الواتساب، أو البريد الإلكتروني، ونحوها)؟ 

 

الجواب:

 

قيام الزوج بكتابة رسالة موجهة إلى زوجته بلفظ طلاقٍ صريحٍ عبر وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة -كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها- يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة سواء وجهه إلى الزوجة أو غيرها؛ لأن الكتابة من أقسام الكناية على المختار في الفتوى؛ وهو مذهب فقهاء الشافعية والحنابلة، ووافقهم المالكيةُ فيما إذا وجهه إلى غير الزوجة.

 

ويراعى في الحكم بوقوع مثل هذه الصور الكتابية من مسائل الطلاق: أن يكون الزوج هو صاحب الرسالة المكتوبة بالفعل، وأن تكون الرسالة موجهة من الزوج لمعلومٍ قاصدًا إيصال مضمونها إلى زوجته (سواء أرسلها للزوجة أو غيرها)، وأن يكون اللفظ المكتوب في الرسالة هو ممَّا يستعمل في الطلاق، أن يتوفر لدى الزوج قصد إيقاع طلاق زوجته وقت كتابة الرسالة وإرسالها لا قبله ولا بعده، فإن كان عازمًا حينئذٍ على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك ولم يكن ناويًا للطلاق، لم يقع الطلاق، وأن يقصد الزوج إنشاءَ طلاقٍ في الحال، لا الإخبار بطلاقٍ سابقٍ يعتقد وقوعه، أو مجرد الكتابة أو أراد شيئًا آخر غير الطلاق كغَمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها ونحو ذلك.

 

وهذا كله مع مراعاة قواعد الإثبات والاعتداد بالمراسلات عبر البرامج المذكورة واستيفاء الشروط والضوابط الفنية والتقنية المنصوص عليها في قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني ولائحته التنفيذية الصادرة رقم (109) لسنة (2005م) وفقًا لآخر تعديل صادر في (23) إبريل عام (2020م)؛ فإذا توافرت هذه الشروط مجتمعة: حُكِمَ بوقوع الطلاق، وإن افتُقدت أو أحدها: صُرفَ الطلاق إلى غيره، بأن يكون بدافع الغضب أحيانًا، أو التهديد، أو الهزل، أو مجرَّد رد فعل في موقف معين أحيانًا أخرى، دون وجود أيِّ نية لإيقاع الطلاق، أو قاصدًا بها الإخبار بطلاقٍ سابقٍ لا إنشاءه. 

 

طلاق 4

 

بيان أن الكتابة وسيلة من وسائل الطلاق

 

الطلاق هو رفع قيد النكاح، وركنه اللفظ الدال عليه، أو ما يقوم مقامه من الكتابة، حيث اعتبر الفقهاء الكتابة بالطلاق وسيلةً من الوسائل المعتبرة التي تقوم مقام اللفظ، وهي ليست مقصورةً على الكتابة على الأوراق فقط، بل تمتدُّ أيضًا لتشملَ كلَّ كتابة، ومنها: الكتابات الإلكترونية عبْر برامج الاتصال والتواصل الحديثة، كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها، وحكمها حكم التواصل الطبيعي إذا تحققت شروط حجيتها الشرعية والقانونية.

 

وهذا النمط من رسائل الاتصال والتواصل مشمولٌ بما نصت عليه المادة (1) من قانون رقم (15) لسنة (2004م) بشأن تنظيم التوقيع الإلكتروني، حيث نصت الفقرة (أ) منها على: [الكتابة الإلكترونية: كلُّ حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية أو رقْمية أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك] اهـ.

 

كما نصت الفقرة (ب) منها على: [المحرر الإلكتروني: رسالة بيانات تتضمن معلومات تُنشأ أو تُدمج، أو تُخَزَّن، أو تُرْسَل أو تُسْتقبل كليًّا أو جزئيًّا بوسيلة إلكترونية، أو رقْمية، أو ضوئية، أو بأية وسيلة أخرى مشابهة] اهـ، ممَّا يدلُّ على أنَّ الكتابة الإلكترونية بصورها المتنوعة يترتَّب عليها من الآثار ما يترتَّب على الكتابة الخطية على الورق.  

