الجمعة، 10 مايو 2024 05:22 ص

كيف تتحقق "العدالة المناخية" ؟.. الدول الكبرى مسئولة عن تحمل ديون المناخ وارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية.. التقاضي المناخى يرسخ الحقوق المناخية.. و12 عنصرا لإنقاذ البلدان المتضررة

كيف تتحقق "العدالة المناخية" ؟.. الدول الكبرى مسئولة عن تحمل ديون المناخ وارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية.. التقاضي المناخى يرسخ الحقوق المناخية.. و12 عنصرا لإنقاذ البلدان المتضررة العدالة المناخية - أرشيفية
الأربعاء، 02 أغسطس 2023 09:00 ص
كتب علاء رضوان

-الإنبعاثات التراكمية لتغير المناخ فى قارة أوروبا مخيفة وتتحملها ظلماً قارتى إفريقيا وآسيا

-الدول الكبرى مسئولة عن تحمل ديون المناخ والإجهاد الحراري يؤثر على شعوب العالم وينال من الأمن العالمى 

-العواصف والفيضانات وموجات الحر والظواهر الجوية الحادة فروع من تغير المناخ

-الانبعاثات فى الدول الغنية سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية ، مما يعرض كوكب الأرض لخطر شديد لا تحمد عقباه

- اُناشد الصندوق الاستئماني الجديد للمرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي دعم البلدان المتضررة

 

يحتل الحديث عن ارتفاع درجة الحرارة وتغير المناخ الصدارة لدى الدول الكبرى والنامية على السواء والمنظمات الدولية لصالح البشرية، باعتبار أن تغير المناخ يأتى على رأس التحديات التي تواجه العالم فى العصر الحالى والمشكلة الأكبر عالمياً، ويأتي الحديث في تلك الأزمة لرفع مستوى الوعي العام بمفهوم العدالة المناخية، ودور مصر الجوهرى فى هذا المجال، وتلافى استغلال العناصر العدائية لأزمة باتت دولية .   

 

وفي الواقع، تُقر وتعترف العدالة المناخية بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المختلفة على المجتمعات التي تُسببها أزمة المناخ، وهي تؤكد أن هذه الازمة لا تؤثر على الجميع بالتساوي، فتدفع المجتمعات الضعيفة والمُهمشة الأقل مسؤولية عن الانبعاثات الفاتورة الأكبر لأزمة تغير المناخ لتنال النصيب الأكبر من تداعياتها المُدمرة، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تفاقم وتعميق أوجه عدم المساواة وحالات الظلم القائمة. 

 

Migration_road-996x567

 

كيف تتحقق العدالة المناخية؟

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بمدى تحقيق وكيفية العدالة المناخية، والإنبعاثات التراكمية لتغير المناخ فى قارة أوروبا المخيفة والتي تتحملها ظلماً قارتى إفريقيا وآسيا، وكيف تكون دول العالم مطالبة بالحفاظ على الاحترار العالمي أقل من 1.5 درجة مئوية، والانبعاثات فى الدول الغنية سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية، مما يعرض كوكب الأرض لخطر شديد لا تحمد عقباه، وهل أزمة تغير المناخ تؤدى إلى الهجرة؟ وغيرها من الأسئلة التي تُجيب عن العديد من الإشكاليات – بحسب دراسة للمستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان "العدالة المناخية تشرق على البشرية  من أرض الحضارة والتاريخ دراسة عالمية حديثة لمنازعات تغير المناخ".

 

أولاً: الإنبعاثات التراكمية لتغير المناخ فى قارة أوروبا مخيفة وتتحملها ظلماً قارتى إفريقيا وآسيا:

 

في البداية - إن تغير المناخ يورث الظلم، ذلك أن الدول التي تعاني أكثر من غيرها من آثار تغير المناخ ليست هى تلك التي ساهمت بأكبر قدر في نشأة هذه الظاهرة، فيضار كل بلد الأكثر فقراً وتهميشاً، وفضلاً عن ذلك  تخاطر الأجيال القادمة بالعيش في ظروف مناخية وبيئية أسوأ بكثير من ظروف الأجيال السابقة عليها، وهذا هو جوهر معالجة العدالة المناخية، ومن ثم فإن مفهوم "العدالة المناخية" يشمل جوانب مختلفة، أبرزها العدالة فى التوزيع والعدالة بين الأجيال، وبيان ذلك أنه نظرًا لأن المناخ هو منفعة عامة عالمية، فإن الآثار الضارة الناجمة عن زيادة الانبعاثات تقع على جميع البلدان وجميع الشعوب بلا استثناء، بغض النظر عن الدول المسئولة الأصلية عن وقوعها – وفقا لـ"خفاجى".

