تحل علينا اليوم السبت، الذكرى الـ 51 هجريا لانتصار العاشر من رمضان، التي وقعت أحداثها 1393 هجرية، الموافق السادس من أكتوبر 1973 م فى تمام الساعة الثانية ظهراً، تلك الحرب التى تمثل الانتصار الأعظم فى تاريخ مصر، التى لم تكن مجرد حرب عابرة فى تاريخ العسكرية المصرية المليئة والحافلة بالبطولات، بل كانت حدثا فريدا من نوعه أثار العالم أجمع، حيث شهد هذا اليوم أكبر الانتصارات المصرية والعربية، وتمكن المصريون حينها من عبور قناة السويس، أكبر مانع مائي فى العالم، وتحطيم دفاعات خط بارليف الحصينة، وتلّقى العدو ضربة قاسية تحطمت فيها أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
وفى الحقيقة تُعد الحروب فى الغالب هي التجربة الأكثر مقدرة على ترك أثر فى مصير الدول والبصمة على الأرض، حيث يظهر من خلالها معادن الرجال ومدى قدرة صلابة الشعوب في مواجهة الأزمات، فالدولة بكل ما تملكه من عناصر ومقومات بشرية تصبح على المحك في مثل هذا الاختبار الكبير في محاولة لاسترداد الحق أو دفع العدوان.
معدل الجريمة في حرب أكتوبر = (صفر)
الشعب المصرى بكافة مستوياته يحتفل اليوم السبت بالذكرى 51 هجريا – 50 ميلادية لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة 1973، حيث تُدشن تلك الاحتفالات ابتداء من اليوم حتى نهاية الشهر، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه خلال تلك الاحتفالات، كيف كان حال الجريمة فى مصر أثناء تلك المعركة الحاسمة، ومدى قدرة الشعب على الخروج من النكسة التى تعرض لها.
تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة
وفى الحقيقة فإن المثل العربى القديم قال: "تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة"، بينما المثل الشعبى يقول: "وقت الشدة تبان معادن الناس".. وهو عادة ما يتردد على ألسنة المصريين وقت الشدائد والمحن، فالظروف الصعبة دائما هى تجمع الناس أو الشعوب بكل توجهاته على قلب رجل واحد، وهو الأمر الذي بدوره حدث فى حرب السادس من أكتوبر 1973.
الشعب المصري برمته تذوق حنق ومرارة هزيمة 67 التي أُطلق عليها بعد ذلك "النكسة" أو بمعنى أصح "نكسة 67"، التي جعلت الشعب يلتف حول قيادته العسكرية والنظر للهزيمة على أنها مسألة حياة أو موت، وذلك بهدف الخروج من ويلات النكسة وعنق الزجاجة، فقد وصلت آثار صدى "نسكة 67" إلى الخارجون عن القانون والمجرمون.
المجرمون يعلنون توبتهم
ملحمة "حرب العاشر من رمضان" و 6 أكتوبر شارك وساهمت فيها طوائف الشعب المصري بمختلف التوجهات والمذاهب وعلى رأس هؤلاء كان الخارجون عن القانون والمجرمون الذين أعلنوا مجتمعين توبتهم في تلك الفترة عن طريق التوقف عن ارتكاب أي جرائم أو مخالفات قانونية من شأنها أن تكون نقطة سوداء في تلك الحقبة الزمنية.
سجلات الأمن العام والأجهزة المعنية في فترة حرب شهر رمضان، ذكرت أن مؤشرات معدل الجريمة تراجعت تراجعا مذهلا خلال حرب العاشر من رمضان - أكتوبر، الأمر الذي كاد معه أن تخلو سجلات الجريمة من الجرائم الجنائية، فقد كشفت السجلات حينها أن المحاضر والبلاغات بأقسام الشرطة والنيابات خلت خلال الأيام الثلاثة الأول من الحرب من تسجيل سوى الجرائم المعروفة لدى أجهزة الأمن بـ"الجرائم العارضة".
إحصائيات الجريمة فى الحرب
والذى وضح جلياَ خلال حرب أكتوبر بالنسبة لـ"الجريمة" أنها تميزت بعدة سمات أبرزها أن الجنايات الكبرى في الفترة التي بدأت من 6 وحتى يوم 21 أكتوبر قد انخفضت عن مثيلتها في العام السابق من 95 جناية عام 1972 إلى 71 جناية في أيام الحرب وبنسبة كبيرة هي 26%، وطبقاَ للتسجيلات فقد تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى من 11 جناية في الفترة نفسها من العام السابق إلى 7 جنايات وبنسبة 40% - حسب سجلات الأمن العام .
فيما انخفضت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضا يزيد عن 35 % في ذات المدة، وفيما يتعلق بجرائم النشل اليومية فقد سجلت انخفاضا يزيد على 45 % عما كانت عليه قبل الحرب، وخلال اليوم الثاني للقتال وهو يوم 7 أكتوبر خلت مدينة القاهرة من جرائم النشل، وبالنسبة لجرائم القتل فانخفضت أرقام جرائم القتل والشروع فيه خلال هذه الفترة بنسبة 25% عن معدلها في العام الذي سبق الحرب.
بينما ذكرت السجلات الأمن العام في ذلك التوقيت تسجيل 63 محضر جناية قتل وشروع فيه مقابل 82 جناية في عام 1972، ومن خلال بيانات وزارة الداخلية حينها فإن الجرائم السياسية والجنائية قد اختفت مع الطلقة الأولى لحرب أكتوبر، حيث أن وزارة الداخلية وقتها لم تتلق أية اخطارات أو بلاغات تمثل مصدر خطورة.