 

طلاق 10

 

صور الطلاق عن طريق الكتابة عند الفقهاء وحكم وقوع الطلاق بها

 

فَرَقَ الفقهاء في كتابة لفظ الطلاق بين صورتين:

الصورة الأولى: أن تكون الكتابة فيه غير مستبينةٍ، بحيث لا تبقى صورتها بعد الانتهاء منها (كالكتابة على الهواء أو الماء)، أو لا يمكن فهمُها أو قراءتُها: فهذه لا عبرةَ بها، أي: لا يقع بها طلاق حتى وإن نوى صاحب الكتابة، كما هو مقرَّر فقهًا؛ "لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقًا بالعدم"، كما قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 109، ط. دار الكتب العلمية).

 

قال العلامة المُحقِّق ابن عابدين الحنفي في "الدر المختار" (3/ 246، ط. دار الفكر): [ففي غير المستبينة: لا يقع الطلاق، وإن نوى] اهـ.

 

وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 463، ط. دار الكتب العلمية): [(لو كتب ناطق) على ما يثبت عليه الخط، كرقٍّ وثوبٍ وحجرٍ وخشبٍ، لا على نحو ماء، كهواءٍ (طلاقًا) أو نحوه ممَّا لا يفتقر إلى قبول كالإعتاق والإبراء، والعفو عن القصاص، كأن كتب: زوجتي أو كل زوجة لي طالق، أو عبدي حر (ولم ينوه) أي الطلاق أو نحوه: (فلغوٌ) لا يعتدُّ به على الصحيح] اهـ.

 

وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (5/ 345، ط. المكتب الإسلامي): [(وإن كَتَب صريح طلاقها) أي: امرأته (بما يبين) أي: يظهر (بخلافه) أي: بخلاف ما لو كَتَب صريح طلاق امرأته بما لا يُبين؛ كأن كتبه (بأصبعه على نحو وسادة) كعلى بساط أو حصير أو على شيء لا يثبت عليه الخط؛ كالكتابة على الماء أو في الهواء؛ فإنه لا يقع طلاقه] اهـ.

 

والصورة الثانية: أن تكون الكتابة مستبينةً، أي: واضحةً في كلماتها وحروفها، وباقية في صورتها (كالكتابة على الورق ونحوها)، فهذا النوع من الكتابة فرَّق فيه الفقهاء بين المرسومة -وهي الموجهة إلى شخصٍ بعينه والمعنونة باسمه- وغير المرسومة -وهي غير المُصدَّرة ولا المعنونة-، كما جاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 378، ط. دار الفكر). 

 

طلاق 8

 

وحكم الكتابة المستبينة غير المرسومة: تتوقف على نية صاحبها، إن نوى بها طلاقًا: وقع، وإلَّا: فلا.

 

قال الإمام برهان الدين ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (3/ 275، ط. دار الكتب العلمية): [وإن كانت مستبينة على وجهٍ يمكن قراءتها وفهمها؛ بأن كَتَبَ على الأرض أو الحجر، إلا أنه غير مُصدَّرٍ ولا مُعَنْوَن، وفي هذا الوجه: إن نوى الطلاق، يقع، وإن لم ينْوِ، لا يقع] اهـ.

 

وأمَّا الكتابة المستبينة المرسومة (المُصدَّرة والمُعنونة): فقد اختلف الفقهاء في توقُّف وقوع الطلاق بها على النيَّة من عدمه، والمختار للفتوى هو ما ذهب إليه الشافعية في الأصح والحنابلة في رواية (خرجها القاضي الشريف، وصوبها المرداوي)، حيث قرروا أنَّ الكتابة كنايةٌ من كنايات الطلاق لا يقع الطلاق بمجرَّدها؛ بل يتوقف وقوع الطلاق فيها على النية المصاحبة لها؛ وذلك لأن الكتابة محتملة، فقد يقصد بها أمورًا غير الطلاق؛ كتجربةِ وسيلةِ الكتابة أو أراد غمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها بتوهم الطلاق دون إرادة حقيقته، ومن ثَمَّ فلا يكون ناويًا للطلاق.