 

طط

 

وبعبارة أخرى أكثر تعمقاً فإن التغير المناخي وإن كان سيؤثر على جميع البلدان، إلا أنه يؤثر بصورة أكبر من حيث المخاطر الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمؤسسية على الدول النامية الأكثر فقراً ومعظمها يقع فى إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الوسطى والجنوبية والدول النامية الجزرية الصغيرة، والواقع بيانات الانبعاثات التراكمية منذ الثورة الصناعية  فى قارة أوروبا مخيفة - حسبما أعلنها علماء المناخ – الكلام لـ"خفاجى".

 

النسب المئوية للدول المسئولة عن الإنبعاثات في العالم

 

فالولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن 25٪ من الانبعاثات، والدول الـ 27 التي تشكل حاليًا الاتحاد الأوروبي بنسبة 22٪، والصين بنسبة 12.7٪ ، وروسيا  6٪ ، والهند 3٪ ، وترسم أرقام الانبعاثات الحاصلة عام 2022 صورة مختلفة، حيث تشكل الصين أكبر مصدر للانبعاثات بحوالي 28٪ في المرتبة الثانية الولايات المتحدة بنسبة 14٪، تليها الهند بنسبة 6٪ إلى 8٪، وبالطبع  لا يوجد في هذا الترتيب أي أثر لأكثر البلدان ضعفاً، والتي ساهمت بشكل هامشي في المشكلة سواء من الناحية التاريخية أو من حيث الانبعاثات الحالية، والحقيقة المخجلة لقارة أوروبا أن  القارة الأفريقية بأكملها مسئولة عن 3٪ فقط من الانبعاثات التراكمية على مستوى كوكب الأرض – طبقا لنائب مجلس الدولة. 

 

ووس

 

الظلم المناخى بين دول العالم

 

ويمكن القول أن هذا التناقض والتعارض الصارخ  بين تلك البلاد التى  ينبعثون أكثر من غيرهم وأولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم من عواقب تلك الانبعاثات هو أصل المشكلة للعدالة المناخية وقواعد الإنصاف، وهو ما ينعكس أثره  في مفاوضات المناخ الدولية التى يسجلها التاريخ، وفى نطاق المفاوضات الدولية، يتمثل الموقف التقليدي للعديد من الدول النامية في أنها لا تريد أن تخضع لنفس أهداف خفض الانبعاثات المطبقة على الدول المتقدمة الكبرى، لسبب بسيط  لأن ذلك من شأنه أن يعرقل مسار تنميتها وهو ما يشكل ظلمًا مناخياً مقارنة بتلك الدول الصناعية الكبرى . 

 

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ

 

وغنى عن البيان القول  بأن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)  والاتفاقيات المناخية اللاحقة - بروتوكول كيوتو واتفاقية باريس -  توصلت إلى صيغ وحلول وسط مختلفة تتعلق بتوزيع الجهود بين الأطراف تأسيساً على  مبدأ المسئوليات المشتركة ولكن بصورة متباينة، ومؤداه أن حماية المناخ هدف مشترك للمجتمع الدولي بأكمله، ولكن هناك التفريق في الأعباء على الدول  في ضوء المدى الذي ساهمت فيه في تدهور المناخ. 

 

ووي

 

على أن مبدأ المسئولية المشتركة عن تغير المناخ خضع لعملية تطور، لا سيما في الانتقال من بروتوكول كيوتو عام 1997 إلى اتفاق باريس عام 2015، ففى ظل بروتوكول كيوتو كان يتضمن تمييزاً واضحاً فى الالتزامات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، خاصة فيما يتعلق بخفض الانبعاثات، أما فى ظل اتفاق باريس فإنه تضمن إلغاء ما يسمى بالتشعب أو جدار الحماية  بين مجموعتي الدول من خلال وضع قواعد وأحكام مشتركة بين جميع الأطراف، ورغم كل ذلك فإن الواقع العملى على مسرح الحياة الدولية كشف النقاب عن أن الدول المتقدمة ما زالت مثقلة بأعباء أكثر شدة  تنال من التزامها  بتقديم المساعدات التكنولوجية والمالية إلى الدول النامية .  

