الجمعة، 26 أبريل 2024 11:25 م
خلف أحمد الحبتور

خلف أحمد الحبتور

قانون "جاستا" مسمار جديد فى نعش العلاقات الأمريكية - الخليجية

10/8/2016 9:50:34 AM
لقد تخطّى الكونجرس الأمريكى المحظور عبر قيامه بالتصويت بإجماع شبه تام على مشروع قانون يُتيح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر رفع دعاوى مدنية ضد المملكة العربية السعودية (وسواها من الدول) بتهمة مساعدة الإرهاب والتحريض عليه، وفى ذلك انتهاك صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية التى تحمى الدول السيادية من الدعاوى القانونية التافهة، لقد تصرّف الكونجرس بغطرسة معيداً كتابة القانون الدولى فى خطوة تنمّ عن تعجرف غير مسبوق وعدم احترام لدولة تُعتبَر من الحلفاء الأقرب إلى الولايات المتحدة.

صحيح أن بعض كبار المشرعين الذين قادوا الحملة لإسقاط حق النقض (الفيتو) الذى استخدمه الرئيس باراك أوباما يُعيدون الآن النظر فى قرارهم، إلا أن السبب هو فقط أنهم أدركوا أن المعاملة بالمثل قد تؤدّى إلى توريط دبلوماسيين وموظفين وعملاء استخبارات أمريكيين فى الخارج فى قضايا تُرفَع ضد الحكومة الأمريكية على خلفية تدخلاتها العسكرية، والسجون السرية، وترحيل المشتبه بهم، والتعذيب، والهجمات بالطائرات بدون طيار.

يريد بعض الجمهوريون فى مجلس الشيوخ الأمريكى، على غرار ليندسى غراهام ورئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ، بوب كوركر، أن يتم تعديل القانون لحماية الأمريكيين من دون التعدّى على ما يسمّونه حقوق عائلات 11 سبتمبر، ويحمّلون أوباما مسئولية عدم الإشارة صراحةً إلى التداعيات المحتملة.

واقع الحال هو أن الرئيس فعل ذلك، إنما من دون اقتناع حقيقى، يقول المتراجِعون عن موقفهم إنه لم يشنّ حملة كاملة لإيصال أفكاره، ولم يستجب لطلبات المشرّعين عَقْد اجتماع من أجل مناقشة التداعيات.

طوال الجدال الذى أثارته القضية، لم يتقدّم أوباما للدفاع عن السعودية التى بُرِّئت من الضلوع فى هجمات 11 سبتمبر، بل ركّز على تعاطفه مع أسر الضحايا وقلقه على المواطنين الأمريكيين خارج البلاد.

استخدم الرئيس أوباما حق النقض وهو يعلم أن مشروع القانون يحظى بدعم ساحق من الحزبَين فى مجلسَى النواب والشيوخ، وأن حشد ثلثَى الأصوات المطلوبة لإسقاط الفيتو أمرٌ مفروغ منه.

بدأت أتساءل عما إذا كان ما جرى مجرّد سيناريو تم التحضير له بالتواطؤ مع البيت الأبيض بهدف إضافة المزيد من الضغوط على المملكة العربية السعودية، تبدو مزاعم البيت الأبيض عن تعرّضه للإحراج فارغة وغير مقنعة.

يستعدّ مئات المستفيدين المتوقعين من هذا القانون، لرفع دعاوى فى المحاكم التى باتت تملك صلاحية تجميد الأصول السعودية بانتظار أن تصل هذه الدعاوى إلى خواتيمها.

إنه عمل عدائى لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام. اليوم، السعودية فى مرمى النيران. وغداً، قد تصبح دول أخرى، بما فى ذلك بلدان أخرى فى مجلس التعاون الخليجى، فى الموقع نفسه.

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية إن فرنسا وسواها من الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى تعتبر قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" أو ما يُعرَف بقانون "جاستا"، انتهاكاً للقانون الدولى. لقد أصدر الاتحاد الأوروبى بياناً أدان فيه القانون معتبراً أنه يتعارض مع مبدأ الحصانة السيادية للدول، ووصف البرلمان الهولندى القانون بأنه "انتهاك صارخ وغير مبرّر للسيادة الهولندية".

وحذّرت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر وتركيا من أن الولايات المتحدة قد تتحمّل العواقب على صعيد خسارة الاستثمارات والثقة والتعاون.

بطبيعة الحال، سوف يتردّد المستثمرون فى إيداع أموالهم فى بلدٍ حيث يمكن أن تتم مصادرة هذه الأموال بمجرد قرار يصدر عن قاضٍ لا دراية له بالشئون الخارجية أو لمجرد أن تنظيم "القاعدة" يعتبر الرياض عدوّه الأكبر.

إن التفكير بأن القيادة السعودية التى جرّدت أسامة بن لادن من جنسيته، على صلة بتنظيم "القاعدة" مثيرة للضحك، لكن إذا كان الكونجرس، الذى يُفترَض أنه يضم أشخاصاً متفوّقين فى تفكيرهم، يتصرّف بهذا الجهل، فماذا عسانا نتوقّع من القضاء؟!