 

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (3/ 13، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينْوِ: لم يقع الطلاق؛ لأن الكتابة تحتملُ إيقاعَ الطلاق، وتحتمل امتحان الخط، فلم يقع الطلاق بمجردها] اهـ.

 

وقال الإمام السيوطي الشافعي في "الأشباه والنظائر" (ص: 295، ط. دار الكتب العلمية): [ولو كَتَب الطلاق، فهو كناية، فلو كتب كناية من كناياته، فكما لو كَتَبَ الصريح، فهذا كنايةٌ عن الكناية] اهـ. 

 

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "الغرر البهية" (4/ 252، ط. الميمنية): [أخذ الناظم في بيان الكناية، وهي ما يحتمل الطلاق وغيره فقال: (وبكناية، ككتب).. وبالكناية، ككتابة لفظٍ من ألفاظه صريًحا أو كنايةً لاحتمالها الطلاق، وتجربة القلم وغيرهما، سواء صدرت من حاضرٍ أم ناطقٍ أم غيرهما] اهـ. 

 

طلاق 5

 

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 486-487، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن كان كَتَبَ ذلك من غيرِ نيةٍ، فقال أبو الخطاب: قد خرَّجها القاضي الشريف في "الإرشاد" على روايتين.. والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ومنصوص الشافعي؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغمِّ الأهل، من غير نيةٍ، ككنايات الطلاق، فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه: لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع، فالكتابة أولى.. ويحتمل أن لا يقع؛ لأنه أراد غمَّ أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته، فلا يكون ناويًا للطلاق] اهـ.

 

وقد صوَّب جماعة من محققي الحنابلة القول بعدم الوقوع، حيث قال العلَّامة المرداوي في "الإنصاف" (8/ 472-473، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (وإن) (كتب طلاق امرأته) يعني: صريح الطلاق.. والثاني: أنه كناية، فلا يقع من غير نية. جزم به في "الوجيز". قال في "الرعاية": وهو أظهر. قلت: وهو الصواب. تقدم تخريج بأنه لغو مع النية] اهـ.

 

وقال في "التحبير شرح التحرير" (5/ 2157-2158، ط. مكتبة الرشد): [كَتَبَ صريح الطلاق من غير نيةٍ الطلاق به فللأصحاب في وقوع الطلاق بذلك وجهان.. والوجه الثاني: أنه كناية لا صريح، اختاره جماعة من أصحابنا منهم صاحب "الوجيز" وابن حمدان، وهو أظهر وأصح] اهـ.

 

وهو ما قرره متأخرو الحنابلة:

 

قال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 86، ط. عالم الكتب): [(فلو قال) كاتب الطلاق (لم أُرِد إلا تجويد خطي أو) لم أرد (إلا غمَّ أهلي) قُبِل؛ لأنه أعلم بنيته وقد نوى محتملًا غير الطلاق، أشبه ما لو نوى باللفظ غير الإيقاع، وإذا أراد غمَّ أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناويًا للطلاق (أو قرأ ما كتبه، وقال: لم أقصد إلا القراءة قُبِلَ) منه ذلك حُكْمًا] اهـ.

 

وقال العلامة مرعي الكرمي الحنبلي في "دليل الطالب لنيل المطالب" (ص: 261، ط. دار طيبة): [ومن كَتَب صريح طلاق زوجته، وقع، فلو قال: لم أُرِدْ إلَّا تجويد خطي أو غمَّ أهلي، قُبِل حُكْمًا] اهـ.

