الثلاثاء، 23 أبريل 2024 08:32 م

ننشر نص كلمة أحمد أبو الغيط خلال جلسة أعمال المؤتمر الثانى للبرلمان العربى

ننشر نص كلمة أحمد أبو الغيط خلال جلسة أعمال المؤتمر الثانى للبرلمان العربى أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية
السبت، 11 فبراير 2017 12:34 م
كتب إبراهيم سالم
ينشر "برلمانى" النص الكامل لكلمة أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فـى الجلسة الافتتاحية لأعمال المؤتمر الثانى للبرلمان العربى ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية.

بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الدكتور مشعل بن فهم السلُمى
رئيس البرلمان العربى
معالى الدكتور إسلكـو أحمـد ازيـد بيـه
وزير الشئون الخارجية والتعاون للجمهورية الإسلامية الموريتانية
ممثلاً لفخامة رئاسة القمة
السادة رؤساء المجالس والبرلمانات العربية،
السيدات والسادة،

يسرنى ويشرفنى الترحيب بأصحاب المعالى والسعادة جميعا فى مقر جامعة الدول العربية "بيت العرب" بمناسبة "المؤتمر الثانى للبرلمان العربى ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية"، وأتوجه إلى معالى السيد الدكتور مشعل بن فهم السلمى رئيس البرلمان العربى على المبادرة الكريمة بالدعوة لعقد هذا المؤتمر الهام.. متمنياً لكم التوفيق والسداد فى فترة رئاستكم للبرلمان العربى فى هذه المرحلة العصيبة التى تمر بها أمتنا العربية ... وهى مرحلة تقتضى منّا جميعاً الاجتهاد فى دفع العمل العربى المشترك بكل أشكاله وفاعلياته، سواء فيما يتعلق بالحكومات أو البرلمانات أو منظمات المُجتمع المدني.

السيد الرئيس،
إن جامعة الدول العربية – كما نعرف جميعاً- مؤسسة للحكومات وللدول.. هذه هى طبيعة عملها وهذا ما أراده له مؤسسوها.. إلا أنها تظل فوق ذلك البوتقة الحاضنة لفكرة العروبة بمعناها الواسع، وتبقى الخيط الناظم لكل مسارات العمل العربى فى أبعاده الشعبية والرسمية على حدٍ سواء... وغنى عن البيان ما ينطوى عليه البعد الشعبى من أهمية بالغة فى هذه المرحلة بالذات .. فالعمل المُشترك ظل لسنوات طويلة حِكراً على الرسميين من ممثلى الحكومات، وكان فى ذلك إغفالٌ لجانبٍ مُهم من جوانب المنظومة العربية... ولا شك أن البرلماناتِ العربية تُعدُ التجسيد الحقيقى لإرادة الشعوب العربية، والممثل لطموحاتها والمعبر عن آمالها وتطلعاتها... وهى بذلك ركنٌ لا غنى عنه فى منظومة العمل العربي..

ولا يخفى عليكم جميعاً أن التهديدات التى تواجه دولنا الوطنية صارت تتعاظم كل يوم فى حدتها، وتتصاعد فى كثافتها وخطورتها.. وهى تهديدات تضرب للأسف فى كيان الدول، وتستهدف شرعيتها وبقاءها ككيانات سياسية موحدة ومستقرة... ولا شك أن الحُكم الرشيد، بمعناه الشامل، يُمثل الحصن الأهم فى مواجهة هذه التهديدات الخطيرة، ذلك أنه السبيل الأوفق للحفاظ على علاقة سليمة وصحية بين الحُكام والمحكومين، وهى علاقةٌ تسير فى طريقين، فيكون لدى الحُكام الفرصة للاستماع لآراء الناس والوقوف على رغباتهم وتصوراتهم عن المستقبل.. ويكون لدى الناسُ – من جانب آخر- الفُرصة لمناقشة ما يطرحه الحُكام من خطط وما يتخذونه من قرارات .. هذه العلاقة التبادلية هى من علامات الحُكم الرشيد، ومن مقومات الاستقرار الاجتماعى والسياسي.. وما من شكٍ فى أن إغفالها وتجاهلها أوصل بعضَ دولنا إلى ما نشهده للأسف من تفكك وتناحر واحتراب بعد أن انسدت قنوات الحوار والتواصل بين الحُكام والمحكومين، وساد بدلاً منها شعورٌ متبادل بالشكِ والريبة وانعدام الثقة...

