شخصية "وداد" فى مسلسل جعفر العمدة وشقيقه "سيد" لم تكن من وحى خيال الكاتب، فكل من يعمل فى الحقل القانونى اصطدم بها كثيرا فى الواقع حيث أن "وداد" واحدة من نسوة سلكن أيسر الطرق وأشرها للخلاص من أزواجهن وتسريح أنفسهن "عنوة وخلسة" دون علم أو رضاء الزوج، بالغش والخديعة والإحتيال والانحراف والإعلانات المضروبة المعروفة بـ"الإعلان الأمريكانى" عن جادة حسن النية الواجب توافرها في التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات.
فالبعض من النساء اللواتى إخترن الفراق السريع دون التقيد بإجراءات قد تطيل أمد التقاضى، فيسلكن طرق التقاضى غير عابئين بتمثيل الخصم تمثيلا صحيحا وفقا لنصوص قانون المرافعات، وهذا ما حدث مع الشاب "على. م" الذى جاء من بلدهم الريفية إلى المدينة التى ابهرته بأضوائها وجمال بناتها "اللى يحلو من على حبل المشنقة"، كما يُردد دائما بلغة أهل البلد، ولكن عادة ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن.
شخصية "وداد" و"سيد" تظهران في المحاكم
لكن الأصيلة بنت الأصول مهرها غالى، بينما أراد "على" أن يعف نفسه، فجد واجتهد حتى شعر أنه يستطيع أن يفتح بيتا، حينها فكر في الزواج منها وأن يكمل نصف دينه، وبالفعل تزوجها، ولأنه لديه طموح تمنى أن يكون لديه بيت يمتلكه وأن لا يعيش في شقة بالإيجار حتى لو عند أهل زوجته، فهو في النهاية شاب ريفى يفكر ويخطط كى يكون له (دار) تأويه وتأوى أولاده من بعده، مثلما يفكر كل شاب ريفى طموح يسعى إلى تكوين نفسه وتحقيق ذاته، فالعيش في شقة إيجار ما هو إلا مرحلة مؤقتة لتحقيق هدفه.
وبالفعل سافر الشاب "على"، وجد واجتهد ليبنى نفسه ومستقبله، وكانت هي تعيش في شقة بـ"الإيجار" في بيت والدها، وكان الشاب "على" يرسل كل نفقاتها بالزيادة حتى لا تشغله بطلباتها عن تحقيق هدفه في أن يكون له بيت "ملك"، بينما هو كذلك طالت الغيبة والزوجة استأت من طول الغياب، وهو حق لها ومشروع إلا أنها سلكت طرق غير مشروعة، فأقامت ضده دعوى تطليق للضرر حتى تحصل على حقوقها كاملة، وإدعت كذبا وزورا مثلما ورد فى صحيفة دعواها - التى طلبت فى ختامها بتطليقها على المدعى عليه طلقة بائنة للضرر، وأمره بعدم التعرض لها فى أمور الزوجية مع إلزامه المصاريف والأتعاب.
استغلت سفر زوجها بالخارج للعمل.. واستولت على "تحويشة العمر"
وكتبت في صحيفة دعواها أنها زوجة للمدعى عليه بصحيح العقد الشرعى، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ولا تزال في عصمته وطاعته حتى الآن، إلا أنه قد أساء معاشرتها لتعديه عليها بالضرب والسب بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وقد تحرر عن ذلك عدة محاضر شرطة بما يمثل ضررا لها لا تستقيم معه الحياة الزوجية فيما بينهما، وقد طالبته بتطليقها للضرر الذي لحقها إلا أنه رفض، مما أضطرها إلى تقديم الطلب الي مكتب تسوية المنازعات الأسرية بمحكمة الأسرة، لكنه لم يستجب مما حدا بها لإقامة دعواها الماثلة للقضاء بطلباتها السالفة.
والعجيب أن كل هذه الإجراءات تمت وهو لا يزال في الغربة ولا يعلم شيئا عما يدور، وبالفعل أقامت الدعوى وأعلنت على عنوانها – الذى هو بيت أبيها - وإحيلت الدعوى للتحقيق، واستمعت المحكمة لشاهديها، وقضت المحكمة بتطليقا على المدعى عليه طلقة بائنة للضرر، وبذلك الطلاق تحصل على حقوقها كاملة دون نقصان، فهى حتى لم تفكر في "الخلع" وتكتفى بما استحوذت وأستولت عليه منه، والأدهى والأمر أن الشاب "على" ظل يرسل لها نفقاتها بعد حكم الطلاق بـ 3 سنوات إلى أن علم بأنها حصلت على حكم بطلاقها وتزوجت من أخر.
وحصلت على حكم طلاق للضرر بـ" الغش والإعلانات المضروبة"
وفى تلك الأثناء – رجع الشاب "على" من سفره، وعلم بتفاصيل ما حدث، ورغم أنه كان من الممكن أن يقع في جريمة قتل بعد كل هذه الخيانة التي تعرض لها، إلا أنه لجأ لإتخاذ الإجراءات القانونية حتى لا يضيع مستقبله وينطبق عليه مقولة "هيبقى موت وخراب ديار"، وبالفعل قام محاميه المستشار عصمت أبو لبدا بالطعن على الحكم بالإستئناف الذى طلب فى ختامه الحكم بقبول الإستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف "الطلاق للضرر" بكافة مشتملاته لبطلان صحيفه الدعوى، ذلك لأسباب حاصلها الخطأ فى تطبيق القانون، وبطلان الحكم المستأنف لعدم انعقاد الخصومة، واستند الإستئناف على عدة أسباب لإلغاء الحكم ببطلانه لعدم إعلانها بصحيفة الدعوي على موطنه حيث قامت الزوجة بإعلانه "إعلان أمريكانى" مضروب.
