ووفقا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن أجندة القمة عدد من القضايا المُلحة والتي لها انعكاسات على أمن واستقرار المنطقة والعالم من بينها القضية الفلسطينية، التي تأتي على رأس الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة العربية بالمنامة، لما تمثله من خطورة تتعلق بالتصعيد الإسرائيلي المستمر تجاه غزة منذ السابع من أكتوبر، وما نتج عنه من قتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، فضلًا عن دخول الحرب في الشهر الثامن دون أي حسم، وغياب أي أفق أو نوايا إسرائيلية للتهدئة. الأمر الذي يقود إلى انجرار المنطقة برمتها إلى حرب إقليمية اتضحت مؤشراتها في توتر الحدود اللبنانية –الإسرائيلية، وفتح الجبهات في كل من العراق وسوريا، بالإضافة إلى التصعيد الحوثي في البحر الأحمر.
يضاف إلى ذلك، الإصرار الإسرائيلي على العملية العسكرية في رفح، وقيامها بانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، مع استمرار الجرائم التي تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني، وممارسة الضغوط للتهجير القسري للفلسطينيين، بما يدفع باتجاه تصفية القضية الفلسطينية.
وأكدت الدراسة على أهمية التوقيت الذي تنعقد فيه القمة من أجل صياغة رؤية عربية موحدة تبدأ بجهود حثيثة للتوصل إلى تهدئة ووقف إطلاق النار، وصولًا لإدخال المساعدات، مع فتح آفق الحل السياسي والتشاور حول آليات إعادة الإعمار في غزة، وترتيب البيت الفلسطيني من خلال توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت سلطة وطنية فلسطينية موحدة، والعودة إلى المسار السياسي لإحياء مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، مع التأكيد على الثوابت العربية فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بهدف تحقيق الاستقرار الإقليمي والدولي. والالتزام في هذا الصدد بالمرجعيات الدولية ومنها مبادرة السلام العربية، والقرارات الدولية ذات الصلة ومبادئ القانون الدولي.
وأشارت الدراسة إلى أنه يقع على عاتق القادة العرب خلال قمة المنامة بحث حالة الأزمات العربية في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات وصراعات ممتدة في ليبيا والسودان واليمن والعراق ولبنان، وتصاعد دور الفاعلين من غير الدول مثل وكلاء إيران في المنطقة، وما يقوم به الحوثيين من تهديدات لأمن البحر الأحمر، فضلًا عن التدخلات الأجنبية في شؤون الدول العربية، بما هدد حالة الأمن القومي العربي.
وأوضحت الدراسة، أن السودان شهدت حربًا منذ أبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية برئاسة الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” والدعم السريع برئاسة “محمد حمدان دقلو”، وما نتج عنها من تدمير البنية التحتية في الخرطوم، وسقوط العديد من القتلى والجرحى، ولجوء السودانيين إلى دول الجوار وعلى رأسها مصر، وبحسب تقديرات المفوضية، بلغ عدد اللاجئين المسجلين في أبريل الماضي بنحو 324,048 لاجئاً من السودان و41,733 من جنوب السودان، بما يفاقم من الأزمة الإنسانية وزيادة الضغوط على المجتمعات العربية المستضيفة.
كذلك تعقد القمة بهدف مواجهة الانسداد السياسي في ليبيا، وما يتعلق بملف إجراء الانتخابات، وتشكيل حكومة موحدة، فضلًا عن التشاور حول الصراع في اليمن نتيجة الخلافات بين الحوثيين والقوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي، والتهديدات الحوثية في البحر الأحمر.
وأكدت الدراسة أن الأبعاد غير التقليدية للأمن تحتل أولوية على أجندة القادة العرب خاصة أن هناك تأثيرات للتغيرات المناخية على أمن واستقرار دول المنطقة، بالإضافة إلى تصاعد مخاطر الهجرة واللاجئين وتزايد الضغوط الاقتصادية بما يؤثر على استقرار المجتمعات العربية، إذ تعاني أغلب الدول العربية من أزمات وتحديات اقتصادية تقتضي ضرورة الدفع في مسار التعاون العربي المشترك في مجالات الاستثمار والتبادل التجاري، وتنفيذ الاستراتيجيات التنموية المستقبلية لمواجهة مخاطر الفقر والجوع في دول الصراعات، لذلك ينعقد المجلس الاقتصادي الاجتماعي على المستوي الوزاري لمجلس الجامعة بهدف تنسيق الجهود العربية وتحقيق التكامل الاقتصادي المشترك، ومناقشة التبادل التجاري، وخفض التعريفات الجمركية، وتحقيق الأمن الغذائي للدول العربية.
وكشفت الدراسة عن أن انعقاد القمة العربية في المنامة له بعض الدلالات، منها أنها تنعقد بالتزامن مع التطورات الجارية في غزة، وما ترتبه الحرب من إعادة تشكل للإقليم، ويمثل انعقاد القمة في هذا التوقيت فرصة لتوحيد الرؤى العربية، واستعادة قوة القرار العربي التاريخي في مواجهة التحديات الإقليمية، والبناء على الخطوات والجهود العربية المبذولة من جانب مصر وقطر والأردن والسعودية والإمارات والكويت للتوصل إلى تهدئة في غزة.
ومن ناحية ثانية تعكس استضافة البحرين لأول مرة القمة العربية الدور الهام الذي تلعبه البحرين بقيادة الملك “حمد بن عيسى آل خليفة” بهدف التنسيق العربي المشترك في ظل الدبلوماسية البحرينية الفاعلة والوساطة التي تقوم بها في بعض الملفات.
