العديد من القانونيين من يقوموا بتعدادهم مجموعة من الجرائم على أنها الجرائم المخلة بالشرف، ويعتقد البعض أنها محددة في القانون على سبيل الحصر أو حتى على سبيل المثال، ولكن في الحقيقة لا يوجد قائمة تحصر وتحدد الجرائم المخلة بالشرف، ولم يضع المشرع معياراً محدداً للجريمة المخلة بالشرف، وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في تعريفها للجرائم المخلة بالشرف بأنها هي تلك التي ترجع إلي ضعف في الخلق وانحراف في الطبع مع الأخذ في الاعتبار نوع الجريمة والظروف التي تم ارتكابها فيها والأفعال المكونة لها ومدي كشفها عن التأثر بالشهوات والنزوات وسوء السيرة.
وبمجرد صدور حكم ضد شخص تتبادر إلى الأذهان مقولة "هل هي جريمة مخلة بالشرف؟"، بمعنى أدق حكم يؤدى معه إلى عزل الشخص الصادر بحقه الحكم من منصبه، وعدم ترشحه فى بعض الوظائف والمهام طبقاَ للقانون أو للائحة التنفيذية لمكان العمل من خلال مادة تنص على: "لا يكون المتقدم أو المرشح قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة"، وفى تلك اللحظة يتبادر أول ما يفكر فيه الشخص هى حزمة من التساؤلات حول لماذا هذا الجرم بالذات يُعد من الجرائم المخلة بالشرف وما هى القواعد المنظمة لمسألة الحكم على الجريمة بأنها مخلة بالشرف؟ وما هي الجرائم المخلة بالشرف في القانون المصري؟ وهل المشرع المصري عرفها أو ذكرها على سبيل الحصر؟ وما هي تطبيقات المحاكم المصرية فيما يتعلق بهذا النوع من الجرائم؟
"جريمة مخلة بالشرف".. عبارة تؤدى لعزل صاحبها من منصبه
في البداية - يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد عبد العظيم كركاب، عضو مجلس النقابة العامة للمحامين – أن قانون العقوبات المصري لم يضع أي تعريف لماهية الجرائم المخلة بالشرف، كما لم يحصرها أو يحددها على وجه الدقة، بينما تُستعمل كأداة لحرمان المُدانين بها من بعض الحقوق، مثل الحرمان من تقلد بعض الوظائف العامة، أو ممارسة بعض المهن، أو الفصل من الوظائف التي يشغلونها، وبالتالي أصبح للإدارة سلطة تقديرية واسعة في تقرير إذا كانت أي جريمة تخل بالشرف أم لا - ومحكمة النقض المصرية – سعت بشكل كبير إلى وضع حد لهذه السلطة وقررت في أحد أحكامها أن: "تكييف الجريمة وإصباغ صفة الإخلال بالشرف عليها من عدمه سلطة القاضي الإداري وحده، وفقاً لنوع الفعل المُعاقب عليه وظروف ارتكابه"، مما يعني أن نفس الجريمة قد تعتبر في ظروف معينة جريمة مخلة بالشرف، وفي ظروف أخرى لا تعتبر كذلك، حسب ما يقرره القاضي الإداري.
وبحسب "كركاب" في تصريح لـ"برلماني": قد ذهبت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع الصادر بتاريخ 31/3/1968م إلى أن القانون لم يحدد ما يعتبر من الجرائم مخلاً بالشرف أو الأمانة، ولعل المشرع فعل ذلك حتى يكون هناك مجال للتقدير وأن تكون النظرة إليها من المرونة بحيث تساير تطورات المجتمع فالجريمة المخلة بالشرف أو الأمانة هي تلك التي ينظر إليها المجتمع على أنها كذلك، وينظر إلى مرتكبها بعين الازدراء والاحتقار إذ يعتبر الخلق منحرف الطبع دنيء النفس ساقط المروءة فإذا تمت الجريمة بحسب الظروف التي ارتكبت فيها عن ضعف الخلق وانحراف الطبع والتأثر بالشهوات والنزوات وسوء السير كانت مخلة بالشرف أو الأمانة وتنتهي بها الخدمة بقوة القانون، وأن لم تتم عن شيء من ذلك فلا تعتبر مخلة بالشرف أو الأمانة بصرف النظر عن التسمية المقررة لها في القانون.