المحكمة في حيثيات الحكم كشفت عن طريق الإعلان حال النزاع أو الخصومة حيث قالت: إذ تمهد المحكمة لقضائها بأنه من المقرر قانونا بنص المادة 67 مرافعات بأنه يقيد قلم كتاب الدعوي في يوم تقديم الصحيفة في السجل الخاص بذلك، وعلي قلم الكتاب في اليوم الثاني علي الأكثر يسلم أصل الصحيفة وصورها إلى قلم المحضرين لإعلانها ورد الأصل إليه، وكذلك ما نصت عليه المادة 68 مرافعات على أنه: " على قلم كتاب المحضرين أن يوم اعلان ـ المحضرين أن يقوم بإعلان صحيفة الدعوي خلال ثلاثين يوما على الأكثر...."، ولا تعتبر الخصومة منعقدة فى الدعوى إلا بإعلان صحيفتها الى المدعى عليه ما لم يحضر بالجلسة.
المقرر قضاء أن قاعدة الغش يبطل التصرفات
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن المستفاد من النصين المتقدمين أنه يلزم لانعقاد الخصومة إعلان صحيفتها المستوفاه للبيانات المنصوص عليها وفقا للماده 63 مرافعات، وذلك لتسليمها لقلم المحضرين لإعلانها ويجوز تسليمها للمدعي ليقوم بالإعلان لتسليمها المحضرين وردها لقلم الكتاب بعد الإعلان ومن البيانات الجوهرية في الصحيفة لبيان موطن طرفي الخصومة بيانا واضحا لا لبس فيه ما أن وقع غش من المدعي في بيان موطن المدعي عليه وحتى لو استوفت ظاهريا لأوامر القانون فإن الإعلان يبطل المقرر قضاء أن قاعدة الغش يبطل التصرفات هي قاعدة قانونا سليمة ولو لم يجريها نص خاص في القانون، وتقوم علي اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والإحتيال وعدم الإنحراف عن جادة حسن النية الواجب توافرها في التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات، ولذا يبطل الحكم إذا ثبت أنه صدر عن إجراءات تنطوي علي غش بقصد منع المدعي عليه من العلم بالدعوي وإبداء دفاعه فيها رغم استيفائها ظاهريا وأمر القانون.
ويجوز إثبات الغش بكافة طرق الإثبات القانونية
وبحسب "المحكمة": ويجوز إثبات الغش بكافة طرق الإثبات القانونية وأن استخلاص عناصر الغش وتقدير ما ثبت به هذا الغش من سلطة محكمة الموضوع بشرط أن تقيم قضائها علي أسباب سائغة، وأنه لما كان الثابت لدي المحكمة من شهادة التحركات المرفقة أن المستأنف غادر البلاد في تاريخ "......"، وعاد إليها في "....." أي أن المستأنف كان خارج البلاد منذ رفع الدعوي أمام محكمة أول درجة وحتى صدور حكم فيها - مما بين فيه بجلاء الغش الذي عمدت إليه المستأنف ضدها فى إقامة الدعوى بغرض الحصول على على الحكم المستأنف فى غيبه المستأنف الزوج ودون علمه وبإجراءات غير صحيحة، ومن ثم يكون النعى لبطلان الإعلان بالدعوى قد جاء على سند صحيح تنتهى معه المحكمة الى القضاء بالغاء الحكم المستأنف والقضاء مجددا ببطلان الاعلان بصحيفة الدعوى المبتدأة.
المحامى عصمت أبو لبده - محامى الزوج المتضرر
المحكمة تنصف الشاب "على" وتلغى حكم الطلاق للضرر
وبالفعل تم إلغاء حكم الطلاق، ولكن في هذا التوقيت كانت هي متزوجة من أخر، ورفض الشاب "على" أن يتخذ ضدها الإجراءات القانونية لإعتبارات مشروعه، فهو شاب ريفى لا يسعى إلى الفضائح ولا يرجوا من الله سوى الستر، ولولا إصرارها على أفعالها ومقاضاته بالغش والتزوير والكذب ما اضطر يوما أن يلجأ للقضاء، وتركها لله بما أخذت واستولت عليه، بينما عوضه الله خيرا وأصبح من ذوى الأملاك لديه أبراج وعقارات وفلل بعد أن تزوج من أخرى وأنجب منها، بينما التي خدعته وغدرت به طُلقت من زوجها، لأن دائما الغدر نهايته شؤم لا راحة فيه أبدا.
"وداد" تعود بعد 10 سنوات وتقيم ضده دعوى تبديد منقولات زوجية
ولكن الغريب في الأمر أن الحكاية لم تنتهى عند هذا الحد، فقد قامت هذه السيدة بعد طلاقها برفع جنحة تبديد منقولات زوجية – لك أن تتخيل – بعد مرور حوالى 10 سنوات من حكم الطلاق على الرغم من أن هذه المنقولات كانت في الأساس بحيازتها لأنها كانت متزوجة فى بيت أهلها، وفوجىئ بحكم غيابى بالحبس لتبديد منقولات السيدة "وداد" وفى هذه الفترة كانت قد تزوجت من "زوج ثالث"، فيما اكتفى الشاب "على" بالمعارضة فى الحكم وأثبت للمحكمة كذب وافتراء "وداد" بالمستندات وحصل على حكم البراءة فى المواجهة والنيابة لم تستأنف الحكم، ليصبح الحكم نهائيا.