ومن ناحية ثالثة، تُعد البحرين من بين الدول الموقعة لاتفاق التطبيع مع إسرائيل في 2020 بما قد يُسهم في دور مستقبلي لها بشأن التهدئة في غزة، وممارسة ضغوط على إسرائيل. كذلك ساهمت البحرين في تحالف حارس الازدهار الذي قادته الولايات المتحدة في ديسمبر الماضي بهدف خفض التوترات في البحر الأحمر ومواجهة التصعيد الحوثي، بما يجعل البحرين طرفًا هامًا في معادلة أمن البحر الأحمر، وإمكانية قيامها بدور الوساطة أو التفاوض مع الأطراف المختلفة.
ونوهت الدراسة عن أن قمة المنامة تهدف إلى مواجهة تهديدات الأمن القومي العربي، والمشروعات الإقليمية المتنافسة سواء الإيرانية أو الإسرائيلية أو التركية، في ظل غياب مشروع عربي قوي وموحد يحقق مصالح وأهداف الدول العربية، بما جعل المنطقة العربية مفككة وأصبحت الصراعات في عدد من الدول سمة غالبة عليها.
ومن ثم تنعقد القمة بهدف مواجهة الصراعات الممتدة في الدول العربية ومنها الأزمة في السودان من خلال التأكيد على التهدئة بين طرفي الصراع، والحيلولة دون انهيار الدولة، ورفض التدخل الخارجي في شؤون السودان، واستكمال المسارات العربية في هذا الصدد سواء مسار جدة في 11 مايو 2023 بهدف وقف إطلاق النار أو الجهود المصرية واستضافة الأطراف المتصارعة لحل الأزمة من خلال عقد “قمة دول جوار السودان” في القاهرة في 13 يوليو 2023 للمطالبة بوقف إطلاق النار بالأراضي السودانية.
يضاف إلى ذلك، تمثل قمة فرصة للبناء على خطوة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومواجهة ظاهرة المليشيات المسلحة بها، والتدخلات الخارجية في شؤون الدولة، وبحث سبل عودة وتأمين اللاجئين السوريين وعودة استقرار سوريا مرة أخري، مع مناقشة مسألة ضبط أمن الحدود، وتنامي تجارة المخدرات. بالإضافة إلى إمكانية قيام سوريا بدور في ضمان الأمن العربي، خاصة في ضوء العلاقات الوثيقة مع روسيا وإيران بما قد يُسهم في معالجة التهديدات وتحقيق الاستقرار.
كذلك يعد اجتماع القادة العرب ذو أهمية للتشاور حول الأزمة اليمنية الدفع في مسار التسوية السياسية ورفض التدخلات الخارجية في اليمن، ودعم مؤسسات الدولة، ومواجهة دور الحوثي بشأن تهديدات أمن الممرات الملاحية، والاستفادة من خطوات التقارب والاتفاق الإيراني –السعودي بهدف بحث هذه التوترات واستعادة استقرار اليمن.
ووفقا للدراسة تمثل القمة العربية خطوة هامة في إطار تثبيت التوجه نحو خفض تكلفة الصراعات والتوترات واستكمال وتيرة الحوار الإقليمي في ضوء توقيع اتفاق سعودي -إيراني لعودة العلاقات برعاية صينية في مارس الماضي، والتحركات العربية التي ساهمت في عودة سوريا إلى الجامعة العربية، والاتجاه إلى تفكيك الأزمات العربية لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والعمل على توحيد الصف العربي وإعلاء المصلحة العامة على الخاصة. بهدف مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفتح آفاق للتسوية السياسية في الصراعات في سوريا وليبيا واليمن والعراق، ومن ثم الانتقال إلى مراحل أكثر تقدمًا تقوم على بناء الدولة الوطنية وتحقيق التعاون الاقتصادي التكاملي بما ينعكس على أمن واستقرار هذه الدول.
كما تمثل القمة العربية فرصة لإعلاء الصوت العربي في وجه التهديدات المحيطة بالمنطقة، والضغط على الدول المساندة لإسرائيل، واستعادة محورية الدول العربية في معادلة ضبط الأمني الإقليمي، بالاستفادة من مساعي العراق لعودتها إلى محيطها مرة أخرى بإحداث توازن خارجي في علاقاتها الخارجية وتوجهها نحو التنمية، بالإضافة إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية، مع ضرورة استكمال خطوات التقارب السعودي الإيراني أو التقارب بين مصر وتركيا وبين مصر وإيران.
والعمل على خلق مسار عربي لمواجهة الأزمات العربية سواء القضية الفلسطينية أو حل الأزمات الممتدة في سوريا واليمن وليبيا ولبنان، وانتشال الدول العربية من دائرة الحروب بالوكالة والتدخلات الأجنبية، إذ فقدت الدول العربية سيطرتها على التفاعلات بالإقليم لصالح القوى غير العربية والفاعلين من غير الدول بجانب الدول الكبرى.
وأخيرا تمثل القمة العربية بالبحرين فرصة لمواجهة تهديدات الأمن القومي العربي، عبر إحياء وحدة الصف العربي، وتفعيل أدوات الضغط للدفاع عن القضية الفلسطينية، بما يقتضي إعلاء المصلحة العامة، وتنحية الخلافات الثنائية جانبًا، وانتهاج مسار غير تقليدي يتخطى الإدانات والشجب إلى مرحلة التكاتف والتضامن العربي الفعلى.