محمد عبد العظيم كركاب، عضو مجلس النقابة العامة للمحامين
التباين كونها مخلة أم لا
أما عن مسألة التباين كون الجريمة مخلة أم لا – يؤكد الخبير القانونى والمحامى محمد ميزار – أن عملية التباين هذه ظهرت بشكل كبير في تحديد ما إذا كانت جريمة مُخلة بالشرف أم لا في حكمين صادرين من المحكمة الإدارية العليا فيما يتعلق بجريمة إصدار شيك لا يقابله رصيد، فقد ذهبت في أحدهما إلى عدم تكييفها كجريمة مُخلة بالشرف، وذلك نظراً للظروف التي تمت فيها الجريمة وما يحيطها من وقائع - حيث أن الشيك محل الجنحة قد صدر ليس من شخص المتهم ولكن صدر بصفته رئيس مجلس إدارة شركة، كما إنه تخالص وسدد القيمة المالية المستحقة - وبناء على ذلك اعتبرت المحكمة في ظل تلك الظروف والملابسات عدم اعتبار الجريمة "مخلة بالشرف".
بينما في حكم آخر – وفقا لـ"ميزار" - اعتبرت المحكمة جريمة إصدار شيك بدون رصيد "جريمة مخلة بالشرف"، وذلك لأن المتهم كان قد أحيل إلى محاكمة جنائية في قضايا أخرى مماثلة لإصداره شيكات بدون رصيد، فاعتبرت المحكمة إعتياد المتهم على هذه الجريمة ينُم عن ضعف في خلق المتهم وسوء سيرته حيث أن كل ما سبق يدلل على غياب تعريف واضح للجريمة المُخلة بالشرف، أو أي معايير دقيقة للقياس عليها، وبالتالي، فإن الأمر يخضع فقط للسلطة التقديرية للقاضي الإداري وما يراه من ظروف ووقائع محيطة بكل نزاع، ويجب على المُشرع أيضاً حينما يؤسس لأي جزاء وارد في القانون مثل الحرمان من وظيفة ما أو العزل منها، أن يؤسسه على أفعال محددة واضحة معلومة للجميع، حتى يتجنبها من يرغب في تقلد هذا المنصب الرفيع، ولكن هذا القانون أسس جزاء الحرمان على "ملابسات وظروف" تحيط بالفعل هي التي تجعله مخلاً بالشرف.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمد ميزار
قانون العقوبات لم يعرف هذه الجرائم أو يذكرها على سبيل الحصر
ووفقا لـ"ميزار": في الآونة الأخيرة تغير مفهوم المواطنين للجرائم المخلة وخاصة عقب ظهور السوشيال ميديا واستحداث جرائم مثل الابتزاز الإلكتروني، والفيديوهات المخلة على مواقع التواصل الاجتماعي والتحرش الإلكتروني، وغيرها من الأمراض والجرائم المستحدثة على المجتمع حتى مفهوم الزنا تغير من التلبس والممارسة للمحرمات إلى كلمات أو عبارات خادشة بين الزوجة وشخص آخر على تطبيقات التواصل الاجتماعي فمجرد الكلام أصبح جريمة كاملة، كما أن قانون العقوبات المصري لم ينص على تعريف للجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة بل والأكثر من ذلك لم يقم المشرع بحصر هذه الجرائم ولم يذكر بعضها علي سبيل المثال.