 

البعد المكانى والزمانى والتأثر بالعدالة المناخية

 

على أن البعد المكاني ليس هو الوحيد الذي يتأثر بالعدالة المناخية وإنما هناك  أيضًا بُعداً زمنياً لا يجوز تغافله، وبيان ذلك أن  آثار تغير المناخ وما تبثه من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى تمس الأجيال اللاحقة عن سلوكيات  الأجيال السابقة، ومن هنا تبرز أهمية البعد الأخر للعدالة المناخية وهو ما يتعلق بالتقاضي المناخى، ونظرا لطبيعة الانبعاثات تطور التقاضي المناخي بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان أوروبا خاصة أستراليا منذ أواخر الثمانينيات، ثم انتشر هذا النوع من التقاضي إلى معظم دول قارة أوروبا على مدار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم انتشر فى معظم بلدان العالم فى مختلف القارات .   

 

619841-2032049226

 

أين يقع الجزء الأكبر من منازعات المناخ؟ 

 

على أن الجزء الأكبر من منازعات المناخ  يتركز في الولايات المتحدة الأمريكية – حسبما ورد فى قاعدة البيانات لمركز "سابين"  لقانون تغير المناخ بجامعة كولومبيا عام 2021 – كما يتركز نصيب الأسد فى دول أوروبا خاصة الدول المتقدمة والصناعية الكبرى بلا استثناء وقليل من قارات اَسيا وإفريقيا على أن معظم منازعات المناخ تتعلق ببعض الإخفاقات المناخية من قبل الدول ذاتها أو الشركات متعددة الجنسيات أو شركات الوقود الأحفوري أو شركات الكربون الكبرى، المسئولة عن أكثر من 60٪ من انبعاثات الغازات، وتأثيرات الاحتباس الحراري المنبعثة حتى الآن في الغلاف الجوي.

 

ثانياً : دول العالم مطالبة بالحفاظ على الاحترار العالمي أقل من 1.5 درجة مئوية:

 

ويذكر الدكتور محمد خفاجى لقد بات العالم اليوم مطالباً بتعزيز الالتزامات بالحفاظ على الاحترار العالمي أقل من 1.5 درجة مئوية، وهذا يتطلب التخلص التدريجي السريع من إنتاج الفحم والنفط والغاز من أجل تقليل انبعاثات الكربون، والمشكلة التى تثور على بساط البحث هى كيفية ضمان أن يتم ذلك بطريقة عادلة للبشرية، وقد أعلنت البلدان عن الإلغاء التدريجي لتوليد الكهرباء باستخدام الفحم، وإنهاء التمويل العام الدولي لجميع أنواع الوقود الأحفوري بقيمة حوالي 18 مليار دولار سنويًا، وتسريع الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفورى، لذا يتعين الالتزام بضمان تعويض البلدان النامية عن الخسائر والأضرار التي يعانون منها بالفعل نتيجة لتغير المناخ ودعم الدول الفقيرة لمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية الواسعة للانتقال السريع إلى الطاقات المتجددة .   

 

28780-حكم-محكمة_المحامي-علي-محسن-زاده-مكتب-محاماة

 

ثالثاً: العلماء ينادون بثلاثة إجراءات رئيسية بشأن تغير المناخ :

 

العلماء ينادون بثلاثة إجراءات رئيسية يجب اتخاذها لضمان انتقال عادل للطاقة: 1- تنظيف سلاسل توريد المعادن الانتقالية، 2- دعم النفط والفحم والغاز منخفض الدخل بالتكنولوجيا والمساعدات المالية لدعم التنويع الاقتصادي بعيدًا عن الوقود الأحفوري، 3- ضمان الشفافية والمساءلة والمشاركة العامة في عمليات صنع القرار، بما في ذلك أصوات الأشخاص الأكثر تأثراً بتغير المناخ وانتقال الطاقة، على نحو ما ورد بإحدى الندوات عبر الإنترنت خلال قمة COP26  لمناقشة الفرص والمخاطر المرتبطة باستغلال المعادن الانتقالية في بلدان جنوب الصحراء الكبرى، ودور منظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالمناخ من أجل تحقيق العدالة المناخية.