يبدو لى أن الكونجرس يتحمّل المسئولية فى توريط بلاده فى مأزق، يحمل مقال فى صحيفة "الواشنطن بوست" العنوان الآتى: "غباء الكونجرس الذى لا يُطاق"، ونقرأ فى مجلة "صالون" مقالاً آخر بعنوان "إلى أى دركٍ يمكن أن ينحدروا؟" وقد وصفت صحيفة "هافنغتون بوست" القانون بـ"غير المسئول والخطر".

تعتبر منظمة "المشروع العربى" العراقية أن قانون "جاستا" يتيح فرصة للمطالبة بتعويضات من الولايات المتحدة على خلفية الانتهاكات التى ارتكبتها القوات الأمريكية فى العراق، بحسب ما أوردت قناة "العربية".

وقد طالبت المنظمة بـ"إجراء تحقيق كامل فى مقتل المدنيين وخسارة الممتلكات، وفى ما تعرّض له الأشخاص الذين عانوا من التعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة على أيدى القوات الأمريكية"، قدّم لها الكونجرس هذا الحق على طبق من فضة.

لقد تخطّت الاستثنائية الأمريكية كل الحدود المقبولة، رفضت الولايات المتحدة، وهى من الجهات الأساسية التى وقفت خلف معاهدة روما التى نصّت على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، المصادقة على عضويتها فى المعاهدة.

قامت أمريكا بلى ذراع أكثر من مئة من حلفائها، وبينهم شركاؤها فى حلف شمال الأطلسى (الناتو)، لتوقيع اتفاقيات "وضع القوات" (صوفا) التى تتيح حماية الطواقم العسكرية الأمريكية دون سواها من الخضوع للأنظمة القضائية الجنائية أو المدنية فى تلك الدول.

فضلاً عن ذلك، ضغطت الولايات المتحدة على المملكة المتحدة لتوقيع معاهدة ترحيل غير متبادلة تتيح لها ترحيل مواطنين بريطانيين وغير بريطانيين بتهمة مخالفة القانون الدولى بالاستناد إلى "شبهات معقولة" وليس إلى أدلة دامغة.

ينبغى على المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى اتخاذ موقف حازم فى مواجهة هذه الممارسات غير العادلة والمدفوعة بالمصالح الشخصية، وليس قانون "جاستا" سوى مثال فاضح عنها، لقد دعا الدكتور خالد عبد العزيز النويصر، وهو خبير سعودى فى القانون الدولى، مجلس الشورى إلى إقرار قانون مشابه لقانون "جاستا" يتيح للمواطنين السعوديين رفع دعاوى ضد الدول فى المحاكم السعودية.

لا أثنى على اقتراح الدكتور النويصر وحسب، بل أناشد أيضاً المملكة وجميع شركائها فى مجلس التعاون الخليجى تشريع وتطبيق قوانين مماثلة ليس فقط من أجل حماية حقوق مواطنيها إنما أيضاً لتوجيه رسالة قوية إلى واشنطن بأننا لن نسكت ونذعن أمام ما نتعرض له من إهانة وسوء معاملة.

لطالما ساورتنى شكوك بأن السعودية أصبحت هدفاً لواشنطن، لكن شكوكى تأكّدت الآن. إنهم يسعون إلى تقويض الرياض عند كل فرصة سانحة. لقد ولّى زمن الكلام الدبلوماسى وحان وقت المكاشفة.

أولاً، لقد أقدمت الولايات المتحدة على إزالة إيران، الراعية الأكبر لإرهاب الدولة فى العالم، وعميلها اللبنانى "حزب الله" المتواطئَين فى الجرائم التى يرتكبها مجرم الحرب السورى، من قائمة التهديدات الإرهابية.

ثانياً، وفى أعقاب تلك الصدمة، بدأت الأخبار تنتشر عن مفاوضات سرّية تجريها إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق ساهم فى زيادة ثروات طهران وتمكينها على حساب الحلفاء الأقرب إلى الولايات المتحدة فى المنطقة، ما أحدث تغييراً فى ميزان القوى.

ثالثاً، انضمّت الأمانة العامة للأمم المتحدة إلى الجوقة عبر وضع التحالف الذى تقوده السعودية فى اليمن على قائمة سوداء تتعلق بـ"الأطفال فى النزاعات المسلحة"، إلا أنها سرعان ما حذفته.

وما كشفه الصحفى فى جريدة "ذى اتلانتك" جيفرى غولدبرغ عن أن الرئيس أوباما وصف المملكة وحلفاء آخرين بأنهم "متطفّلون" مناشداً السعودية أن تشارُك المنطقة مع إيران، كان بمثابة مخرز يُغرَز فى العين.

فى غضون ذلك، وفيما تزداد حرب أسعار النفط مسببة تراجع الإيرادات بسبب الوفرة، رُفِعت العقوبات عن مبيعات النفط الإيرانية.

سألتُ الولايات المتحدة فى أكثر من مقال: "هل أنت معنا أم علينا؟" بعد إقرار قانون "جاستا"، وعلى الرغم من المناشدات من المسئولين فى الحكومة السعودية بعدم سلوك هذا المسار، أصبح الجواب، للأسف، واضحاً بالنسبة إلى.

print