وبالرغم من أن قانون العقوبات لم يعرف هذه الجرائم أو يذكرها على سبيل الحصر، فإننا نجد بعض القوانين تعرضت لذكر الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة بل ورتبت عليها نتائج و آثار ومن هذه القوانين قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 حيث نص في المادة 14 منه على أن: "يشترط فيمن يعين في إحدى الوظائف ما يأتي: ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره"، حيث يشترط فيمن يعين في الوظائف العامة الا يكون قد سبق الحكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة – الكلام لـ"ميزار".
قانون الخدمة المدنية وقيد الحرية
ونصت المادة 69 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 على أن: "تنتهي خدمة الموظف لأحد الأسباب الآتية: الحكم عليه بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو تفقده الثقة والاعتبار"، وأمام هذا الفراغ التشريعي من عدم تعريف الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة نجد أن جهة الإدارة قد توسعت في سلطتها التقديرية في تقرير ما إذا كانت الجريمة مخلة بالشرف من عدمه وفي هذا الشأن أصدرت محكمة النقض حكما قيد السلطة التقديرية لجهة الإدارة حيث جري قضائها على أن تكييف الجريمة وإصباغ صفة الإخلال بالشرف عليها من عدمه سلطة القاضي الإداري وحده، وفقاً لنوع الفعل المُعاقب عليه وظروف ارتكابه – هكذا يقول "ميزار".
الخبير القانونى والمحامية ريهام العسيلى
الجرائم الالكترونية
وفى سياق أخر – تقول الخبير القانوني والمحامية ريهام العسيلى - الجرائم الإلكترونية هي من الجرائم المستحدثة مثل الابتزاز الإلكتروني أو فيديوها البذيئة على مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر جرائم مخلة بالشرف، ومن المتعارف عليه قانونا أن جريمة السب والقذف ليست من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، ولكن حال ارتبطت تلك الجريمة بالجرائم الالكترونية أو جرائم السوشيال ميديا يكون التقدير متروك لسلطة المحكمة، ولكن مع ذلك فالمحكمة هي التي تحدد هذا هل هي جريمة شرف أم لا ومن وجهة نظره هي جرائم مخلة بالشرف لأن هذه الجرائم ينطبق عليها تعريف المحكمة الإدارية العليا حيث إن هذا النوع من الجرائم يرجع إلى ضعف الخلق والانحراف وسوء السير والتأثر بالشهوات والنزوات، وتأتى التقسيمات كالتالى:
زنا وفجور وتحرش
هذه الجرائم تنقسم إلى نوعان أحدهما أدبي والآخر مالي، فالأدبي يتمثل في جرائم الفجور والزنا والتحرش وممارسة البغاء وهذه الجرائم بمثابة جنحة والتي تتراوح عقوبتها من سنة لثلاث سنوات، والشق الآخر منها يمثل جناية مثل هتك العرض والتعرض لأنثى والاغتصاب كجريمة يعاقب عليها القانون من ثلاثة أعوام إلى عشرة أعوام.
الاختلاس والتربح
الجزء الثاني يتمثل من هذه الجرائم المخلة بالشرف في جرائم الأموال بداية بجرائم السرقة والتبديد وخيانة الأمانة وهى الجنح المعاقب عليها بالحبس من عام لثلاث أعوام مثل الإفلاس والسب والقذف والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للغير إضافة إلى الجرائم الجنائية من الرشوة والاختلاس والتزوير والاستيلاء على المال العام والتربح غير المشروع من المال العام وهى الجرائم التي يواجهها الموظف العام والتى تتراوح عقوبتها من ثلاثة أعوام إلى خمسة عشر عامًا.
حرمان من الحقوق السياسية
والجدير بالذكر أن الجرائم المخلة بالشرف هي من أخطر الجرائم لأنها تفرض في أحكامها على عقوبات تكميلية إضافة إلى العقوبة الأصلية من حرمان مباشرة حقوق سياسية وحقوق عامة بالإضافة إلى ازدراء المجتمع لمرتكبها.