إن البرلمانات والمجالس النيابية هى ركيزة أساسية من ركائز الدولة الوطنية الحديثة... وهى ليست، ولا ينبغى أن تكون، مجرد مظهر ديكورى أو كيان تجميلي.. فالمهام التمثيلية والتشريعية والرقابية، هى من صميم آليات الدولة الحديثة.. وبدونها تصيرُ الدول أقل منعة وأكثر عرضةً للاضطراب...والأمرُ متروكٌ بالطبع لكل دولة لكى تجد الصيغة الأمثل لعمل هذه الآلية.. الصيغة التى تُناسب مُعطياتها السياسية والاجتماعية بحيث تكون برلماناتها مُعبرة بحق عن واقعها الثقافى والاجتماعى ومُنسجمة معه...

إن اجتماعكم اليوم يكتسب أهمية خاصة كونه يُكرِس أعماله لبلورة رؤية عربية برلمانية شاملة لمواجهة التحديات الراهنة المُحدقة بالعالم العربي... وهى تحدياتٌ، وإن كانت تختلف من بلدٍ لآخر، إلا أن ثمة قواسم مُشتركة تجمع بينها.. ولا أخفيكم أن الصورة – كما أراها- ليست بأى حال وردية.. وأن التغيرات المُتسارعة فى الإقليم والعالم تستدعى منّا جميعاً انتباها كاملاً ويقظة حقيقية وإرادة جماعية للتحرك والفعل..

إننا نرصد إشارات متضاربة من الإدارة الأمريكية الجديدة... ونُفضِل أن نتريث وأن نُراقب ما يجري، فبعضُ توجهات هذه الإدارة فى التصدى للإرهاب بكافة صوره يتفق مع المصالح والأهداف العربية كما نفهمها .. كما أن موقفها من بعض القوى الإقليمية التى جاوزت المدى فى تدخلاتها فى الشئون العربية يُعد إيجابياً .. على أن الوقت ما زال مُبكراً للحُكم على مُجمل توجهات الإدارة أو مواقفها من العالم العربي.. وهناك بالقطع ما يُقلق فى بعض ما أُعلن بشأن القضية الفلسطينية، التى لا زالت عنوان أساسياً على أجندة الاهتمامات العربية.. إن الحكومة اليمينية فى إسرائيل تسعى إلى انتهاز فُرصة التشوش الحادث على الساحة الدولية، وما تظن أنه ضوء أخضر لها لتمعِن فى الاستيلاء على الأرض واستكمال مشروعها الاستيطانى البغيض الذى يقوض احتمالات تحقيق حل الدولتين.. ويجعل من الصعب إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القُدس الشرقية .. تعرفون جميعاً أن الإرادة الدولية اجتمعت على إدانة هذا النهج الإسرائيلى واعتبرت المستوطنات خروجاً على القانون فى القرار التاريخى 2334 الصادر عن مجلس الأمن فى ديسمبر 2016.. كما أن مؤتمر السلام الذى عُقد فى باريس الشهر الماضى وحضره ممثلون عن أكثر من سبعين دولة جددّ التزام المُجتمع الدولى بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطينى –الإسرائيلي.. وبقى أن يتحقق هذا الالتزام فعلياً وأن يجرى إنفاذ هذه الإرادة الدولية، فليس معقولاً ولا منطقياً أن تفرض دولةٌ واحدة إرادتها على المُجتمع الدولى بأسره، وأن تكون سبباً فى إشاعة هذا القدر من انعدام الاستقرار والاضطراب فى المنطقة، بل وفى العالم كله..