 

كما أن للحنابلة وجهًا مخرَّجًا بعدم وقوع شيء بالكتابة، نوى الطلاق أم لا، وقد مال إليه العلامة المرداوي أيضًا، حيث قال في "الإنصاف" (8/ 472-473): [قوله: (وإن كتب طلاق امرأته) يعني: صريح الطلاق.. قال في "الفروع": ويتخرج أنه لغو، اختاره بعض الأصحاب؛ بناء على إقراره بخطه. وفيه وجهان. قال: ويتوجه عليها صحة الولاية بالخط، وصحة الحكم به. انتهى. قال في "الرعاية": ويتخرج أنه لا يقع بخطه شيء، ولو نواه؛ بناء على أن الخط بالحق ليس إقرارًا شرعيًّا في الأصح. انتهى. قلتُ: النفس تميل إلى عدم الوقوع بذلك] اهـ.

 

وقال في "التحبير شرح التحرير" (5/ 2157): [ذكر الأصحاب أنه لو كتب صريح الطلاق ونوى به الطلاق.. وخرَّجوا قولًا بعدم وقوع الطلاق ولو نوى به الطلاق، بل هو لغوٌ] اهـ.

 

كما نصَّ محققو المالكية اعتبار كتابة لفظ الطلاق من الكنايات في حالة ما إذا وجهتِ الرسالة لأحدٍ غير الزوجة، ففرقوا في ذلك بين الفتوى والقضاء، فقرروا أنه لا يقع بذلك طلاق في الفتوى إذا لم يُرِد الزوج طلاقًا أو قصد به الهزل دون شَرَطٍ، أما في القضاء فيُشترط في عدم الوقوع أن يُشهِد على أنه لم يقصد بكتابة لفظ الطلاق حَلَّ العصمة أو تصدقه الزوجة في ذلك.

 

قال العلامة الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل" (4/ 149، ط. دار الكتب العلمية، ومعه "حاشية البناني"): [وفي عج: مسائل حسنة منها: كتابته لأبي زوجته أنه طلقها ليحضر لاشتياقها له، لا تُطَلَّق عليه في الفتوى أَشَهَدَ أنه لم يُرِد طلاقًا أو أقرَّتِ الزوجةُ معه بذلك، ولا ينافي ما تقدم من أن قوله: "وقصد" معناه: قصد التلفظ به وإن لم يقصد حَلَّ العصمة؛ لأنه لم يحصل لفظ هنا؛ بل كتابة من غير عزمٍ، ولا يَرِد على وصول الكتاب قوله الآتي: "وبالكتابة عازمًا أو لا؛ إن وصل"؛ لأن معناه: إن وصل للمحلوف بطلاقها، وهنا وصل لأبيها من غير ترددٍ في الطلاق، بل مع جزمه بعدمه] اهـ. ورمزُ (عج) يشار به إلى العلامة علي الأُجْهُوريّ [ت 1066هـ/ 1656م].

 

قال العلامة البَنَّاني مُحَشِّيًا عليه: [قول ز: لا تطلق عليه في الفتوى إن أشهد أنه لم يرد طلاقًا إلخ فيه نظرٌ؛ بل لا تطلق عليه في الفتوى مطلقًا أَشَهْد أو لا، وإنما هذا قَيدٌ فيما إذا أقيم عليه بخطه عند القاضي فإن كان أَشْهَدَ قُبِلَ أنه لم يقصد بما كتبه الطلاق فلا يلزمه أيضًا، وإن لم يكن أشهد بذلك لزمه] اهـ. ورمز (ز) يشار به إلى العلامة عبد الباقي الزرقاني [ت 1099هـ/ 1687م)].

 

فإن قيل: إننا مؤاخذون بما نتكلم به أو نعمل، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

قلنا: دلالة الحديث تؤيد ما قررناه؛ لأن المؤاخذة تكون النيةُ فيها مقارنةً عند العمل به، ومَن استعمل اللفظ وكتبه على نيةِ غير إيقاع الطلاق فهو لم ينو طلاقًا يؤاخذ به، قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 487): [والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به، أو الكلام، وهذا لم ينو طلاقًا، فلا يؤاخذ به] اهـ. 