 

رابعاً: الانبعاثات فى الدول الغنية سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية، مما يعرض كوكب الأرض لخطر شديد لا تحمد عقباه:

 

ويشير "خفاجى": إلى أن الأمر الواقع ويمثل مرارة دولية، أن البلدان الرئيسية التي تطلق الانبعاثات ومعظم الدول الغنية لا تتحرك بالسرعة الكافية، وأن الواقع على مسرح الحياة اليومية سيؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.4 درجة مئوية، مما يعرض كوكب الأرض لخطر شديد لا تحمد عقباه، وإزاء ذلك وعلى الجانب الأخر فإن الدول الكبرى والصناعية والشمال العالمي لا يضع أهمية كبرى  على إيجاد أموال لمساعدة البلدان الأقل ثراءً في تنفيذ تحول الطاقة الخاص بها خاصة  رفض آلية تعويض الخسائر والأضرار، عن طريق  صندوق خاص وكل ما يدار فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون نقاشاً وحواراً دون ثمة التزام واقعى . 

 

images

 

خامساً: اناشد الصندوق الاستئماني الجديد للمرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي دعم البلدان المتضررة  

 

كما أن الأمل معقود فى الصندوق الاستئماني الجديد للمرونة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى دعم البلدان في استجابتها لتأثيرات أزمة المناخ وتحول الطاقة لديها، ولا يزال هو الأخر يتعين تنفيذه بشكل صحيح يتفق ومنهج أزمة المناخ وتأثيراتها على الدول النامية، وعلى دول العالم الإسراع لتسهيل التنويع الاقتصادي والوصول إلى الطاقة النظيفة ونقل التكنولوجيا تجاه البلدان النامية والفقيرة الأكثر تضرراً من تغير المناخ، ويتعين أيضاً الاهتمام بموضوعات استخراج المعادن الضرورية لإنتاج وتخزين الطاقة المتجددة مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس وما إلى ذلك  بحسبان أن التعدين السيئ لا يمكن أن يوفر الطاقة النظيفة .

 

سادساً: التقاضي المناخى يرسخ الحقوق المناخية الاَمنة إذا أخفق التعاون الدولي  

 

والتعاون الدولي في السياق متعدد الأطراف يعد أول أفضل طريق لتسوية منازعات المناخ، ويأتى التقاضي المناخى ثاني أفضل طريق فى مكافحة تغير المناخ، وهذه الأسبقية فى نظرنا تمثل الأسرع والأقدر فى مكافحة تغير المناخ فالقادة السياسيين أقدر من المحاكم الوطنية على القيام بهذا الدور خاصة أن هناك صعوبات جمة لتحقيق العدالة بين الأجيال، فالبعض يرى أنه لو تعمقنا فى حق التقاضى المناخى فإنه لا يمثل الصورة  الأكثر ملاءمة لحماية الأجيال القادمة، وصحيح أن قضاة العالم لديهم القدرة على الإبداع القانوني فى مجال المناخ، لكن هذا الإبداع فى ثمرة حق التقاضي يتعلق بطبيعته بالنظر إلى الماضي أى ما أصاب الأجيال الحالية من مضار دون الأجيال المستقبلية، لكن هذه النظرة ليست صحيحة على اطلاقها لأن كل جيل من القضاة المبدعين يقدرون على مكافحة تغير المناخ للجيل الذى يعيش فى ظله المساس بالمناخ الاَمن – هكذا يقول "خفاجى" .   

 

images (2)

 

سابعاً: تغير المناخ هو التحدى الأكبر لحقوق الإنسان عالمياً في القرن الحادي والعشرين:

 

وتغير المناخ يعد أهم قضية لحقوق الإنسان عالمياً فى القرن الحادى والعشرين، لأنه يؤثر على سبل عيش البشرية  وصحة شعوبها، ورجالها ونسائها وأطفالها  ومواردها  الطبيعية، مما يعرقل ممارسة التنمية المستدامة، ومن ثم يجب أن ننظر إلى تغير المناخ من منظور حقوق الإنسان والعدالة البيئية، ولقد باتت مسئولية تاريخية تقع على عاتق الدول الغنية، ولعلنى لا اُبالغ فى القول بأن أكبر تحد لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين هو تغير المناخ، وهو ما يثير مسؤلية الدول المتقدمة عن أخلاقيات المناخ المسئولة عن ظاهرة الاحتباس الحرارى حتى يمكن تلافى عدم المساواة بين الأجيال بالنسبة للتغيرات المناخية، ويتعين على قادة العالم أن يبحثوا قضية العدالة بين الأجيال الحالية والأجيال القادمة  إزاء تغير المناخ من ناحية و يجب مساعدة الدول الضعيفة على التكيف مع تغير المناخ من ناحية أخرى .