وتضيف "العسيلى" في تصريحات صحفيه: لقد تطورت هذه الجرائم اليوم مع التطور الملحوظ في التكنولوجيا لكون الجرائم أصبحت جميعها لا تحتاج إلى ممارستها سوى "ضغطة زر" بسيطة على الهاتف المحمول ويصبح مرتكب الفعل مدانا جنائيا بارتكاب جريمة مخلة بالشرف خاصة ما يفعه كل يوم مستخدمي السوشيال ميديا باختلاف أنواعها وعرضهم لصور وفديوهات شخصية، وتعمدهم تصوير نفسهم واستخدامهم للعبارات والألفاظ الخارجة والمخلة بالآداب العامة حتى فى وسائل الاتصال الخاص التي تجمع بين شخصين أو أكثر في مجموعة المحادثات المختلفة مما يثبت وقوع الجريمة فى حق مرتكبها لذلك يلزم الحظر فى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
المقصود بالجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة
وليس هناك في الواقع معيار جامع مانع لتمييز هذا النوع من الجرائم عن غيره مما لا يعد مخلا بالشرف أو الأمانة خاصة أن المشرع لم يحدد ماهية تلك الجرائم تاركا تلك المهمة لكل من الفقه والقضاء ومع أن الفقه والقضاء قد حاولا وضع معيار في هذا الخصوص إلا أنه ليس معيارا حاسما بل هو أقرب إلى التوجيه العام منه إلى المعيار.
تعريف محكمة القضاء الإداري
إن الجرائم المخلة وبالشرف أو الأمانة هي " تلك التي ينظر غليها المجتمع على أنها كذلك وينظر على فاعليها بعين الإزدراء والاحتقار ويعتبره ضعيف الخلق منحرف الطبع دنيء النفس ساقط المروءة فالشرف والأمانة ليس لهما مقياس ثابت محدد بل هما صفتان متلازمتان لمجموعة من المبادئ السامية والمثل العليا التي تواضع الناس على إجلالها وإغرازها في ضوء ما تفرضه قواعد الدين ومبادئ الأخلاق والقانون السائدة في المجتمع .
تعرف المحكمة الإدارية العليا
الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة بأنها: " تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع"، ومما سبق يصعب وضع قاعدة عامة في هذا المجال يمكن على ضوئها وصف فعل ما بأنه يشكل أو لا يشكل جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، ومن ثم يجب أن ينظر إلى كل فعل على حده، على أن يؤخذ في الاعتبار الظروف والأوضاع التي تم فيها هذا الفعل أو الملابسات والبواعث الخاصة به، أو بمعنى أعم وكما تقول المحكمة الإدارية العليا:
"طبيعة الوظيفة ونوع العمل الذي يؤديه المرشح ونوع الجريمة والظروف التي ارتكبت فيها والأفعال المكونة لها ومدى كشفها عن التأثر بالشهوات وسوء السيرة والحد الذي ينعكس إليه أثرها على العمل .. "، الأمر الذي يعني أن المرجع في تقدير ما إذا كانت جريمة ما من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة أم ليست كذلك إلى السلطة الإدارية المنوط بها تطبيق القانون وهي في هذا التقدير تخضع لرقابة القضاء إن هي أسرفت أو جاوزت الحدود .
الجرائم التي استقر عليها الفقه والقضاء باعتبارها جرائم مخله بالشرف والأمانة
ومع ذلك يمكن القول أن هناك مجموعة من الجرائم لا يختلف الفقه والقضاء حول اعتبارها جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة وهي السرقة – التزوير – هتك العرض – النصب والاحتيال – خيانة الأمانة .. إلخ بل لقد اعتبرت المحكمة الإدارية العليا أن جريمة إصدار شيك بدون رصيد تعد من الجرائم المخلة بالشرف لأنها ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع كما أن هناك مجموعة أخرى من الجرائم استقر القضاء على عدم اعتبارها جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة منها جرائم التبديد التي تقع من المالك للأشياء المحجوز عليها والمعين حارسا عليها – جنحة تبديد منقولات الزوجية – الحكم بالغرامة في جنحة مشاجرة – جرائم السب حتى وإن كانت تتضمن خدشا لشرف المجني عليه – جرائم بيع سلعة بأكثر من السعر المقرر لها – جريمة تغيير من أحد الزوجين في عقد الزواج .... إلخ.