 

طلاق 9

 

مدى وقوع الطلاق في صورة كتابة الزوج لفظ الطلاق في رسالة على وسائل التواصل وضوابط ذلك: 

 

مما سبق يتقرر أنه: إذا كتب الزوج رسالة موجهة إلى زوجته بلفظ طلاقٍ صريحٍ عبر وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة -كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها-، فهذا يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة سواء وجهه إلى الزوجة أو غيرها؛ لأن الكتابة من أقسام الكناية على المختار في الفتوى؛ وهو مذهب فقهاء الشافعية والحنابلة، ووافقهم المالكيةُ فيما إذا وجهه إلى غير الزوجة.

 

ويراعى في الحكم بوقوع مثل هذه الصور الكتابية من مسائل الطلاق -بناء على ما رسَّخته دار الإفتاء المصرية من منهجية التحقيق في ألفاظ الطلاق الكنائي- الآتي:

 

أولًا: أن يكون الزوج هو صاحب الرسالة المكتوبة بالفعل، وأن تكون الرسالة موجهة من الزوج لمعلومٍ قاصدًا إيصال مضمونها إلى زوجته (سواء أرسلها للزوجة أو غيرها).

 

ثانيًا: أن يكون اللفظ المكتوب في الرسالة هو ممَّا يستعمل في الطلاق.

 

ثالثًا: أن يتوفر لدى الزوج قصد إيقاع طلاق زوجته وقت كتابة الرسالة وإرسالها لا قبله ولا بعده، فإن كان عازمًا حينئذٍ على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك ولم يكن ناويًا للطلاق، لم يقع الطلاق.

 

رابعًا: أن يقصد بها إنشاءَ طلاقٍ في الحال، لا الإخبار بطلاقٍ سابقٍ يعتقد وقوعه، أو مجرد الكتابة أو أراد شيئًا آخر غير الطلاق كغَمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها ونحو ذلك.

 

وهذا كله مع مراعاة قواعد الإثبات والاعتداد بالمراسلات عبر البرامج المذكورة واستيفاء الشروط والضوابط الفنية والتقنية المنصوص عليها في قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني ولائحته التنفيذية الصادرة رقم (109) لسنة (2005م) وفقًا لآخر تعديل صادر في (23) إبريل عام (2020م)؛ حيث نصت المادة التاسعة من اللائحة المذكورة على: [مع عدم الإخلال بالشروط المنصوص عليها في القانون، تتحقق حجية الإثبات المقررة للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية لمنشئها، إذا توافرت الضوابط الفنية والتقنية الآتية:

 

(أ) أن يكون متاحًا فنيًّا تحديد وقت وتاريخ إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية، وأن تتم هذه الإتاحة من خلال نظام حفظ إلكتروني مستقلٍّ وغير خاضعٍ لسيطرة منشئ هذه الكتابة أو تلك المحررات، أو لسيطرة المعني بها.

(ب) أن يكون متاحًا فنيًّا تحديد مصدر إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية ودرجة سيطرة مُنشئها على هذا المصدر وعلى الوسائط المستخدمة في إنشائها.

(ج) في حالة إنشاء وصدور الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية بدون تدخل بشري، جزئي أو كلي، فإن حجيتها تكون متحققةً متى أمكن التحقق من وقتِ وتاريِخ إنشائها ومن عدم العبث بهذه الكتابة أو تلك المحررات] اهـ.

 

فإذا توافرت هذه الشروط مجتمعة: حُكِمَ بوقوع الطلاق، وإن افتُقدت أو أحدها: صُرفَ الطلاق إلى غيره، بأن يكون بدافع الغضب أحيانًا، أو التهديد، أو الهزل، أو مجرَّد رد فعل في موقف معين أحيانًا أخرى، دون وجود أيِّ نية لإيقاع الطلاق، أو قاصدًا بها الإخبار بطلاقٍ سابقٍ لا إنشاءه.

 

 
 

print