إن المجالس والبرلمانات العربية مدعوة إلى الإبقاء على قضية فلسطين حيةً، وعليها الاستمرار فى التحرك وتكثيف جهودها فى إطار الدبلوماسية البرلمانية مع نظرائها من البرلمانات الدولية لتأكيد مطالب الشعب الفلسطينى فى المحافل والمؤتمرات البرلمانية الدولية.. ولا تعارض أبداً بين الدبلوماسية الحكومية والدبلوماسية البرلمانية، فالأخيرة موازية للأولى ومكملة لها.

إن الأزمات التى تعصف ببعض بلداننا العربية، سواء فى سوريا أو اليمن أو ليبيا، تفرض على البرلمانيين العرب مسئولية ضخمة... فما يجرى فى هذه الأقطار العربية هو شأنٌ يهم المواطنين العرب من المُحيط إلى الخليج.. ويتعين على أعضاء المجالس النيابية والبرلمانات الاضطلاع بمهامهم فى مناقشة هذه القضايا الخطيرة، وطرحها للجدل العام، وإشعار الجمهور بأهميتها وخطورتها وضرورة التداعى الجماعى لمعالجتها والتعامل مع تبعاتها الخطيرة فى إطار منظومة العمل العربى المشترك حفاظاً على الدولة الوطنية العربية وسيادتها ومقدرات شعوبها.

إننا نشهد حالة غير مسبوقة من التكالب على العالم العربى من جانب قوى إقليمية تستغل فُرصة الفوضى التى ضربت بعض ربوعنا.. هذه القوى تعمل على إذكاء الفوضى وتعميق التفكك عبر تبنيها لمشروع طائفى يُقسم الأوطان على أساس الهوية الدينية، ويبث فيها بذور الشقاق والإحتراب.. ومن واجب الشعوب العربية، قبل الحكومات، مواجهة هذه المُخططات التخريبية التى تستهدف استقرارها بالدرجة الأولى، وترمى إلى تمزيق نسيجها الوطنى وتفكيكها.. وإننى على ثقة من أن قيادات العمل البرلمانى العربى على وعى كامل بهذه المخاطر، ولديهم إدراك لمسئولياتهم إزاء تنبيه الناس لها وتحذيرهم منها..

السيد الرئيس،
برغم ما يحمله المشهد من مخاطر لا تخفى، فإن المرء يشعر ببعض الطمأنينة عندما يلمس موقف الشعوب العربية الرافض للإرهاب بشتى صوره وكافة ممارساته.. لقد أطل الإرهاب بوجهه القبيح، وأمعن فى القتل العشوائى والخراب والفساد فى الأرض، فلم يعد هناك مجال للشك فى خُبث دوافعه، أو خطورة أهدافه أو ما يُمثله من خطرٍ على صورة الدين الإسلامى الحنيف.. إن مواجهة الإرهاب تستلزم اصطفافاً عربياً من الشعوب إلى جوار الحكومات... إنها معركة طويلة ولها جوانبها الاجتماعية والفكرية، ذلك أن تجفيف منابع هذا الفكر المنحرف الذى ينهل منه المتطرفون يقتضى جهداً حقيقياً على ساحة تطوير الخطاب الدينى والوصول به إلى قطاعات الشباب التى تقع فريسة سهلة لأجندة التطرف والعنف... وما من شكٍ فى أن البرلمانات العربية تضطلع بمهمة كبرى على مستوى العمل العربى المُشترك فى التصدى للإرهاب فهناك حاجة ماسة لتفعيل الأطر القانونية لمُجابهة العُنف والتطرف ومن بينها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ... كما أن على البرلمانات مسئولية لا تقل جسامة فى مجال تبنى قضية الخطاب الدينى باعتبارها قضية عربية كُبرى تمس حياة المواطن العربي، وتتصل بحاضره ومستقبله...

وأخيراً أكرر الترحيب بكم جميعا متمنيا لاجتماعكم النجاح فى أعماله والتوفيق فى التوصل إلى النتائج المرجوة منه، نتائج تعكس حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقكم وحرصكم الدائم انتم ممثلى الشعوب العربية تعزيز صمود امتنا العربية والحفاظ على وحدتها وتماسكها.


الأكثر قراءة



print