 

ثامناً: مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ :   

 

ومن القضايا المهمة فى أزمة تغير المناخ مسئولية الدول الكبرى فى تحمل ديون المناخ، لأن الدول النامية التي تفتقر إلى الأموال ولا تملك الإنفاق على تكاليف ما سببته سياسة ونهج وأساليب الدول المتقدمة فى تغير المناخ ، فإقامة توربينات الرياح أو بناء دفاعات ضد الفيضانات لا تملكها الدول النامية الفقيرة، وليس من العدالة المناخية أن تكون الدول الغنية فى مأمن من تحمل المسئولية أو المشاركة أو الإسهام فيما خلفه التقدم التكنولوجى بها لدى الدول الفقيرة، فهى فى الأصل ديون يجب أن تتحملها تجاه إعادة توزيع الثروة بين البلدان عن طريق التمويل للتخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه فى ذات الوقت، حيث تحتاج الكثير من الدول النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة من المال على التكيف مع تأثيرات المناخ، مما يتوجب معه التوازن بين تمويل التكيف والتخفيف من حدة تغير المناخ. 

 

image

 

تاسعاً: العواصف والفيضانات وموجات الحر والظواهر الجوية الحادة فروع من تغير المناخ :

 

وهناك أزمات من تغير المناخ مثل العواصف والفيضانات وموجات الحر، وتأثيرات الظواهر الجوية الحادة، مما تسبب الوفيات والخسائر الاقتصادية، وعلى الرغم من أن الاحترار ليس موحدا على كوكب الأرض، فالبلدان القريبة من خط الاستواء معرضة بشكل أكبر لخطر تجاوز هذا حد الاحترار الطبيعى، ولا  يغيبن عن البال أن  تزداد درجة الحرارة سوءًا بسبب حقيقة مؤلمة أن العديد من الدول النامية  لا تملك البنية التحتية للتعامل مع درجات الحرارة القصوى، ولا ريب أن التأثير الأكثر مباشرة لتغير المناخ على الناس هو الإجهاد الحراري, مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية ، حيث تتزايد موجات الحر، ووفقا لأحدث الدراسات انتهت إلى أن ثلث الوفيات المرتبطة بالحرارة ناتجة عن تغير المناخ، وفى دراسة أخرى وجد أن الاحترار سيؤدي إلى عدم المساواة في النشاط الاقتصادي.

 

وفضلا عما تقدم  - هناك مكمن الخطر على البشر فى الأعاصير والفيضانات والعواصف، ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر تتعرض الأراضى المنخفضة لخطر الفياضانات بصفة دورية كل حقبة  من الزمن، وقد أشارت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن المناطق القريبة من المناطق المدارية ستتأثر بشكل خاص بارتفاع مستوى سطح البحر، وأن عبء مخاطر الفيضانات الساحلية الحالية والمستقبلية لم يعد قاصراً على الدول الساحلية فحسب  بل يمتد أيضاً إلى  المناطق الإستوائية خاصة فى قارة اَسيا، ومضت تلك الدراسة تقول أنه حتى لو ارتفع مستوى سطح البحر العالمي بمقدار متر واحد فقط بحلول نهاية القرن الحادى والعشرين، ولم يتغير عدد السكان وتوزيعهم في هذا الوقت، فإن عدد الأشخاص المعرضين لخطر الفيضانات سيرتفع من 267 مليونًا إلى 410 ملايين شخص، وأن 72٪ من هؤلاء الناس سيكونون في المناطق الإستوائية، و 59٪ في آسيا الإستوائية وحدها، ولا ريب أن الخسائر الاقتصادية النسبية والوفيات فى الدول النامية عادة ما تكون كبيرة مقارنة بسكان الدول المتقدمة وقوتها الاقتصادية بسبب قدرة الأخيرة  على التكيف.

 

image1170x530cropped

 

عاشراً : أزمة تغير المناخ تؤدى إلى الهجرة :

 

وفى بعض مناطق العالم تكون غير صالحة للعيش فى ظل  الارتفاع الحاد  لدرجة حرارة المناخ، ولا ريب أن موجات الحر والفيضانات والجفاف وندرة المياه وغياب الأمن الغذائى تعتبر ضغوطاً  إضافية على الشعوب، قد تجبر بعض الناس إلى مغادرة منازلهم وإلى الهجرة، والهجرة بسبب تغير المناخ تكثر فى الدول النامية الفقيرة وتقل فى الدول الصناعية المتقدمة الثرية، لذا فإن التهجير القسري للسكان بسبب تغير المناخ يعد حديثاً على القمة من بين قضايا حقوق الإنسان .