انضمام المجرمين للمقاومة الشعبية
من جانبه، يقول اللواء أمجد الشافعى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن الأغلبية العظمى من البلطجية واللصوص خلال تلك الفترة العصبية عادة ما كانوا ينضمون لحركات المقاومة الشعبية، وذلك طبقا لما كشفت عنه الإحصائيات والتقارير الصادرة عقب المعركة، فقد تمكن الخارجون عن القانون خلال حرب شهر رمضان أو السادس من أكتوبر 73 من تشكيل جبهة مقاومة قوية نتج عنها أثار سلبية للعدو لأنهم كانوا يتعاملون معهم بطريقة حرب العصابات التي تشبه حروب الشوارع، ما أدى الى تكبد العدو خسائر فادحة.
وبحسب "الشافعى" في تصريح لـ"برلماني": حرب العاشر من رمضان ملحمة وطنية هي الأعظم من نوعها على الإطلاق، حينما انتصر الجيش المصرى، وأعاد الارض المغتصبة من العدو الإسرائيلي إلى أحضان المصريين، وأعاد كرامة شعبه، ورد حق ضحاياه جراء نكسة 1967، حيث تحول الشعب المصرى بأكمله بجميع طوائفه ومختلف ثقافاته وفئاته إلى وحدة واحدة، وتلاشت كل الخلافات السياسية وغيرها، ولا يمكن إغفال أيضًا أن عالم الجريمة والمنتمين إليه قد انضموا لوحدة الشعب، وتمثل ذلك في غياب جرائم القتل والسرقات وغيرها من الجرائم الجنائية الكبرى في سبيل المعركة الكبرى وخاصة في العاصمة ومحافظات القنال.
ووفقا لـ"الشافعى": إن الشعب المصري هو السبب الأول والأكبر والأخير في انخفاض معدل الجريمة نظرا لحسه الوطنى العالى وانشغاله بالدفاع عن الأرض والعرض، ولعل دور الشعب نفسه أثناء غياب الشرطة في ثورة الخامس والعشرين من يناير، أكبر دليل على أن الشعب يعلى قيمة الوطن على كل شيء، حيث أن مشاركة الشعب وإحساسه بالمسئولية وقيامه بتشكيل لجان مقاومة بجانب أفراد الشرطة لمساندتهم في مواجهة العدو الخارجى أكبر دليل على تكاتف الشعب وانشغاله بالحرب أكثر من أي شيء آخر، حيث أن الفئة الإجرامية تكاتفت بشكل كبير جدا مع الشعب للانتصار واستيرداد الأرض، وأن الشعارات الرنانة تحولت إلى افعال إلى أرض الواقع تجسدت في العمل على قلب رجل واحد في تقديم العون والمساعدات للجيش والشرطة معنويا وماديا.
حال الشعب وقت الحرب
فيما أكد محمود البدوي، الخبير القانوني والمحامي بالنقض أن مسألة تراجع معدل الجريمة وقت حرب 73 يرجع للعديد من العوامل النفسية والاجتماعية للشعب المصري الذي تظهر فيه بشكل واضح التضحية والإثار والتسامح في الشدائد والأزمات، وها ما كشفت عنه احصائيات وتقارير وزارة الداخلية التي سجلت عدم وجود بلاغات أو محاضر لمدة 3 شهور قبل الحرب وبعدها واكتملت المدة حتى نصف نوفمبر.
ووفقا لـ"البدوى" فى تصريح خاص فإن الجريمة تراجعت فى حرب أكتوبر 73 نتيجة الشعور بالحس الوطني لدى المصريون بضرورة تغييب المصلحة العامة وتجميد الخلافات الشخصية، ولذلك كانت المجالس العرفية داخل الأحياء والقرى هي التي تقوم بحل النزاعات القائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم في العراء دون حراسة في أوقات الغارات لتكاتف الشعب.
ويُضيف الخبير القانوني جُل ميزانية الدولة المصرية فى تلك الفترة كانت تذهب للجيش المصرى، ما أدى إلى اقتسام لقمة العيش بين المصريين ببعضهم البعض خاصة أهل السويس والإسماعيلية، لإن هذه الأسباب متعلقة بالدفاع عن الأرض والشرف فعندما انتهت الحرب انتهى معها الإيثار والإخاء والتكافل الاجتماعي التي كانت موجودة في الشدائد.
يشار إلى أنه وقع نصر أكتوبر في يوم السبت العاشر من رمضان 1393 هجرية الموافق السادس من أكتوبر 1973 م فى تمام الساعة الثانية ظهراً، حيث نجحت القوات المسلحة فى عبور قناة السويس وخط بارليف المنيع، وتم رفع العلم المصري فوق أرض سيناء ليشهد العالم كله بانتصار الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي بدءً من الضربة الجوية على الأهداف الإسرائيلية شرقي قناة السويس، ثم جاء التمهيد المدفعي بنجاح مطلق في قصف التحصينات والاهداف الإسرائيلية من خلال المدفعية المصرية، وأخيراً جاءت لحظة عبور الدبابات المصرية بعد فتح الثغرات في الساتر الترابي. وهنا جاءت اللحظة الحاسمة حيث نجحت القوات المصرية في اختراق خط بارليف الدفاعي واستولى الجيش المصري على تحصيناته.