هذا وتجدر الإشارة إلى أمرين أساسيين في هذا الصدد:
الأمر الأول: أنه يشترط في العقوبة الصادرة في الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة – لكي تعتبر مانعا من التعيين في الوظائف العامة – أن تكون عقوبة مقيدة أو سالبة للحرية كالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو السجن أو الحبس أيا كان مقدارها، أما إذا لم يكن كذلك بان كانت عقوبة مالية مثلا كالغرامة أو المصادرة فإن المحكوم عليه لا يحرم من حق الترشيح لشغل إحدى الوظائف العامة كما يشترط كذلك أن يكون الحكم الصادر بالعقوبة المقيدة للحرية في هذه الحالة حكما نهائيا.
الأمر الثاني: أن يكون الحكم بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة صادرا في جناية أو جنحة أما إذا كان صادرا في مخالفة فإنه لا يقف عقبة في تولية الوظائف العامة حتى وإن كانت هذه المخالفة مخلة بالشرف او الأمانة وقضى فيها بعقوبة مقيدة للحرية وذلك بسببين:
أولهما: أن المشرع جعل زوال هذا المانع رهنا برد الاعتبار ولا يوجد رد اعتبار في المخالفات.
ثانيهما: أن المشرع رتب على وقف تنفيذ العقوبة زوال أثرها بالنسبة للتعيين في الوظائف العامة ووقف التنفيذ لا يرد على المخالفات، ومن ثم إذا قبل بقيام المانع من التعيين في الوظائف العامة أو الاستمرار فيها في حالة صدور حكم بعقوبة مقيدة للحرية في المخالفات لكان في ذلك مفارقة غريبة، إذ بينما ترتب الأحكام الصادرة في تلك المخالفات أثرها والمتمثل في عدم تولية الوظائف العامة بقوة القانون فإن الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح وهي جرائم أشد لا ترتب هذا الأثر في حالة الحكم بوقف تنفيذها وهو أمر يتنافى مع المنطق القانوني السليم ومايمليه هذا المنطق من ضرورة مراعاة التدرج في الجرائم من حيث مبلغ خطورتها والعقوبات المقررة لها والآثار المترتبة عليها .
نخلص مما سبق إلى أن عدم سبق الحكم على المرشح بعقوبة جناية أو بعقوبة مقيدة للحرية في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة يعتبر شرطا جوهريا ليس فقط التعيين المبتدئ في الوظيفة العامة وإنما أيضا للإستمرار فيها بحيث يترتب على مخالفة هذا الشرط الانحدار بالقرار الإداري الصادر بالتعيين إلى درجة الانعدام مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها إمكانية سحب هذا القرار في أي وقت دون التقيد في ذلك بالمواعيد المحددة لسحب القرارات الباطل، وجريمة السب والقذف من الجرائم غير المخلة بالشرف والتي تحول دون حصول مرتكبها على حقوقه السياسية المنصوص عليها بالدستور مثل الترشح في الانتخابات البرلمانية، إضافة إلى أنها لا تؤثر على حقه في خوض أي انتخابات باعتباره أحد الحقوق المكفولة له ولأي شخص تنطبق عليه شروط الترشح لهذا المنصب، ولا يؤثر على استمراره في منصبه ولا يعد مانعًا بأي حال لاستكماله مدة في منصبه، وذلك باعتبار أن السب والقذف جريمة ليست مخلة بالشرف.