 

وللدلالة على خطورة أزمة تغير المناخ على الهجرة يكفى أن نضرب مثالا ببنجلاديش حيث وردت فى بعض الإحصاءات أن 4.1 مليون شخص قد نزحوا نتيجة الكوارث المناخية في عام 2019 وهو  ما يعادل 2.5٪ من إجمالي السكان، وأضافت تلك الإحصاءات أنه يمكن أن يتشرد 13.3 مليون شخص بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050، وستظل نسبة 18٪ من الأراضى الساحلية مغمورة بحلول عام 2080. 

 

images (1)

 

وفى هذا الإطار أشار تقرير للبنك الدولي لعام 2018 إلى أن تغير المناخ يمكن أن يدفع أكثر من 140 مليون مهاجر داخلى بسبب تغير المناخ بحلول عام 2050، كما خلصت إحدى الدراسات الحديثة إلى أنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر غير المخفف إلى إعادة تشكيل توزيع السكان في بعض الدول، مما قد يؤدي إلى الضغط على المناطق غير الساحلية غير المستعدة لاستيعاب هذه الموجة من المهاجرين الساحليين .

 

حادى عشر: أزمة تغير المناخ تؤثر على الأمن العالمى  وتؤدى إلى الاضطرابات الاجتماعية :

 

وأزمة تغير المناخ تؤثر على الأمن العالمى وتؤدى إلى الاضطرابات الاجتماعية، وهذا ما أوضحه برنامج الأمم المتحدة للبيئة حيث ذهب إلى أن تغير المناخ يعد عاملاً مضاعفاً للتهديد وسبباً لزيادة الصراع، ووفقا لما أوضحه هذا البرنامج فإنه عندما تكون المؤسسات والحكومات غير قادرة على إدارة الضغط أو امتصاص صدمات تغير المناخ، فإن المخاطر على استقرار الدول والمجتمعات ستزداد، ذلك أن  تغير المناخ هو "التهديد المضاعف" الذي يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الهشة بالفعل وربما يساهم في زيادة التوترات والاضطرابات الاجتماعية . 

 

60e441044c59b7230a148ae4

 

الثانى عشر: التقاضي المناخي أداة لتحقيق العدالة المناخية :

 

ويشير د محمد خفاجى  بأن الاتجاه العالمى يشهد تطوراً ملموساً في التقاضي بشأن تغير المناخ، حيث يتزايد الاهتمام بالتقاضي المناخي كأداة لتحقيق العدالة المناخية، إذ تتمتع بعض المحاكم فى بعض الدول بصلاحية النظر في عدم اتخاذ أي إجراء بشأن تغير المناخ على المصالح المحمية قانونًا  ومنها  حقوق الإنسان، وأيضاً  إجراءات  الضرر والإزعاج العام، وفي عام 2015، سجلت محكمة لاهور العليا  بباكستان، أن تأخر الحكومة في تنفيذ سياساتها المناخية ينتهك  الحقوق الأساسية للمواطنين، تلاها رفع دعاوى مماثلة في دول بلجيكا والبرازيل وهولندا وألمانيا وبنجلاديش ونيبال خاصة مسألة العدالة بين الأجيال، وأصبح التمسك بحقوق الإنسان الأساسية من ناحية وواجب الدولة في حمايتها من ناحية أخرى هى إحدى الاستراتيجيات المهمة في التقاضي المناخي للتغلب على المعايير القانونية التقليدية فى  قضايا المناخ.

 

وعلى صعيد الواقع العملى فإن المحاكم لا تزال غير قادرة دائمًا لمعالجة بعض النتائج غير العادلة لتغير المناخ بسبب خلو أنظمتها القانونية من تنظيم التقاضى عن قضايا تغير المناخ وتأثيره على المواطنين، وكثير من الأنظمة القانونية على مستوى العالم غير مؤهلة  للتعامل مع الهجرة الناجمة عن المناخ حيث لا توجد معاهدات متعددة الأطراف أو قوانين وطنية تعالج هذه المسألة على وجه الدقة مما يتطلب تحديث القوانين والتشريعات  في ضوء حقيقة أن تغير المناخ يمثل تحديًا كبيراً للقرن الحادي والعشرين، ويمكن أن يتطور التقاضي إلى أداة للدول النامية الضعيفة لمحاسبة الدول المتقدمة والشركات التي تعتبرها مسئولة عن تغير المناخ، ومنها مقاضاة شركات الوقود الأحفوري.

images (
 
خفاجى
 
المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة

print